جمال عبد الناصر بإخراج باسل الخطيب
صرح المخرج باسل الخطيب أنه سيختار ممثلاً مصرياً للعب دور «جمال عبد الناصر» في مسلسل تاريخي يحمل اسم هذا القائد العربي الفذ.
وبذلك يخطو المخرج الخطيب خطوته الأولى لإنجاح المسلسل على الرغم من كل مايمكن أن يثيره من نقاشات وسجالات بشأن هوية وطبيعة المسلسل وبنيته الدرامية، وهو مايمكن القول إنه سابق لأوانه.. إلا أن كل من تابع أعمال المخرج المبدع باسل الخطيب يلحظ قبل أي شيء آخر امتلاكه الكامل لأدواته الفنية، وقدرته الفائقة على توظيف رؤيته الفنية وفهمه السياسي الناضج والموضوعي لكل القضايا التي آثر أن يخوض في غمارها على الشاشة الفضية، وهي مسلسلات لاتزال محفورة في الذهن والذاكرة مثل «عائد إلى حيفا» و«نزار قباني» و«رسائل الحب والحرب» و«يحيى عياش» وغيرها كثير.
ومن هنا يتوقع المتابعون للدراما التلفزيونية سواء السورية أو العربية أن ينجح المخرج باسل الخطيب في تقديم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في حلة وبنية وتوجه ومواقف تمنح هذا القائد حقه التاريخي في مراحل تشكل منعطفات في الساحة العربية منذ أن حققت ثورة يوليو تموز عام 1952 شروط نجاحها ومقومات استمراريتها كمفصل أساسي وهام في نقلة عربية حقيقية، وفي نهوض قومي عربي شامل ومتكامل من الماء إلى الماء، كانت مصر قاعدته وأراضيه وعموده الفقري.
أما لماذا «ممثل مصري» للعب دور الرئيس عبد الناصر؟. ففي اعتقادي إن الشخصية بالأساس هي «مصرية» في الصميم، في النشأة والتكوين والملامح.. وفي العلاقة التي فاقت الحدود والتصور بين قائد ثورة تموز والشعب المصري وعموم أمتنا العربية، فهو على عكس الملك فاروق الذي يعد من جذور ومنابت غير مصرية لأنه سليل عائلة جاءت الى مصر في عهد الولاية العثمانية، ومع هذا لايزال السجال قائماً وواسعاً حول اختيار الفنان المبدع والموهوب «تيم حسن» للعب دور شخصية الملك فاروق في المسلسل الذي سلب الألباب وبقدرة المخرج المتميز حاتم علي.
لا أقول هذا من قبيل التجني على الملك فاروق، أو الانحياز الى الممثل المصري الذي سيلعب دور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بقدر ما أنه من أجل أن تستكمل صورة الملامح والقسمات في بنية فنية درامية يريد لها المخرج باسل الخطيب أن تكون نظيفة وصافية ورقراقة كنبع الماء، تجري في وديان وسهول وجبال وتضاريس ساحتنا العربية، إليها افتقدت برحيل الرئيس جمال عبد الناصر إحدى أهم مقومات انبعاثها في زمن كان يتطلب أن يظل هذا القائد على رأس قيادة الأمة، وهي تنفض عن نفسها آثار الهزيمة في حزيران 1967، في حرب التحرير التي استعد لها عبد الناصر، كما ولو أنها قريبة من الشريان الجغرافي والتاريخي والسياسي والنضالي للأمة العربية إثر وقوع الهزيمة، بإعادة بناء وإحياء دور الجيش المصري للرد على الهزيمة، لكن الموت عاجله، فكانت الواقعة، كما كانت معها كل التحضيرات والاستعدادات قادرة على أن تحقق العبور الكبير للمقاتل المصري قناة السويس في حرب تشرين عام 1973.
لا أدري كيف ستكون عليه البنية الدرامية والفنية لمسلسل سيشكل عنواناً كبيراً لدور الدراما التلفزيونية في حياتنا وتفكيرنا ورؤانا وفي تكوين المواقف والقناعات في السياسة والفكر وكل شؤوننا العامة، لكن الفترة القصيرة التي أمضاها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الرئاسة وهي ثمانية عشر عاماً حبلى بالمراحل والمفاصل والأحداث والتطورات.. فمع انتصار وتثبيت ركائز ثورة يوليو/ تموز التي انتهت بتأميم قناة السويس عام 1956، هناك مرحلة الانتشار القومي العربي للثورة فكانت وحدة عام 1958، ومن ثم نكسة الانفصال عام 1961، ولتأتي بعدها مرحلة بلورة العلاقة المتينة بين مصر والأمة العربية بانتصار ثورتي شباط وآذار في العراق وسورية عام 1963، ثم مرحلة قيادة مصر عبد الناصر للمد القومي العربي التحرري الذي تعرض أيضاً لانتكاسة بهزيمة حزيران 1967، وعند ذاك جاءت الصحوة على العلاقة بين الداخل والخارج، وقوة البنيان الوطني في علاقته بالبنيان القومي، وهو ما يعرف سياسياً بالأمن القومي العربي الموحد والموقف التضامني الواحد والمشترك بين كل العرب للرد على الخطر الإسرائيلي، ولم يكن غريباً أن يرحل الرئيس عبد الناصر وهو يلملم الشتات العربي بعد أحداث أيلول عام 1970 في الأردن لأن النصر لا يكتمل إلا بالقوة العربية الموحدة المساندة والمؤازرة للحق في الرد على العدوان، ولا أخال هنا أن من تصدى لكتابة سيناريو الرئيس جمال عبد الناصر إلا وأخذ في اعتباره كل هذا الخضم السياسي في المواقف، وهو ما سيجد تعبيراته الفنية وتواصله بالصورة والموقف على يد المخرج المبدع باسل الخطيب في عمل درامي، أرى أنه من الضروري أن يشكل نقلة نوعية في الدراما التفزيونية العربية.
أحمد صوان
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد