حاخام يهودي ضد فكرة الأغيار
خلافا للصورة الشائعة عن حاخامات اليهود ونظرتهم الدينية الضيقة، يظهر بين الحين والآخر حاخامات يحاولون قلب الصورة. ومؤخرا نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرا عن حاخام يرأس مدرسة دينية مقامة في قلب الحي الإسلامي في القدس الشرقية يدعى الحاخام أليعزر برلاند. ويعتبر برلاند من بين أبرز حاخامات "حسيدوت بارسلاف" التي تعتبر واحدة من أهم التيارات الحريدية في إسرائيل والعالم. ويتميز هذا التيار عن سواه بأنه أكثر سلفية، وهو يجمع في رؤيته بين التطرف والخصوصية.
ويدعو الحاخام أليعزر برلاند، على الأقل وفق عظة ألقاها في الأسبوع الماضي، ونشرت مقتطفات منها صحيفة "هآرتس"، إلى عالم بلا حدود، وإلى التضامن بين البشر، بمن فيهم العرب واليهود، لأن الإنسان حبيب الله حتى لو كان من "الأغيار"، وحتى لو كان "إسماعيليا" وهو التعبير المستخدم لدى اليهود منذ القدم لوصف العرب. ويجمع هذا الحاخام في عظاته، ليس فقط جماعات حريدية، وإنما آلافا من العلمانيين والتقليديين.
وأشارت "هآرتس" إلى أن الحاخام برلاند ألقى عظته في استاد رياضي في رمات غان أمام جمهور بلغ 6-7 آلاف شخص دفع كل منهم 100 شيكل (حوالي 25 دولارا) للجلوس في القاعة العامة، وما لا يقل عن خمسة أضعاف ذلك لخمسمئة اصطفوا في قاعة الشخصيات الهامة.
والحاخام برلاند هو مؤسس حركة "عودوا أيها الأبناء"، وقد جر خلفه الجمهور برؤية دينية راديكالية لعالم يخلو من الحدود والعوائق. وأثارت آراؤه اهتماما والكثير من التساؤلات خصوصا عندما أعلن أن "لا وجود لعلمانيين في العالم".
وكرّس الحاخام برلاند جزءا من خطابه لما يجري في سوريا حيث قال إن "هناك من يذبح أمام ناظرينا" في "حين أمم الأرض تملأ فمها ماء، ونحن إسرائيل، شعب العدل، شعب الضمير، شعب النزاهة، ضمير العالم كله. والعالم بأسره يرنو إلى شعب إسرائيل، والعالم كله يؤمن بشعب إسرائيل... وعلينا أن نقف أمام العالم كله لنطالب بتدخل فوري في سوريا ووقف المجزرة الرهيبة، ووقف الاضطهاد الفظيع من جانب الشبيحة والجيش والوقوف إلى جانب هؤلاء المظلومين، هؤلاء المساكين، بغض النظر إن كانوا اسماعيليين، بغض النظر إن خرج منهم لاحقاً مخربون، المهم ما ينقذ الأطفال البؤساء، الرضع، النساء فهذه هي المهمة الأولى". ووصف برلاند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "زعيم المخربين ورئيس الأشرار" لوقوفه إلى جانب النظام السوري.
وأوضحت "هآرتس" أنه ليس هناك حاخام حريدي آخر يهتم بالمواطنين السوريين غير اليهود ويدعو إلى تحمل المسؤولية إزاء من يوجدون في الجانب الآخر من الحدود. ولكن ليس هناك من يعرف القصد الحقيقي للحاخام من وراء هذه الدعوة غير الإيمان الذي يحاول أن يغرسه في أتباعه باختراق الحدود واعتبار ذلك مبدأ دينيا.
وأكدت "هآرتس" أن الحاخام برلاند يخترق الآن على الأقل حدود طائفته ومجموعته. وبرلاند الذي يعتبر من أكثر الحاخامات إعادة للشباب إلى صفوف الدين، وهو منذ 12 عاما لم يلق موعظة خارج طائفته التي تضم حاليا 700 عائلة خرج عن عادته بعد مقتل أحد أتباعه في محاولة الوصول إلى قبر يوسف في نابلس. وسافر إلى الخارج ثم عاد ليقدم رؤية مختلفة. فقد صار داعية للمحبة والتقريب بين الناس من كل الأجناس.
وهكذا فإن برلاند في موعظته الأخيرة أطلق أفكارا ثورية بالمعنى الحريدي فأعلن أنه "لا وجود لشيء اسمه العلمانيون" و"تحديدا ليس هناك أغيار في العالم، فالجميع يهود، لكل إنسان في العالم نقطة يهودية، وحبيب الإنسان الذي خلقه الله على صورته". ويشير الباحث في شؤون طائفة بارسلاف إلى أن هذه الأفكار تذكر الناس بحركة "حباد" التي نشأت كحركة شعبية تحاول اختراق حدود الحسيدوت. وأشار إلى الأرنب الحبادي الذي أطلقه برلاند في نهاية موعظته وهو "We Want Moshiach Now" (نريد المسيح الآن).
وكان برلاند قد ناقض نفسه عندما ألقى خطابا حول قبر يوسف الذي يعتبر الأهم لدى الحسيديم، وفق برلاند. إذ قال: "عندما أصل إلى يوسف الصديق، وأرى كيف يقفون مع بنادق M16, أقول لهم ألا تخجلون؟ يوسف الصديق! لماذا تقفون مع بنادق-M16?" وأضاف "بوسع المرء أن يتنقل في النهار، فلا خوف من ذلك. الإسماعيليون هم أبناء عمومتنا، وجميعنا أبناء إبراهيم واسحق ويعقوب، جميعنا أتينا من الأب نفسه، من الله نفسه، من الجذر نفسه، من الجذع نفسه". وصفق الجمهور بشدة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد