حقوق الإنسان في السعودية،إلى الوراء در: اعتقالات تعسفية ومحاكمات سرية و«تهم مضحكة»
في الوقت الذي تتجه فيه أعين العالم أكثر من أي مرحلة مضت، إلى معايير «حقوق الإنسان» في العالم العربي، تشكل السعودية ساحة لسجل طويل من الاعتقالات التعسّفية، وأسماء المحتجزين بلا محاكمة، وإجراءات المنع من السفر، والمحاكمات السرية، وغيرها من الانتهاكات التي لطالما أثارت قلق المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن. وفي مواجهة سلطات تضيّق الخناق أكثر فأكثر، على الناشطين الحقوقيين والمطالبين بحرية الرأي والتعبير، تتعالى الأصوات المناهضة للقمع من حناجر مجموعات عديدة، مراكز وجمعيات تعنى بالدفاع عن حقوق الانسان وتوثيق الانتهاكات، وتعمل جاهدة لخلق التغيير.
قمع الناشطين الحقوقيين
يتابع العضو المؤسس لـ«جمعية الحقوق المدنية والسياسية» أو «حسم»، التي تأسست في العام 2009، الدكتور محمد القحطاني وسائر الناشطين والحقوقيين في الجمعية، ملف كل المعتقلين، سواء كانوا ناشطين حقوقيين أو معارضين سياسيين أو غير ذلك، عبر التواصل مع ذويهم، بهدف توثيق الانتهاكات ومساعدتهم. وتصدّرت مؤخّراً قضية الناشط محمد البجادي، الذي صدر الحكم بحقّه بالسجن لمدة اربع سنوات يعقبها حظر على السفر لمدة خمس سنوات، من خلال محاكمة سرّية. بدأت قضية البجادي عند كشفه جريمة قتل اليمني سلطان محمد عبدو الدّعيس تحت التعذيب في سجن القصيم في كانون الاول 2010. وبعد محاولات فاشلة، اعتقل في آذار العام 2011 «بطريقة مرعبة أمام أطفاله وزوجته من منزله»، بحسب القحطاني. وبعد تحرّكات عديدة وإرسال البيانات والخطابات لوزير الداخلية، وعند المحاكمة الاولى في آب 2011، رفضت وزارة الداخلية إدخال أعضاء الجمعية الى المحكمة وتمثيل البجادي. استطاع زملاؤه التواصل معه ومعرفة أخباره، فتمّ الاتفاق معه بأن «لا يعترف بالمحكمة إلا بوجود وكلاء شرعيين معه... رفض القاضي حضورنا في المحكمة في 4 كانون الاول 2011، المرة الاخيرة التي مثل فيها أمام المحكمة»، يقول القحطاني لـ«السفير». وعند التأكّد من خبر إضراب البجادي عن الطعام في أواخر آذار 2012، «تعاطفنا معه عبر الإضراب أيضا لمدة 48 ساعة. واستمر إضرابه وفعّلنا القضية على المستوى الاعلامي، وطالبنا الحكومة بأن تكون محاكمة شرعية وعادلة، لكن نتفاجأ في 10 نيسان الحالي بأنه أخذ وأطعم قسراً ومن ثم نقل ليمثل أمام القاضي وأصدر بحقه الحكم سرّياً».
يعتبر القحطاني ان «جميع التهم مضحكة، فهي تأسيس جمعية غير مرخصة، الدعوة الى التظاهر، حيازة كتب ممنوعة والاساءة الى سمعة المملكة». ويتساءل القحطاني كيف انه تُوجّه تهمة لشخص ويُترك أشخاص آخرون يقومون بالمثل! ويشير الى ان «جميع التهم ليس لديها قيمة ولو كانت المحاكمة علانية لأثبتنا العدالة وبراءة البجادي. وحول هذا الملف، أوصلت الجمعية قضية البجادي الى المقرر الخاص في جنيف ونتوقّع ان يصدر حكم من لجنة الاعتقال التعسفي، ولن نسكت».
مثل جمعية «حسم»، هناك أيضاً «مركز العدالة لحقوق الانسان»، وهو من بين المراكز التي تأسست في العام 2009 والتي لم تعط حق الترخيص حتى اليوم. أحد المؤسسين الاعضاء للمركز الناشط وليد سليس، يقول لـ«السفير» ان وزارة الداخلية «رفضت إعطاءنا رخصة بحجة عدم توافق المركز مع لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية المعمول بها»، مشيراً الى انه سبق ان «نوقش مشروع نظام المؤسسات والجمعيات الاهلية في العام 2008 وأرسل الى مجلس الوزراء، لكن لم يتمّ المصادقة عليه». أما الخطوة الثانية فهي «الاتجاه الى المحكمة الادارية لرفع دعوى ضد قرار وزارة الشؤون الاجتماعية». ويسلّط مركز «العدالة» من خلال مجموعة من الاشخاص على توثيق الانتهاكات التي تحصل في المنطقة الشرقية، وأساساً متابعة الاعتقال التعسّفي بسبب حرية الرأي والتعبير وعدم محاكمة المعتقلين، وهو ما تفعله معظم المراكز والجمعيات غير المرخّصة والمتابعة لهذا الملف.
وصدر مؤخراً قرار بمنع السفر ضد المحامي والناشط الحقوقي وليد ابو الخير مؤسّس «مرصد حقوق الانسان» غير المرخّص له أيضاً والذي ينشر تقارير عن أوضاع حقوق الانسان في المملكة. وتقدّم أبو الخير الذي لطالما كان يتمّ توقيفه أثناء سفره، بطلب لنقض القرار الذي صدر بحقّه وهو بانتظار الرد للمضي في رفع دعوى، «رغم ان الحظوظ غالباً تكون ضئيلة جدا في هذا الموضوع، لكن يبقى ذلك أفضل من الصمت، هم يريدون مني أن أعتذر وأتوقف عن النشاط مقابل فكّ الحظر عن السفر. سبق أن رفعت قضية ضد أبو الخير في شهر آب الماضي بتهمة التواصل مع جهات أجنبية وبعدما حضر الجلسة حصل ضغط كبير خارجي ولم تعقد أي جلسة ثانية».
وأحد أبرز التحدّيات التي تواجه «المرصد» هي عدم الاعتراف به، يقول أبو الخير، «باختصار شديد أن وزارة الداخلية لا تريد صوتاً آخر غير صوتها». لكن أمام هذا الواقع، يرى أبو الخير ان «الناس بدأت تتشجّع وتتحدّث بصراحة أكثر عن أوضاع حقوق الانسان، ونحن نقوم بتغطية القضايا ودعمها ونشرها والتحدّث عنها وأحياناً كثيرة ندخل في إضراب عن الطعام من أجل المعتقلين».
وكانت وزارة الداخلية قد فرضت في نيسان الحالي حظر السفر لمدة عشر سنوات على المدافع عن حقوق الانسان الشيخ مخلف الشمري. والشمري هو كاتب ومدافع بارز عن حقوق الإنسان والمطالبين بالإصلاحات والديموقراطية، سبق أن سجن عاماً كاملاً تعسّفياً بتهمة «إزعاج الآخرين» بكتاباته.
المعتقلون السياسيون
وحول ملف المعتقلين السياسيين في السجون، يرجّح القحطاني عددهم «بحوالي 30 ألفاً غالبيتهم من المعتقلين السياسيين، ولا يزالون في السجن خارج سلطة القانون، وهو رقم مخيف جداً، فيما تقول وزارة الداخلية بأن العدد حوالي 5000 سجين».
«تفاجأنا بأن العدد كبير جداً في السجون، عندما ذهبنا الى سجن «الحائر» لرؤية البجادي، فشاهدنا كبار السن والاطفال والنساء.. منظر محزن للغاية»، يصف القحطاني. ويضيف ان موجة الاعتقالات الاكبر كانت في الاعوام 2001 2002 و2003، حيث قامت الدولة بحملة تزامنت مع الحملة العالمية لمكافحة الارهاب، والكثير تمّ اعتقالهم بسبب شكوك حول نشاطهم السياسي، و«هناك أشخاص اعتقلوا بسبب ارتباطهم مع المعارضة السعودية في لندن، وناشطان حقوقيان مثل خالد العمير ومحمد العتيبي بسبب إعلانهما الخروج في تظاهرة تضامناً مع غزة ضد اسرائيل في العام 2009، وهما لا يزالان في السجن حتى الآن».
ويضمّ سجن الحائر الموجود في الرياض المعتقلين السياسيين، وهو «مدينة كاملة تحت الارض، لا تخضع للتفتيش القضائي، لدينا شهادات حول تعذيب وانتهاكات صارخة لحقوق الانسان، مثل جلوس السجين عشر سنوات من دون إصدار أي محاكمة، السجن والاعتقال التعسفّي، بالاضافة الى أشخاص يدخلون الى المعتقل سليمين ويخرجون معوّقين». سبق أن اجتمعت الجمعية مع المدعي العام للتحدّث حول «ظروف السجن السيئة جداً». ويلفت القحطاني الى حدوث خطوة إيجابية، حيث أعطي للمدعي العام الحق في زيارة السجون، وذلك تغيّر جزئي في ظل الاشكالية التي تواجه الجمعيات والمراكز الحقوقية وهي عدم إعطائها «ترخيصاً قانونياً، الدولة ترى بأن البيانات التي ننشرها لها هدف سياسي وهي تتعامل معنا كأفراد بدلا من جمعية أو مركز».
وفي تقرير صدر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» في شباط العام 2011، ذكر الباحث الاول المعني بالشرق الأوسط في المنظمة كريستوف ويلكي، ان «إعادة تدوير السجناء السياسيين لن تُرضي مطالب التغيير الديموقراطي. بينما الحُكام العرب يسقطون والإصلاحات تبدأ في دول المنطقة الأخرى، لم يُقدم الأمراء السعوديون أي تنازلات إصلاحية»، مشيراً الى ان «الرسالة الموجهة للمعارضين السعوديين تبدو واضحة: لا تتكلم وإلا فستبقى وراء القضبان حتى تتعلم الدرس، وبعدها يُمكن الإفراج عنك».
أحداث القطيف
أما عن المعتقلين إثر أحداث القطيف التي اندلعت في آذار العام 2011 في المنطقة الشرقية، فيقول القحطاني «اكتشفنا عدداً كبيراً من الاشخاص الذين اعتقلوا في آذار 2011، ونحن نساعد ذويهم لنرفع القضايا ونوقف الانتهاكات»، معتبراً ان ردة فعل وزارة الداخلية إزاء أحداث القطيف كانت «سلبية جداً وهناك اتهام لبعض الاشخاص بأنهم ينتمون الى دول أخرى، هناك مظالم تهميش وتمييز طائفي في المنطقة الشرقية وهم متّهمون بأنهم يتحرّكون وفقاً لطائفتهم».
وفي هذا الصدد، يلفت الناشط سليس، المذكور اسمه ضمن لائحة الممنوعين من السفر، وبحسب تقرير صدر عن المركز حول أحداث منطقة القطيف، انه «تمّ اعتقال حوالي 560 شخصاً بين شباط 2011 وحتى آذار 2012، وأفرج عن 436 منهم فقط حتى اليوم». وقد تعرّض المعتقلون «المشاركون في التظاهرات وأصحاب مواقع على تويتر وفيسبوك، مثل الناشط حبيب المعاتيك، للتعذيب ولمعاملة غير إنسانية في سجون المباحث»، وبالنسبة للذين قد أفرج عنهم، فهم ممنوعون من السفر وهو الاسلوب الجديد الذي أصبحت تتبعه المملكة ضد الناشطين في مجال حقوق الانسان والمطالبين بحرية الرأي.
رشا أبي حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد