خريف حسني مبارك:
الجمل: تفيد مؤشرات المشهد السياسي المصري والإشارات الصادرة من القاهرة بأن مصر أصبحت على مفترق طرق بسبب تنافر القوى التي تنخرط ضمن دائرة الصراع السياسي وحالة اللايقين التي أصبحت تشوب خارطة طريق السياسة المصرية.
* اللوبي الإسرائيلي وخريف حسني مبارك:
نشرت مجلة ويكلي ستاندرد التابعة لجماعة المحافظين الجدد تحليلاً أعده خبير الشؤون المصرية اليهودي الأمريكي جيفري أزارفا، ونشره معهد المسعى الأمريكي على موقعه الإلكتروني، وقد حمل عنوان «خريف حسني مبارك» وأشار إلى النقاط الآتية:
• برغم جهود الرئيس حسني مبارك فإن نظامه السياسي أصبح يواجه حالة التآكل.
• المعارضة لتوجهات الرئيس مبارك لم تعد في الشارع المصري وحده، وإنما امتدت إلى داخل الحزب الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه مبارك ومن أبرز الأمثلة على ذلك مطالبة عدد كبير من أعضاء الحزب بضرورة أن يتخلى حسني مبارك عن علاقاته وروابطه مع إسرائيل طالما أن تل أبيب ما تزال أكثر انتهاكاً للاتفاقيات والمواثيق إضافة إلى استمرار استفزازها لمشاعر المسلمين في العالم.
• المعارضة لتوجهات حسني مبارك امتدت إلى داخل الهياكل المؤسسية وتحديداً مؤسسات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فقد عارض بعض الوزراء اتفاقية إمداد إسرائيل بالغاز المصري وعارضها نواب في البرلمان كذلك، وأصدر القضاء حكماً أوقف بموجبه إجراءات بيع الغاز لإسرائيل.
• خلال الأعوام الماضية استخدم مبارك في تثبيت نظامه ورقة الالتزام بالوطنية المصرية وورقة تحالفه مع أمريكا والغرب ولكن فشل سياسات مبارك الداخلية أدى إلى تآكل الورقتين.
• يحصل نظام مبارك سنوياً على معونات أمريكية في حدود 2 مليار دولار مقابل إيفاء القاهرة بالتزاماتها إزاء اتفاق السلام مع إسرائيل وإزاء تفاهماتها واتفاقياتها مع واشنطن ولكن فشل مبارك في الإيفاء بهذه الالتزامات أدى بالمقابل إلى جعل القاهرة تواجه مخاطر لجوء واشنطن إلى الحد من تزويدها بالمعونات والمساعدات.
وتطرق التحليل إلى استنتاجات مفادها أن:
• نظام مبارك لن يستطيع أن يقدم شيئاً على المستوى الداخلي وبالتالي فإن المعارضة ستزداد وهناك احتمالات كبيرة بصعودها إلى السلطة.
• إن الدور الإقليمي لنظام مبارك قد تآكل وأصبح ضعيفاً للغاية وبالتالي على تل أبيب وواشنطن أن لا تعتمدا على القاهرة في القيام بأي دور إيجابي.
على خلفية هذه النتائج خلص التحليل إلى ضرورة قيام واشنطن بإعادة مراجعة حساباتها الاستراتيجية والإقليمية المتعلقة بمدى قدرة نظام مبارك على القيام بدور إقليمي حقيقي يتمتع بالمصداقية إزاء حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وأشار التحليل ملمحاً إلى ضرورة أن تضع واشنطن تصوراً لما يطلق عليه خبراء التخطيط الاستراتيجي تسمية الخطة "ب" المتعلقة بالتطورات المحتمل حدوثها في مصر.
* أبرز معطيات "دراسة الجدوى" الدور الإقليمي المصري:
إضافة إلى تحليل "خريف مبارك" فقد نشر معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب الأمريكية العليا ورقة بحثية مطولة تعرضت بشكل مطول إلى مدى جدوى دور نظام الرئيس مبارك خلال الفترة الحالية والمقبلة بالنسبة لأمريكا وحلفائها في المنطقة وخارج المنطقة هذا ومن بين ما تطرقت إليه الورقة البحثية نشير إلى الآتي:
• جدوى نظام الرئيس مبارك في مشروع الشرق الأوسط الكبير هي جدوى لا تتميز بأي قيمة إيجابية حقيقية بالنسبة لواشنطن وذلك طالما أن مصر لم تنجح في الإسهام بما هو مطلوب لجهة دعم بناء الشرق الأوسط الكبير.
• جدوى نظام الرئيس مبارك في مشروع الحرب على الإرهاب لا تشير إلى أي قيمة إيجابية حقيقية، فالنظام برغم دعم المساعدات الأمريكية لم ينجح في القضاء ليس على خطر الأصولية الإسلامية داخل مصر وحسب، وإنما كذلك فقد ساعدت أخطاؤه في زيادة تطرف هذه الأصولية بما جعل مصدر أحد أهم مصادر تصدير العناصر الإرهابية إلى بقية أنحاء العالم.
• جدوى نظام حسني مبارك في مشروع تعزيز علاقات أمريكا بالعالم العربي لا تشير إلى أي قيمة إيجابية حقيقية فالنظام برغم دعم المساعدات الأمريكية لم ينجح في تحسين صورة أمريكا في بالعالم العربي وحسب، وإنما تزايدت مشاعر العداء لأمريكا داخل مصر نفسها بحيث أصبح الرأي العام المصري بفعل أخطاء النظام من أبين الأكثر عداءً لأمريكا في المنطقة.
إضافة لذلك فقد أبرزت الورقة البحثية الخطوط العامة للتطورات المستقبلية الأكثر احتمالاً لجهة الحدوث في مصر إذا استمر نظام مبارك مسيطراً:
• المؤشر الأول: احتمالات التحول والانزلاق ضمن نموذج "الدولة الفاشلة".
• المؤشر الثاني: احتمالات التحول من توجهات الإصلاح السياسي الديمقراطي إلى توجهات الدولة التسلطية.
• المؤشر الثالث: احتمالات تزايد صراع الأجنحة داخل السلطة والحزب الوطني الحاكم إذا استمر مبارك في منصب الرئاسة مع ظروف تدهور أوضاعه الصحية المتزايد.
• المؤشر الرابع: احتمالات انفجار العنف السياسي الأصولي الإسلامي إذا استمر التدهور في قدرة نظام مبارك إزاء القيام باحتواء الحركات الأصولية الإسلامية المصرية.
هذا، وأشارت الدراسة إلى أن نظام مبارك قد دخل مرحلة "الفشل التكتيكي" التي سيعقبها "الفشل الاستراتيجي". ولتوضيح ذلك يمكن الإشارة إلى المعطيات الآتية:
• عدم قدرة النظام على القيام بالإجراءات "الاستباقية" لمواجهة المخاطر المحدقة الوشيكة الاحتمال.
• عدم قدرة النظام على الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة من أجل توجيه الأمور.
• عدم قدرة النظام على القيام بالمناورة:
- على الخطوط الداخلية مع القوى السياسية المصرية الأخرى الموجودة في الساحة، وعلى سبيل المثال لا الحصر لم ينجح الحزب الوطني الحاكم في بناء التحالفات والائتلافات مع الأحزاب المصرية الأخرى بما في ذلك تلك التي تشاركه في التوجهات العامة.
- على الخطوط الخارجية مع القوى الإقليمية والدولية الموجودة في المنطقة وعلى سبيل المثال لا الحصر لم ينجح نظام الرئيس مبارك في إقناع خصوم أمريكا في المنطقة لجهة اللجوء إلى بناء علاقات التعاون مع واشنطن، إضافة إلى عدم قدرة القاهرة على دعم الجهود الأمريكية – الإسرائيلية الهادفة إلى ضبط الاستقرار في قطاع غزة.
وإزاء معطيات الفشل التكتيكي التي أصبح يواجهها نظام مبارك فقد أصبح المجال واسعاً لأن ينتقل النظام إلى مرحلة الفشل الاستراتيجي خاصة وأنه تحول منذ فترة طويلة من موقف الهجوم ضد المعارضة إلى موقف المدافع عن نفسه في وجه المعارضة وإن استمر ذلك، في ظل انخفاض قوة النظام وتزايد قوة المعارضة، فإن النظام المصري سيدخل في مرحلة عدم القدرة على الدفاع عن نفسه.
* نظام حسني مبارك وسيناريو هندسة "الاعتدال العربي" و"الاعتدال الإسلامي":
تشير بعض التقارير والأوراق البحثية (التي كان مصدرها مراكز الدراسات الأمريكية فإن الخبراء الذين شاركوا في إعدادها يتميزون بأنهم من اليهود الأمريكيين الأكثر ارتباطاً بمنظمات اللوبي الإسرائيلي) إلا أن العلاقات الأمريكية – المصرية على خط واشنطن – القاهرة كانت تهدف إلى العديد من الأهداف والغايات التي كان محور واشنطن – تل أبيب (وما زال) يعول عليها كثيراً في القيام بإنجاز مشروع بناء الشرق الأوسط الجديد الذي يتضمن إدماج إسرائيل في البيئة الإقليمية الشرق أوسطية دون إلزامها بتقديم أي تنازلات للأطراف العربية. وفي هذا الخصوص، تمثلت الأهداف غير المعلنة لتفاهمات دبلوماسية خط واشنطن – القاهرة في الآتي:
• توظيف دبلوماسية القاهرة لجهة بناء تحالف لقوى الاعتدال العربي بما يؤدي لإضعاف سوريا وحلفائها الرئيسيين في المنطقة ولكن دبلوماسية القاهرة برغم المساعدات الأمريكية التي قدمتها واشنطن لنظام الرئيس مبارك لم تنجح في عزل دمشق وحلفائها فقد انعقدت قمة جامعة الدول العربية وصدر إعلان دمشق وكان المطلوب من القاهرة القيام به هو الحيلولة دون انعقاد القمة ناهيك عن صدور إعلانها.
• توظيف السياسات الداخلية لنظام مبارك لجهة العمل من أجل بناء حركات إسلامية معتدلة إضافة إلى القيام بدفع حركة الإخوان المسلمين المصرية إلى التحول من حركة إرهابية إلى حركة معتدلة وقد تفاهمت القاهرة مع واشنطن في هذا الخصوص منذ فترة إعلان وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول لمبادرة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وبرغم المساعدات الأمريكية لمصر، فإن شيئاً من ذلك لم يحدث.
فإذا كانت الأوراق البحثية الأمريكية قد عبرت من جهة عن فشل النظام المصري في القضاء على صعود الحركة الأصولية الإسلامية في مصر، فإن إحدى هذه الأوراق البحثية أضافت بعداً جديداً تمثل من الجهة الأخرى في التعبير ليس عن الفشل وإنما عن خيبة الأمل طالما أن الأصولية الإسلامية لم تصعد في الساحة المصرية وحدها، وإنما صعدت بجانبها الأصولية المسيحية الأرثوذكسية القبطية المصرية، واتهمت نظام حسني مبارك بعدم القدرة على استخدام وتوظيف استغلال الأصوليين في مواجهة بعضهما البعض بالشكل الذي يؤدي إلى نشوء نوع من توازن القوى بين الأصوليات الدينية داخل الشارع المصري كمرحلة أولى، تمهد لمرحلة ثانية يعمل من خلالها النظام على إبعاد الرأي العام المصري عن الأصوليين بما يتيح للرئيس مبارك رفع شعبيته المنهارة والمتناقصة يوماً بعد يوم في أوساط الرأي العام المصري والعربي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد