خلافات الإدارة الأمريكية حول التعامل مع اضطرابات إيران الداخلية
الجمل: انتقلت عدوى الأزمة السياسية هذه المرة إلى البيت الأبيض الأمريكي ومراكز الدراسات الأمريكية التي تمثل عقر دار اللوبي الإسرائيلي، وتقول المعلومات والتسريبات بأن هناك خلافات متزايدة داخل واشنطن حول كيفية التعامل مع الأزمة الإيرانية والتي لم تعد مجرد أزمة برنامج نووي وإنما تحولت إلى أزمة مزدوجة.
* ماذا تقول التسريبات والمعلومات؟
بدأت الخلافات داخل أروقة معهد المسعى الأمريكي بين جناح "البراغماتيين" كالخبيرين مايكل روبين ودانييلا بليتيكا، في مواجهة "المتشددين" كالخبيرين جون بولتون وكراوزمار، وفي الوقت الذي طالب فيه طرف بضرورة التعامل مع الأزمة على أساس أن لا فرق مهم بين طرفي الأزمة الإيرانية، فقد طالب الطرف الآخر بضرورة الإسراع في تنفيذ عمل عسكري أو على الأقل فرض حصار دولي على إيران. وفي هذا الصدد نشر جون بولتون تحليلاً في صحيفة وول ستريت جورنال طالب فيه الإسرائيليين وتحديداً حكومة ائتلاف الليكود – إسرائيل بيتنا بضرورة تنفيذ الضربة العسكرية ضد إيران "قبل أن تضيع الفرصة".
انتقلت الخلافات من معهد المسعى الأمريكي إلى البيت الأبيض بين الرئيس أوباما ونائبه جو بايدن، وتقول المعلومات في هذا الصدد:
• أكد الرئيس أوباما على ضرورة النظر للأزمة الإيرانية الحالية باعتبارها أزمة خلافات سياسية داخلية وبالتالي فمن الأفضل التركيز على أن تسعى أمريكا إلى التعامل مباشرة مع المرجع الإيراني الأعلى (مرشد الثورة) باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد طالما أن الرئيس الإيراني -بحسب الدستور- هو مجرد مسؤول عن السياسة التنفيذية شأنه شأن رئيس الوزراء (المنصب الذي تم إلغاءه في إيران).
• أكد جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي أن الرئيس أوباما سيكون قد ارتكب خطأ سياسياً كبيراًَ إن سعى للتقليل من شأن الخلافات الإيرانية الدائرة حالياً وطالب الإدارة الأمريكية بضرورة التحرك من أجل استثمار هذه الخلافات وذلك لأن أمريكا إذا لم تقم بشيء فإن القوى الإيرانية المعارضة ستشعر بالإحباط وتتخلى عن ثورتها ومن ثم إذا هدأت الأمور فمن الصعب أن تشتعل مرة أخرى إضافة إلى أن أمريكا ستخسر مصداقيتها أمام المعارضين الإيرانيين الذين سوف لن يغفروا لها تخليها عنهم في مثل هذه اللحظات.
سعى البيت الأبيض الأمريكي إلى التعتيم على الخلافات الدائرة بين الرئيس أوباما ونائبه بايدن وفي هذا الخصوص نفت مصادر البيت الأبيض وجود هذه الخلافات رسمياً، ولكن ما كان جديراًَ بالملاحظة جاء على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي وبالمشاركة مع بعض السياسيين الأمريكيين الآخرين سعت إلى توجيه الانتقادات للرئيس أوباما بسبب عدم مبادرته لتقديم الدعم والتأييد للمتظاهرين الإيرانيين.
* ماذا قال الخبراء الأمريكيون؟
تطرقت كل مراكز الدراسات الأمريكية للاضطرابات الدائرة في الساحة السياسية الإيرانية وفي هذا الخصوص نشير على سبيل المثال لا الحصر إلى الآتي:
• مجلس العلاقات الخارجية: تبنى خبراء مجلس العلاقات الخارجية المعنيون بالشأن الإيراني الآتي:
- أكد الخبير ميشال جيه غيرسون ضرورة اعتماد الإدارة الأمريكية على مواقف أكثر جدية إزاء التعامل مع الأزمة الإيرانية وأكد على أن "واقعية" أوباما سوف لن تكون مجدية في هذه الحالة لأنها واقعية مفرطة بما يجعلها لا تصلح للتجاوب مع التطورات الجارية وحذر من مخاوف تكرار نموذج انكسار الانتفاضة المجريّة التي سبق أن اندلعت ولما لم تتدخل واشنطن فقد نجحت موسكو التي وجدت الطريق ممهداً للتقدم وضرب الانتفاضة.
- أكدت الخبيرة فريدي فارهي بأن الخلافات الإيرانية – الإيرانية المندلعة حالياً سوف لن تحل قريباً وإنما ستظل موجودة لفترة على السطح وكلما عادت بسبب القمع إلى العمق ستظهر مرة أخرى إلى السطح كلما سنحت لها الفرصة.
• مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: تبنى الخبير أنطوني كورديسمان موقفاً ركز فيه على النقاط الآتية:
- يجب توخي الحذر في التعامل مع الوضع الإيراني الحالي.
- أمريكا لا تملك القدرة على التدخل الفعلي في الوقت الحالي وبالتالي فإن التصريحات الأمريكية وحدها لن تستطيع التأثير على الواقع الميداني القائم في الساحة الإيرانية.
- تقديم الوعود للمعارضة الداخلية الإيرانية بأن أمريكا ستقدم لهم المساعدات سيعرضهم للمخاطر الداخلية ولإفقادهم مصداقيتهم الوطنية بعيداً عن التأثير الأمريكي كما أن قيام أمريكا بذلك يرتبط بالوضع الداخلي الأمريكي الذي لم يعد يحتمل أي تورط خارجي جديد.
• معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: سيقيم المعهد المزيد من الفعاليات حول التطورات الجارية في الساحة الإيرانية واليوم نشر الموقع الإلكتروني للمعهد ورقة الرصد السياسي رقم 1538 التي أعدها الخبير مايكل إيزنيشتات والتي حملت عنوان «قوات أمن الجمهورية الإسلامية ومصير المعارضة»، وبعد أن استعرض أجهزة الأمن الموجودة في إيران وتطرق إلى العلاقات المدنية – العسكرية وتوتراتها السابقة والراهنة، سعى إلى التأكيد على أن النظام الإيراني لم يسع لاستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين بما جعله يتفادى المواجهة الشاملة مع الشارع الإيراني، ورأى إيزنيشتات ضرورة استمرار المظاهرات والعمل على توسيعها ضمن نطاق محدد بما يتيح إرهاق نظام أحمدي نجاد تمهيداً لصراع أطول.
عموماًَ، نلاحظ تضارب الآراء والتوجهات الأمريكية غير الرسمية حول إدارة الأزمة الإيرانية، وما هو جدير بالذكر أيضاً هو أن الانقسام الأمريكي السابق حول إيران كان يدور بين الصقور المتشددين في مواجهة المعتدلين، ولكنه هذه المرة أصبح خلافاً بين المتشددين أنفسهم وهذا يعكس في حد ذاته قدراً كبيراً من الارتباك حول تحديد الهدف. بكلمات أخرى فإن خبراء كمايكل روبين ودانييلا بليتيكا عندما يراهنون على ضرورة أخذ الحذر وعدم التعجل في التدخل ضد إيران فإنه موقف يحمل أكثر من دلالة ويشير بوضوح إلى أن الخيار الدبلوماسي الأمريكي القادم قد لا يكون صفقة مع إيران كما قد لا يكون فرض عقوبات ضدها!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد