دراسة «مهارات»: الإعلام اللبناني يرى السوريين والفلسطينيين «قنابل موقوتة»
أطلقت مؤسسة «مهارات» أمس، دراسة بعنوان «رصد العنصرية في الإعلام اللبناني: تمثيلات «السوري» و «الفلسطيني» في التغطيات الإخبارية». تندرج الدراسة في إطار مشروع «بناء السلام في لبنان» التابع لـ «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، وهي الأولى من سلسلة دراسات حول العنصريّة، ستتناول تباعاً التحريض الديني، والعنف المصوّر في الإعلام، وبرامج الـ «توك شو»، إلى جانب دراسة عن المبادرات الإيجابيّة التي من شأنها التأسيس لمجتمع متعافي من التمييز.
تأتي سلسلة التقارير استكمالاً لمباردة «ميثاق الشرف الإعلامي لتعزيز السلم الأهلي في لبنان» والذي وقّعه وطوّره مسؤولون في مؤسسات إعلاميّة لبنانيّة العام 2013، بمبادرة من «مشروع بناء السلام». يتضمّن الميثاق 18 مادّة، تؤكد فيها المؤسسات الإعلامية قرارها العمل على تعزيز السلم الأهلي، ورفضها مبادئ التمييز العنصري، وامتناعها «عن التعرّض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للطعن بكرامة الناس وعدم التجريح بهم».
رصدت الدراسة مدى التزام وسائل الإعلام اللبنانيّة بالميثاق الذي وقّعته قبل عامين، عبر مقاربة وصفية تحليلية، تعتمد على رصد وتحليل العنصرية المباشرة أو المقنّعة تجاه الفلسطينيين والسوريين. شملت الدراسة صحف «السفير»، و «النهار»، و «الأخبار»، و «الجمهوريّة»، و«الشرق»، و «اللواء»، و «الديار»، و «البلد»، و «لوريان لو جور»، و «دايلي ستار»، و «الجديد»، وقنوات «الجديد»، و «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال»، و «أم تي في»، و «أو تي في»، و «المستقبل»، و «المنار»، و «تلفزيون لبنان»، إلى جانب «إذاعة لبنان»، وإذاعتي «صوت لبنان» (الأشرفيّة 100.5 وضبيّة 93.3)، و «لبنان الحرّ»، و «صوت الشعب»، و «إذاعة الشرق»، و «صوت المدى»، و «إذاعة النور». كما شملت «الوكالة الوطنية للإعلام»، ومواقع «ليبانون فايلز»، و «ناو»، و «النشرة»، و «المدن».
امتدّت الدراسة بين 5 و25 شباط من العام الحالي، وعملت على تحديد موضوع الخطاب الإعلامي تجاه قضايا السوريين والفلسطينيين في لبنان، وقياس حجم المادة الإعلاميّة وموقعها والنبرة المستعملة فيها، وتحليل أشكال ومظاهر الخطاب الإعلامي العنصري وتحديد الفئات المستهدفة منه، إضافةً إلى تحليل الإطار الصحافي والاتجاهات والصور النمطية المختلفة للخطاب الإعلامي.
في عيّنة الصحف المطبوعة المرصودة، تبيّن أنّه «من أصل 204 تغطيات حول اللاجئين السوريين، تناولت 75 منها أعباء اللجوء وتأمين حاجات اللاجئين (المدارس، العناية الطبيّة، الإسكان والرعاية)، فيما تناولت 53 منها شؤوناً أمنيّة مثل التوقيفات والجرائم. أما المواضيع الرئيسية التي تتناول الفلسطينيين فاختصرتها الدراسة بثلاثة محاور أساسية: المواضيع الأمنيّة، المواضيع الاجتماعية والصحية، والمواضيع المرتبطة بحقوقهم المدنيّة.
ولحظت الدراسة أنّ 49 في المئة من المواد المنشورة اتسمت بنبرة صحافيّة محايدة، لكنّ 27 في المئة منها كان ذا نبرة إيجابيّة، و24 في المئة حمل نبرة سلبيّة. هذه النبرة طغت بنسبة 43 في المئة على التقارير الإخباريّة، وذلك لأنّ «وسائل الإعلام تقوم بنشر التقارير الإخباريّة كما تردها من المصادر الأمنيّة، من دون العمل على إعادة صياغتها بشكل يتحاشى الاتجاه السلبي الوارد فيها»، بحسب الدراسة.
من ناحية أخرى، أظهرت الدراسة أنّ قضايا السوريين شكّلت مادة أساسية في التغطية التلفزيونية بنسبة 96 في المئة، نظراً للتطوّرات المتسارعة، ليحوز الملفّ الأمني 34 في المئة من مجمل التغطيات. وبيّنت أنّ النبرة المستخدمة في التقارير التلفزيونية حول السوريين والفلسطينيين، سلبية في «التغطيات الأمنية وموضوع الأعباء الناجمة عن واقع النزوح»، بينما هي إيجابية في «التغطيات الإنسانية والاجتماعية». وذلك ما ينسحب أيضاً على التغطيات الإذاعيّة، حيث يتصدّر الخبر الأمني جدول المواضيع المتعلّقة بالسوريين والفلسطينيين.
وفي تحليلها لنبرة «الوكالة الوطنيّة للإعلام»، لحظت الدراسة أنّ الإيجابيّة تطغى على 67 تغطية نشرت عبر موقع الوكالة خلال فترة الدراسة، وأنّ النبرة المحايدة اعتمدت في 341 تغطية، والسلبيّة في 32 تغطية.
وعلى صعيد تحليل المحتوى، بيّنت الدراسة، لجوء وسائل الإعلام اللبنانيّة إلى استخدام مشاعر الخوف من الآخر، وتحديداً «الغريب» السوري والفلسطيني. ورأت أنّ ذلك ينمّ عن «تلاعب مضلّل أكثر منه عن حجة مبنيّة على الواقع». وبيّنت أنّ الخطاب الإعلامي ينزلق نحو «أبلسة الآخر»، من خلال استخدام حجج أربع تستعاد في كل الخطابات العنصريّة التقليديّة وهي: «يشكلون تهديداً للهوية الوطنيّة والثقافيّة، هم سبب لارتفاع نسبة الجرائم، ويشكلون عبئاً على الدولة العاجزة، ويستفيدون من كرم الدولة».
ورصدت الدراسة المعجم المستخدم للإشارة إلى السوريين والفلسطينيين بعبارات «نازحين» و «لاجئين» معظم الوقت، إلى جانب استخدام الأعداد، ووصفهم باستعارة مصطلحات الحرب مثل «قنابل موقوتة»، و «يهدّد النموذج اللبناني واستقراره».
في الخلاصة، أظهرت الدراسة أنّه رغم طغيان ملفّ النزوح السوري المستجدّ على التغطيات الإعلاميّة، إلا أنّ نسبة التغطيات للموضوع الفلسطيني لا تزال مرتفعة نسبيّاً، ما يعني «أنّ التهجير الفلسطيني إلى لبنان منذ عام 1948 ما زال موضوعاً رئيسياً في الحياة السياسية والاجتماعيّة». كما أنّ الموضوع الأمني يطغى على غيره من المواضيع الاجتماعيّة أو المعيشيّة في التناول الإعلامي لشؤون النازحين واللاجئين. كما لحظت إلى جانب تنميط صورة الآخر وتهميشها، أنّ هناك ميلاً لدى معظم وسائل الإعلام إلى تجاهل «المواضيع المتعلقة بالممارسات السلبيّة تجاه النازح أو الغريب من قبل البلد المضيف، فهي ترد بنسبة قليلة إلا عندما يكون الموضوع لافتاً بقوّة، فيشير إليه الإعلام بوضوح»، وأنّ هناك «تجاهلاً للمساهمات الإيجابيّة الاقتصاديّة الثقافيّة للاجئين في بلد اللجوء».
ولأن «الخطاب الإعلامي لا يقتصر فقط على الكلام، إنما هو ممارسة اجتماعيّة منتشرة وفاعلة تتمظهر تمظهرا ملموسا بالنسبة للاجئ والنازح من خلال عدم المساواة»، خلصت الدراسة إلى ضرورة «مناهضة خطاب «النخبة» العنصري، أيّ الخطاب الإعلامي»، من خلال محاربة الأحكام المسبقة، وعدم الخوف من الاختلاف، وعدم التعميم، ووضع الخبر في سياقه، والإضاءة على الإيجابي، وتجنب السرعة والقوالب النمطيّة، واستخدام مصطلحات لا تعزز التمييز بين البشر، والأنسنة. وأشارت إلى أنّه «إذا كان الإعلام يؤثّر بشكل لاإرادي في الأحكام المسبقة العنصريّة، فإنّه بالتأكيد يمكن أن يلعب دوراً فعّالاً في مناهضة الحالات التمييزيّة من خلال حملات توعية أيضاً».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد