دستور إقليم كردستان الجديد والتأسيس لحرب أهلية عراقية قادمة
الجمل: تشير معطيات الوقائع والأحداث الجارية حالياً في إقليم كردستان العراقي إلى أن هذا الإقليم سيشهد المزيد من التطورات المستقبلية الحرجة التي ربما يتوقف عليها ليس مصير حكومة كردستان العراقية وحسب، وإنما كامل ملف الأزمة الكردية.
* المعطيات والوقائع الجارية: ماذا تقول المعلومات؟
عقد برلمان كردستان الإقليمي جلسة هامة تضمنت مصادقة البرلمان على مسودة "دستور إقليم كردستان" وقد أثارت بنود الدستور جدلاً واسع النطاق وعلى وجه الخصوص في المناطق العراقية غير الكردية وجاءت أبرز ردود الأفعال في هذه المناطق عبر تصريحات وتعليقات كبار المسؤولين الرسميين وزعماء الكتل السياسية العراقية غير الكردية ويمكن الإشارة إلى بعض النقاط الخلافية التي أثارت الاعتراضات على النحو الآتي:
• الفقرة الأولى من المادة الثانية: نصت على أن كردستان العراق هي "كيان جغرافي تاريخي يتكون من محافظة دهوك بحدودها الإدارية الحالية ومحافظات كركوك والسليمانية وأربيل وأقضية عقرة والشيخان وسنجار وتكليف وقرقوش ونواحي زمار وبعشيقه وأسكي كلك من محافظ نينوى، وقضاء خانقين ومندلي من محافظة ديالى". هذا، وتقول المعلومات والتقارير أن تحديد إقليم كردستان العراقي بهذه الطريقة يتعارض مع الدستور العراقي وتحديداً المادة 140 إضافة إلى أنه يمثل استباقاً لجهود اللجنة المكلفة بتحديد مستقبل المناطق العراقية المتنازع عليها وذلك طالما أن هذه اللجنة لم تفرغ بعد من أعمالها وهي لجنة يشارك فيها الأكراد أنفسهم.
• تم إعداد الدستور الكردستاني وإجازته من قبل البرلمان في إقليم كردستان دون أي تنسيق مع السلطات العراقية المركزية فلا رئاسة الجمهورية العراقية التي يتولاها الزعيم الكردي جلال طالباني تمت استشارتها، ولا مجلس الوزراء العراقي الذي يتضمن وزراء أكراد تمت استشارته، ولا البرلمان العراقي الذي توجد به كتلة كبيرة من النواب الأكراد تمت استشارته!
• لا يتمتع برلمان إقليم كردستان الحالي بالشرعية الكافية للقيام بإجازة مشروع مسودة الدستور الكردستاني لأن هذا البرلمان انتهت فترة ولايته في يوم 4 حزيران 2009. وبكلمات أخرى فقد باشر هذا البرلمان القيام بعملية إجازة الدستور في يوم 24 حزيران أي بعد مرور عشرين يوماً على انتهاء ولاية البرلمان.
• مشروع المسودة الذي تم تقديمه للبرلمان يختلف عن المسودة التي تم إعدادها فقد أضيفت العديد من البنود والتعديلات قبيل تقديم المسودة إلى البرلمان.
وبالنسبة لردود أفعال المسؤولين والزعماء السياسيين الأكراد فقد سعوا إلى التقليل من شأن هذه الاعتراضات وتضمنت الردود الكردية المبررات الآتية:
• إن الدستور الكردستاني تمت المصادقة عليه بعد أن صوت لجانبه 96 من إجمالي نواب البرلمان الكردستاني البالغين 97 عضواً.
• تمت إجازة الدستور الكردستاني قبل إكمال لجنة تحديد مصير أوضاع المناطق العراقية المتنازع عليها لعملها وإعداد تقريرها النهائي وهو أمر وإن كان يتعارض مع المادة 140 من الدستور العراقي فإن هذا التعارض يمكن معالجته طالما أن بنود الدستور الكردستاني ستكون قابلة للتعديل متى وافق البرلمان الكردستاني على التعديلات الجديدة.
* ماذا وراء دستور إقليم كردستان؟
مستجدات التطور الدستوري الجديدة في إقليم كردستان العراقي كان اللافت للنظر فيها أنها تزامنت مع الآتي:
• زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن للعاصمة العراقية بغداد وإلى أربيل عاصمة كردستان مع ملاحظة أن بايدن هو بالأساس صاحب الاقتراح الشهير المقدم للكونغرس الأمريكي بضرورة تقسيم العراق.
• اقتراب الانتخابات التشريعية الكردية التي سيتم فيها اختبار نواب البرلمان الكردستاني الجديد إضافة إلى الانتخابات الرئاسية التي ستحدد مستقبل وجود مسعود البرزاني على رأس السلطة في الإقليم.
• تزايد التنافس السياسي بين القوى والحركات السياسية الكردية إضافة إلى الصراع المتزايد داخل هذه الحركات.
• بروز ملف الصراع حول موارد النفط العراقي بين الأطراف العراقية وأيضاً الأطراف الأجنبية الساعية إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من الحصص.
• انشغال الساحة السياسية التركية بالخلافات الداخلية حول ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إضافة إلى الخلافات حول كيفية التعامل مع ملف شبكة أرغيناكون وتداعيات ذلك على توازن صيغة العلاقات المدنية العسكرية التركية بشكلها الحالي أم يتم تغيير هذه الصيغة بما يضع المؤسسة العسكرية التركية تحت السيطرة المدنية.
تقول التقارير والتسريبات أن قيام أعضاء البرلمان الكردستاني بإجازة الدستور الكردستاني بصيغته الحالية هو بالأساس عمل تم القيام به للتأثير على الرأي العام الكردستاني وإعادة توجيهه ضمن سيناريو الانتخابات الكردستانية التشريعية والرئاسية الوشيكة.
وتشير التحليلات إلى أن قيام نواب البرلمان الكردستاني إضافة إلى موقف الرئيس البرزاني ورئيس الوزراء نيخرفان البرزاني بالتأكيد على التمسك ببنود الدستور هي مناورة تهدف إلى تفجير المشاعر العرقية القومية الكردية بما يجعل من الرأي العام الكردستاني يغض النظر عن ملفات الفساد وملفات انتهاكات حقوق الإنسان وملفات صفقة بيع حزب العمال الكردستاني التركي لأنقرة ومن ثم يتوجه هذا الرأي العام بشكل جماعي لدعم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني وقائمته الانتخابية التي تحمل اسم "القائمة الكردية" في مواجهة قائمة الزعيم المنافس نوشروان مصطفى التي تحمل اسم "قائمة التغيير".
وكما هو واضح فإن صراع القائمتين يقوم على أساس اعتبارات إدارة الحملات الانتخابية وتسويق الدعاية السياسية لجهة التأثير على توجهات الرأي العام الكردستاني إزاء:
• حملة "القائمة الكردية" التي تراهن على ضرورة التأكيد على استمرار الوضع القائم بزعامة مسعود البرزاني وحلفاءه.
• حملة "قائمة التغيير" التي تراهن على ضرورة القضاء على الفساد والسيطرة العشائرية.
ولكن ما يمكن أن يجمع بين القائمتين يتمثل في التأكيد الموحد بضرورة التمسك بالنزعة القومية الكردية وإن اختلفت وتباينت أطروحات ومقاربات منظور كيفية قيام "الدولة الكردية".
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد