لبنان: حمّى الانتخابات تجتاح كنف «البيان الاضطراري»!

09-08-2008

لبنان: حمّى الانتخابات تجتاح كنف «البيان الاضطراري»!

ها هي الهيئة العامة لمجلس النواب، تنهي اليوم الأول من المناقشات للبيان الوزاري، بلا مفاجآت، الا أن المفاجأة جاءت من داخل »حكومة الشقاق الوطني« نفسها، وعلى لسان رئيسها فؤاد السنيورة، الذي قرر التصويت علنا ضد »النص الاضطراري« لحكومته، فبدت »الخاتمة« التي زيّن بها البيان الوزاري المتوافق على كل حرف من حروفه، دليلا اضافيا، الى أن الجميع قبل بالتسوية الالزامية، منذ الدوحة، وحتى الآن، بلا قابلية سياسية، ذلك أن النفوس تشي بما تشي به، وما تعذر على رئيس الوزارة تمريره في بيان حكومته، »فش خلقه« بأن رماه عبر أثير الفضائيات اللبنانية، لعله يصل لمن يجب أن يصل اليهم في الداخل والخارج ولو أن رئاسة المجلس سحبته رسميا من »البيان الوزاري الرســمي«!
أما معظم النواب الذين تحدثوا، في جلسة أمس، فقد كانوا »صريحين« في التعبير عن موسم الانتخابات، حيث أطلقوا العنان لخطاب طائفي بامتياز، أرادوا من خلاله مخاطبة غرائز »جمهورهم«، سعيا الى تحويل ذلك رصيدا لهم في الصناديق الانتخابية بعد عشرة شهور.
وتميزت ادارة الجلسة العامة من جانب الرئيس نبيه بري، بالحيادية، ولو أنه أخذ ثأرا مسبقا من رئيس الحكومة، ردا على ملاحظة صباحية للسنيورة في السرايا الكبيرة، بترحيبه »بعودة المجلس النيابي اليوم إلى ممارسة دوره الطبيعي بعد ٢٢ شهرا من التعطيل«، فما كان من كتلة الرئيس بري الا أن ردّت نهارا بالتأكيد على عدم شرعية حكومة السنيورة السابقة من خلال ترحيبها »بمثول حكومة شرعية امام المجلس بعد ٢٢ شهرا«.
وداخل أروقة المجلس النيابي بما في ذلك أمام العدسات الاعلامية، جرت حفلة تكاذب نيابية عبرت عنها القبلات و»القفشات« المتبادلة، وتوج ذلك الرئيس بري باشارته الى مصادفة موعد الجلسة وتاريخ ٨/٨/،٢٠٠٨ حيث إن الكثيرين »حجزوا لأعراسهم من أجـل هذا النهــار، واليوم يصادف عرس لبنان، والعقبى لـ١٤آذار و٨ آذار بالتزاوج لمصلحة لبنان كل لبنان، وبالرفاه والبنين إن شاء الله«!
على ان النقطة الابرز في اليوم الأول من الجلسة، كانت محاولة الرئيس السنيورة، تهريب بنود جديدة على البيان الوزاري. وهو امر اعتبره عدد من النواب »مخالفا لمبدأ تبليغ الاوراق«.
وتضمنت اضافة السنيورة غمزا استفزازيا في اتجاه قوى المعارضة، عبر قوله انه »ما عاد مقبولا ان يعيش اللبنانيون في ظل دستور نضعه ولا نطبقه كاملا او نلتزم به التزاما صارما، وقوانين لا تنفذ، ومؤسسات لا تؤدي دورها، وما عاد مقبولا ولا معقولا ارتهان ارواح المواطنين واستقرارهم وأمنهم بذريعة اي هدف كان، فالغاية لا تبرر الوسيلة، ووطننا ليس حقل تجارب او ساحات«.
اضاف السنيورة »ما عادت المغامرة ممكنة، ولا عادت الخسارة مقبولة، وما عاد المواطن اللبناني يتحمل المجازفات ولا الفتن الداخلية، وما عاد مقبولا ان يظل امن المواطن عرضة للاهتزاز والانتهاك، وعيش المواطن عرضة للضياع«.
وقد أثارت اضافة السنيورة هذه العديد من وزراء ونواب المعارضة، ولا سيما النائبين علي عمار ونادر سكر، وقرر الرئيس بري اهمالها، وعدم اعتبارها جزءا من البيان الوزاري، في حين احيطت الاضافة بتساؤلات وخاصة حول القصد الفعلي من »المغامرة«، ومن يخاطب فيها تحديدا، ولماذا يحاول ان يرمي مادة توتير يمكن ان تقود الى امكنة تخالف اجواء »الهدوء« العلنيــة.
في سياق متصل، كانت لافتة كلمة نائب رئيس المجلس فريد مكاري، التي تضمنت رسالة سلبية في اتجاه »حزب الله«، حينما تمنى لو ان الحكومة وضعت في بند المقاومة من البيان، صيغة واضحة، وغير ملتبسة من دون ترك شيء للتفسيرات والتأويلات«. مشيرا الى ان »البيان الوزاري لا ينهي أزمة الثقة الناجمة عن السلاح الفئوي«، ومعتبرا أن »السلاح بقي ناخبا رئيسيا في الانتخابات النيابية المقبلة«، وقال »صحيح أن البيان يعلن الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ويشدد على مرجعية الدولة الشرعية، لكنه يا للأسف ترك ثغرة يمكن أن تتسلل منها من جديد... الدولة الفرعية«.
أما خطاب رئيس »تكتل التغيير والاصلاح« العماد ميشال عون، فلم يكن موفقا عموما، ولو أنه بدأ وطنيا بدفاعه عن الهوية الواحدة لمكونات الدفاع الوطني شعبا وجيشا ومقاومة، قبل أن يتحول مسيحيا بامتياز، عندما حمّل القضية الفلسطينية مسؤولية انهيار الاقتصاد اللبناني وكل ما شهده لبنان من حروب واجــتياحات وأحداث منذ الستينات حتى يومنا هذا، متجاهلا كليا الأبعاد الداخلية للأزمة اللبنانية.
ولعل المأخذ الثاني على العماد عون اصراره على تبني خطاب عنصري في معرض انتقاده للعجز العربي عن مواجهة القضية الفلسطينية، وهو خطاب يشكل اساءة مزدوجة للانسان الفلسطيني أولا، وللعمالة الآسيوية ثانيا، حيث جدد القول: »١٢ مليون آسيوي على الأقل يعملون في دول الخليج ويصلون الى ١٧ مليونا... ولو يعطوا لمليون عربي (فلسطيني) زيادة يشتغلوا هونيك«!
وفي كل الأحوال، وفّر العماد عون، لخصومه، وخاصة لرئيس وأعضاء »اللقاء الديموقراطي« فرصة الرد عليه، اليوم وغدا، ومن »البوابة« التي يريدون الرد عبرها في هذه الأيام!
وفي المجال ذاته، كانت كلمة نائب »المستقبل« الطرابلسي سمير الجسر، لافتة للانتباه، سواء باستذكار »جرح بيروت« أو بربط التأليف والتشكيل وإعداد البيان الوزاري بتفجير الاوضاع الامنية في البقاع وفي طرابلس، موجها انتقادات صريحة للقوى الامنية والعسكرية، ومرافعا عن الاسلاميين وخاصة الظاهرة السلفية، داعيا الى معالجة قضية الموقوفين الاسلاميين بواسطة القضاء. وقال »اذا كانت عيون القوى الامنية ترصد الشاردة والواردة في بيوت الكثيرين، الا تستطيع هذه العيون ان ترصد اولئك الذين يشعلون نار الفتنة في طرابلس« .

وفي موازاة ذلك، كاد اعتصام مدينة طرابلس، للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين الاسلاميين بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة وتنظيمات أصولية أخرى والتحضير للقيام بأعمال إرهابية، أن يمر كغيره من الاعتصامات التي جرت، أمس، في صيدا والبقاع الأوسط بعد صلاة الجمعة، من دون ضربة كف، لولا انفجار الاحتقان المتعدد الأوجه في وجه نائب طرابلس عن »تيار المستقبل« مصطفى علوش الذي منعه بعض المتحمسين والغاضبين المعتصمين في ساحة عبد الحميد كرامي (النور) في المدينة من إلقاء كلمة فيهم وأطلقوا سلسلة شتائم بحقه، وبحق »كل من سكت طيلة الفترات الماضية عن حقوق الموقوفين وتغاضى عن معاملتهم السيئة وانتزاع الاعترافات منهم تحت التعذيب«، وانطلاقاً من اعتبارهم »أن السلطة التي عملت على توقيف الشباب هي السلطة التي كان يمسك بها التيار السياسي الذي ينتمي إليه النائب علوش، وحلفاؤه الذين رفعوا مجتمعين الغطاء الكامل عنهم، وأطلقوا بحقهم أسوأ الاتهامات والنعوت في حينها«.
وقد عمل هؤلاء المتحمسون على إنزال النائب علوش عن منبر الخطباء بالقوة، دون أن يتمكن المشايخ من حمايته، حيث حصل هرج ومرج وتدافع وضرب أصيب على أثره مرافقه في حين سارعت لجنة الموقوفين الى إصدار بيان استنكرت فيه ما تعرض له النائب علوش، مشيرة الى ان مشاركته كانت موضع ترحيب من اللجنة ومن المشاركين، معتبرة أن ما تــعرض له هو عمل مشبوه قام به مندسون معــروفون بالأسماء والانتماء والتوجه السياسي، وهدفهم التشويش على التحرك السلمي.
وكان شارك في الاعتصام في طرابلس، حشد كبير من أهالي وأصدقاء الموقوفين الذين يبلغ عددهم ٣٣٠ موقوفا، بالإضافة إلى مختلف التنظيمات الإسلامية في المدينة، حيث اتخذت تدابير أمنية من قوى الأمن الداخلي في محيط الساحة، وألقيت فيه كلمات دعت إلى الإفراج عن الموقوفين الذين لم يخضعوا لأي محاكمة منذ توقيفهم قبل أكثر من سنة ونصف.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...