رأس السنة اليونانيّة: إرثٌ محفوظ في الهواء الطلق
لا تزال لعاداتِ عيد رأس السنة في اليونان طابع مميز جرت المحافظة عليه منذ قرون عدّة. فلكلّ منطقة تاريخها وتقاليدها التي تنتقل من جيل إلى آخر، كإرثٍ ثقافيّ محفوظ في متحف الهواء الطلق.
في مدينة كافالا (قوالة بالعربية) في شمال اليونان، يُحيي السكّان عادات نقلوها معهم من تراقيا الشرقيّة، إذ يُقدِم أكبر مسنّ في العائلة على ضرب ثمرة الرمّان في مدخل المنزل، لجلب الحظ والخير الوفير، تيمّناً بحبّات الرمّان، ومن ثمّ ينقل حجراً إلى داخل البيت كي تكون عائلته في العام الجديد متماسكة ومتينة كالحجر الصلب الذي حمله، كما يحمل المسنّ على ظهره كيس القديس باسيليوس (فايوس فاسيليس) ويوزّع الهدايا على الأطفال، فايوس فاسيليس أو «بابا نويل» اليونان يأتي في يوم رأس السنة وليس في عيد الميلاد.
وفي مدينة رومولي التي تقع في وسط البلاد، يُؤكل «خبز فاسيليس» يوم رأس السنة الذي يصادف عيد القديس باسيليوس. وتستخدم ربّات المنازل في طهيه، الطحين والحمّص المالح والحبق، ويرسمن عليه رسومات عدّة ترمز إلى وفرة الإنتاج والصحة والعائلة.
أمّا في مدينة هيراكليو الكريتية، فما زال السكّان يحافظون على تقليد «اليد الخيرة»، حيث يقوم الزوّار بإعطاء «العيدية» (المعروفة بالعامية بالبسترينة، وباليونانية بـ «بولوستريني») لأولاد المنزل. ويأكل الجميع حلوى «البوغاتسا» بوفرة، ليكون العام الجديد حلواً ويزخر برغد العيش. والهدية التي تقدّم في رأس السنة أو عادة «البسترينة» مشتركة بين المسيحيين العرب واللبنانيين وأهل جزيرة كريت اليونانيّة.
وفي جميع أنحاء اليونان، يقوم الأطفال لمناسبة العام الجديد، بالغناء والترتيل والعزف على آلة موسيقية بشكل مثلّث، ويسمى هذا التقليد باليونانية «كالاندا»، ومصدره روما القديمة، حيث كان يعرف أوّل يوم في السنة بـ «Kalanda». وبعد انتهائهم من الغناء والعزف، يحصل الأطفال على العيديّة.
وليلة رأس السنة، تجتمع العائلة والأصدقاء في انتظار «التغيير» من السنة القديمة إلى السنة الجديدة. فيتبادلون الهدايا ويلعبون ورق الشدّة لكسب المال، والربح هو فألٌ حسن في ما يخصّ العام المقبل، أمّا الخسارة فتنذر بالحظّ السيئ. كما يقطع الساهرون كعكة رأس السنة الجديدة المعروفة بـ «فاسيلوبيتا» أو كعكة القديس باسيليوس التي تحتوي على «عملة ذهبية» ويوزعونها في ما بينهم، ويُعتَقد أنّ من يجدها في قطعته، سيكون محظوظاً على مدار العام.
وفي العديد من القرى المقدونية وإقليم بيلوبونيز، تسمع الابتهالات الدينيّة الداعية إلى طرد الأرواح الشريرة والشياطين، اعتباراً من يوم عيد الميلاد لغاية عيد الغطاس الواقع فيه 6 كانون الثاني. وفي قرى محافظة ابيرو يقدم السكان على إضرام النار في 23 كانون الأول، ويرمز ذلك إلى النار التي أشعلها المجوس قبيل ولادة السيد المسيح في بيت لحم.
تقليد العفاريت
يعتقد العديد من سكّان جزيرة سكياثوس اليونانيّة، أنَّ العفاريت تحضّر مركبها كي تبحر إلى الجزيرة، عشية عيد رأس السنة لتصل في يوم العيد. ولا يجرؤ أحد من السكّان على الخروج من منزله ليلاً بسبب الخوف من ظهور العفاريت التي تغادر الجزيرة على وجه السرعة قبل أن يقدس الكاهن المياه يوم عيد الغطاس ويخرجها منها. وبحسب التاريخ اليوناني القديم، تظهر العفاريت بين 25 كانون الأول و6 كانون الثاني لأن المياه لا تكون مقدّسة خلال هذه الفترة، وتخرج العفاريت التي تعيش في العالم السفلي وتقتات من الأفاعي والديدان، لتتحرش بالبشر وتخرب منازلهم.
تقليد «ميموغاري»
ما زال تقليد «ميموغاري» قائماً في قريتي بلاتانيا وستيتاغري الكائنتين في محيط مدينة دراما الشماليّة، ويعود أصله إلى «البوندين» اليونانيين. و «ميموغاري» مصطلح صيغ من كلمتين: «ميموس» أي تقليد و «ياروس» أي الكهل، ومعناه الحركات التقليدية. ويقوم عدد من السكان بارتداء جلد الذئاب أو الوحوش، ويحملون السيوف. ويأملون عبر لباسهم بجلب الحظ في العام الجديد، ويجولون في الأزقّة بين 25 كانون الأول و6 كانون الثاني، وهم يطلقون الابتهالات الدينية «الكالندا». وحينما تلتقي مجموعة مع أخرى، يقدمون على تقليد المبارزة الحربيّة بالسيوف في ما بينهم، وتنتج من المبارزة مجموعة منتصرة وأخرى منهزمة.
وليد إلياس
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد