رياح عرسال تعصف بطرابلس والجيش اللبناني لا يتهاون
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الخامس والسبعين على التوالي.
وعرسال بلا دولة ليوم إضافي، تنتظر عودة الشرعية بجيشها وأجهزتها الأمنية وكل مؤسساتها، بعدما استباح الارهابيون هذه البلدة وعاثوا فيها فساداً.
وفي حين واصلت المجموعات المسلحة اتباع سياسة «التقنين» في الإفراج عن العسكريين المختطفين، وتفاوتت نسبة استعدادها للانسحاب من البلدة، تبعاً لتعدّد مرجعياتها والتضارب في حسابات كل منها، بقي الجيش مصراً على الإفراج عن كل المحتجزين وانسحاب جميع المسلحين من عرسال، علماً انه تردد أن بعضهم قد غادرها بالفعل نحو الجرود.
ويبدو ان الجيش اصبح يتحكم الى حد كبير بقواعد الاشتباك، بعدما تمكن من إحكام الطوق حول المجموعات المسلحة التي بدأت تفتقر الى مقومات البقاء لأمد طويل، وسط نقص متزايد في مخزونها من التموين والمحروقات.
وليل أمس، ترنحت بقوة الهدنة التي تم التوصل اليها بوساطة من هيئة العلماء المسلمين، مع تجدد الاشتباكات بين وحدات الجيش والإرهابيين على أكثر من محور.
وترافق ذلك مع حصول تحركات متزامنة ومنسقة في مناطق عدة بتغطية من «هيئة العلماء المسلمين»، للضغط من أجل إدخال المساعدات الى عرسال وإخراج الجرحى المدنيين ووقف القصف على البلدة، كما أكدت أوساط الهيئة. وسُجل في هذا الإطار قطع طرق شمالاً وبقاعاً من قبل محتجين غاضبين.
واستمرت طرابلس خاضعة لتأثير عصف عرسال، مع استهداف الجيش من حين الى آخر، وتلاحق الحوادث الأمنية المتفرقة، حيث انفجرت عبوة ناسفة عند جسر الخنّاق ليل أمس، أدت الى سقوط عدد كبير من الإصابات في صفوف المدنيين، فيما تردد أن الانفجار كان موجهاً ضد دورية للجيش كانت تعمل على فتح الطريق في المنطقة.
ووفق المعلومات المتوافرة بحوزة مصادر أمنية واسعة الاطلاع، تمّ رصد اتصالات بين قيادات المسلحين في عرسال، وأشخاص في طرابلس وسجن رومية ومخيم عين الحلوة، ما يفسّر الصدى السريع لأحداث عرسال في عاصمة الشمال، حيث تولى كل من «ر.م.» و«أ.م.» تحريك الشارع وبعض الخلايا المسلحة، بينما نجحت الخطة الأمنية التي طبقت داخل عين الحلوة في إبقاء وضع المخيم «تحت السيطرة».
وتفيد المعطيات الميدانية أن عدد المسلحين الذين احتلوا عرسال يبلغ قرابة 2000 عنصر، توزعوا على 10 مجموعات، مع أرجحية عددية لـ«جبهة النصرة» تليها «داعش»، فيما ينتمي حوالى 500 عنصر الى عرسال.
وعلم أن «أبو طلال»، نائب القيادي الإرهابي الموقوف عماد جمعة، هو الذي يتولى حالياً إدارة الدفة والتفاوض.
وتفيد المعلومات أن جمعة اعترف خلال التحقيقات معه أنه كان ثمة مخطط للسيطرة على كل المواقع العسكرية للجيش في عرسال ومحيطها، خلال الساعات الـ48 التي تلت عملية التوقيف، على ان يلي ذلك الدخول الى بلدات ذات أغلبية شيعية ومسيحية لاحتجاز رهائن واستخدامهم كورقة مقايضة للإفراج عن سجناء رومية.
وإذا كانت تضحيات الجيش قد أدّت الى إجهاض هذا المخطط، إلا أن خطره لم ينتف كلياً بعد، لاسيما أن قيادة الجيش تلقت نصائح من أكثر من جهة بضرورة التنبه الى كل الاحتمالات، وتحديداً الى ما يمكن أن يحدث في بعض مناطق الشمال.
وبينما تستعجل المؤسسة العسكرية رفدها بالسلاح النوعي الذي تستوجبه الحرب على الارهاب، أطل الرئيس سعد الحريري من جدة للإعلان عن تكليفه من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز بالاشراف على دعم سعودي فوري بقيمة مليار دولار للجيش والقوى الأمنية، لتعزيز إمكانات الدولة اللبنانية في مواجهة الارهاب.
ولعل الرسالة الكامنة خلف هذه الهبة الطارئة تتجاوز في مقاصدها القيمة المادية الى الدلالة السياسية، ذلك أن الرياض أرادت أن تستعجل تقوية الجيش ومنع انفلاش الفوضى، لأن البديل من وجهة نظرها هو أن يسقط لبنان بيد «حزب الله» او «داعش»، وهما خياران أحلاهما مر، بالنسبة اليها.
وعقد الحريري مؤتمراً صحافياً أمس في جدة، قال فيه إنه «عندما يكون الوطن في خطر، فإن المسؤولية الوطنية تفرض علينا إعلان النفير العام، واستنفار كل الجهود والإمكانات لمواجهته ورده إلى نحور أصحابه والقائمين به».
وأشار الى ان «لبنان اليوم يعيش هذا الخطر، ويواجه هجمة إرهابية غير مسبوقة، عملت على خطف بلدة عرسال وأسر أهلها ومهاجمة المراكز العسكرية والأمنية المتواجدة فيها»، واصفاً الإرهاب بأنه سرطان يهدد وجود لبنان، بل هو يهدد المنطقة كلها.
وأوضح أن «الملك السعودي وجّه من هذا المنطلق، بتقديم دعم فوري للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وسائر القوى الأمنية الشرعية، قوامه مليار دولار يخصص لرفد الدولة اللبنانية بالإمكانات التي تتيح لها دحر الإرهاب ورده على أعقابه، وقد شرفني بالإعلان عن هذا الدعم والإشراف على هذا العمل الأخوي النبيل».
وأكد أن «حزب الله» لم يشارك مع الجيش اللبناني في معركة عرسال، «لكنه في مكان ما هو المسؤول عما حصل في البلدة»، معتبراً أن مشاركة الحزب في القتال في سوريا هي جريمة، «والجريمة أيضاً ان يأتي الإرهابيون الى عرسال ويفعلوا ما فعلوه بالجيش اللبناني، وهؤلاء قرروا بسبب تدخل حزب الله في سوريا أن يؤثروا على اهل السنّة، لكن اهل السنّة هم اهل اعتدال».
وفي إطار تحصين الساحة الداخلية، امام تهديد الارهاب، بادر النائب وليد جنبلاط الى زيارة العماد ميشال عون في الرابية، حيث أبلغت مصادر مطلعة بأن الرجلين تداولا في آفاق المرحلة وتحدياتها، والمسارات المتوقعة لها، وكيفية مواجهة المدّ الأصولي، وماهية المخارج المحتملة للاستحقاق الرئاسي.
وشدّد جنبلاط على أهمية تحصين الساحة من خلال نزع فتيل التفجير السياسي، ودعم كل القوى المعتدلة، مسمّياً سعد الحريري بشكل خاص، وذلك لمواجهة «غول التطرف».
وأكد البيان المشترك الصادر عن «التيار الوطني الحر» و«الاشتراكي» أن الاجتماع كان «صريحاً وودياً، تم في خلاله النقاش في عددٍ من الملفات السياسية أبرزها المعركة التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة الحساسة ضد الإرهاب، وأهمية الدعم المطلق للجيش اللبناني، من دون أي شروط أو تفسيرات أو تأويلات».
وتخلّل الاجتماع نقاش في آليات تعزيز الاستقرار الداخلي والإسراع في ملء الشغور الرئاسي.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد