سعيد عقل في مئويته.. «ألف ليرة» لمن يزيد لبنان حباً وجمالاً
عام 1912، وفي الرابع من تموز في مدينة زحلة اللبنانية ولد سعيد عقل لأم طاهرة وأب كثير العطاء لذلك نشأ في بيت فيه الكثير من الدلال والحب والعدل والعلم.
وما أن وطئت قدماه باحة المدرسة لأول مرة (مدرسة المريميين) حتى بدا التفوق واضحاً على أقرانه وظل على هذا الحال إلى أن أتم جزءاً من المرحلة الثانوية حيث كان يضع نصب عينيه دراسة الهندسة لكن خسارة والده المالية الكبيرة أجبرته للانصراف عن المدرسة وليمارس في تلك الفترة التعليم والصحافة، ثم ما لبث أن انتقل إلى بيروت عاصمة العلم والنور في ذلك الوقت وهو مطلع الثلاثينيات وبدأ الكتابة للصحف بكل جرأة وإقدام فكتب للبرق ولسان الحال والصياد ودرّس في عدة مدارس وأهمها تدريسه تاريخ «الفكر اللبناني» في جامعة الروح القدس، وفي مار أنطونيوس كما علم اللاهوت، ولما كانت نفسه الشاعرة ميالة إلى الأدب والشعر
في بيت المحبة
تعلّق بدراسة أهم الكتب من التراث العالمي واهتم كذلك بالعلوم والفنون والفلسفة وأعطى للاهوت اهتماماً خاصاً فعد من أهم مرجعياته فقد أخذ عن المسيحية أهم ما فيها «المحبة» التي تعد الركيزة الأولى والأساسية للدين المسيحي فأحب الناس كلهم أما من الإسلام فدرس تاريخه وفقهه مما حببه إلى أشياء كثيرة جاءت فيه أهمها أن الله ليس رب جماعة بل هو «رب العالمين» وأن ممارسة الزكاة تعني أن يعطي الإنسان ما منحه إياه الله وغير ذلك كثير، وبعد كل هذا بدأت شخصيته بالتبلور والعطاء الفكري والإبداعي وحتى المادي فقد أنشأ عام 1962 جائزة شعرية من ماله الخاص مقدارها «ألف ليرة لبنانية» تمنح لأفضل كاتب يزيد لبنان والعالم حباً وجمالاً.
بنت يفتاح
لم يستعجل النشر بل ربما تأخر فيه كثيراً وهو الذي كان قادراً منذ يفاعته أن يقدم الديوان تلو الآخر ولكنه آل على نفسه أن يمتح من الثقافة حتى يرتوي وعندها يمكن أن يبدأ بالعطاء ولذلك قدم أول أعماله عام 1935 وسماه «بنت يفتاح» وهي مسرحية شعرية مأساوية وربما كان لتأثير شكسبير الكبير في ذلك الوقت المسّوغ لكتابة تلك المسرحية التي نالت جائزة الجامعة الأدبية وفي الفترة نفسها جادت قريحته بقصيدته المطولة «فخر الدين» التي عدت من عيون الشعر العربي، معاني وخيالات وأسلوباً ولأن «الشعر هو الدليل الوحيد على وجود الإنسان» كما يقول لويس أراغون، فقد أصدر عقل رائعته المجدلية عن مريم المجدلية سنة 1937 وفيها برز الشعر العربي بحلة جديدة نقلته من المحلية إلى العالمية حيث المعاني المستنبطة والخيال الواسع والفكر الوثاب، وصار الشعر يعني كما يقول عقل نفسه:
الشعر قبض على الدنيا مشعشعة
كما وراء قميص شعشعت نجم
فأنت والكون تياهان كأس طلى
دقت بكأس وحلم لمّه حلم
احتفاءً بـ «رندلى»
وفي عام 1944 وإذا بمسرحيته الشعرية المأساوية أيضاً «قدموس» ترى النور وفيها صار سعيد عقل شاعر لبنان الأكثر تميزاً وحضوراً على الساحة الشعرية لا سيما أن أحداً لم يستطع أن يدانيه لذلك صار يصول ويجول شعراً في لبنان والعالم العربي فأصدر ديوانه الغزلي الرائع «رندلى» عام 1950 وفيه بدت المرأة ملكة حقيقية وإنساناً كامل الإنسانية بل كأن سعيد عقل احتفى بالمرأة في هذا الديوان، فأعاد لها مجدها الذي سلب أيام الكابوس العثماني الذي استمر أربعمئة عام من القهر والإهانة والجهل، وفي مشكلة النخبة الذي أصدره عام 1954 بدا سعيد عقل منظراً في مجالات الفكر والسياسة والفن أيضاً، أما «كأس خمر» الذي أصدره 1960 فهو عبارة عن مقدمات وضعها الشاعر لكتب مختلفة وفي العام نفسه أصدر «لبنان إن حكى» وكذلك «أجمل منك؟ لا» وفيه غزل رفيع ارتقى إلى مستوى الترنيمة والصلاة أما في عام 1961 فقد أصدر ديوان «يارا» وهو باللهجة اللبنانية وهو ديوان حب يحتوي مجموعة من أرق القصائد الغزلية وأعذبها، بعد ذلك أصدر مجموعة كبيرة من الدواوين منها «الذهب قصائد» عام 1981 بالفرنسية وهو كتاب جامع يحمل خلاصة فكر سعيد عقل.
يقول مطانيوس ميخائيل: كان دخول سعيد عقل في الثلاثينيات على مسيرة التجديد والدخول الأقوى لأنه كسر الإيقاع القديم القوي، بإيقاع جديد يماثله قوة وكسر التركيب البياني القديم القوي بتركيب بياني جديد ويماثله قوة مستبدلاً قاموساً بقاموس ونغماً بنغم.
واكب الرومانسية وتأثر بها وكذلك الرمزية وحوّل تأثره بهما إلى غنائية كلاسيكية جديدة وكلما توغل زمن الحداثة ازداد تشبثاً بكلاسيكيته، رغم أنه دعا في وقت من الأوقات إلى الكتابة باللهجة اللبنانية لأن عشقه للبنان جعله يعتقد أن من حق لبنان أن يتسيّد حضارة العالم وأن تسود لهجته الجميع لذلك هوجم وحوصر ولكنه ظل «سعيد عقل» سيد الكلمة فصيحة وعامية وها هو يدخل في عامه المئة وما زال حاضراً ونتمنى لشاعرنا الشامي المجيد المزيد من السنين ومن الشعر معاً ومما قاله في دمشق:
شآم يا ذا السيف لم يغب
يا كلام المجد في الكتب
قبلك التاريخ في ظلمة
بعدك استولى على الشهب
سهيل الذيب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد