سماح ادريس :هل قلتَ “أزمة كتاب”؟
كل سنة، قبيل معرض النادي الثقافي العربي، يُطرح الموضوع نفسه: أزمة الكتاب. وكل سنة، نقترح بعض الحلول، ولا يُنفّذ منها شيء. وهذه السنة سنقترح مجدداً، وأعتقد أنّ شيئاً لن يُنفّذ.
نعم المشكلة الأساس هي في توقف الثقافة عن أن تكون رأسمالاً رمزياً في حاضر إنساننا اللبناني/العربي، المشغول إما بالبحث عن سبل العيش الكريم، وإما بالتفكير في الهجرة و«الغرين كارد» أو السيارة الفارهة. ولا يعود ذلك التوقف إلى نزعة الاستهلاك السائدة وحدها بل أيضاً إلى ضعف ثقة الناس بالمثقفين الذين خذلوهم (في أكثرهم) حين عادوا إلى طوائفهم أو انقلبوا على أفكارهم التي نظّروا لها طويلاًُ لمصلحة الليبرالية والديموقراطية التوافقية مثلاً. ويعود كذلك إلى ضعف التجديد في الأساليب، والى اللغة العويصة المتفاصحة التي ما زال معظم كتّاب الأطفال يستخدمونها الى اليوم، الأمر الذي يؤدي إلى أن يحمل الأطفال معهم «ندوباً لغوية» من الماضي يصعب إبراؤها في المستقبل.
ثمة أمور أخرى، أكثر ملموسية، تدفع بالثقافة، إن لم يكن إلى التراجع في لبنان، فعلى الأقل الى التقدم ببطء سلحفاتيّ مريع. من هذه الأمور أنّ وزارة الثقافة، التي يُفترض أن تضطلع بسهم غير بسيط من تفعيل العمل الثقافي، ما زالت تتقاضى أقل من واحد في المئة من موازنة الحكومة، بما فيها الحكومة «الحضارية» بامتياز. الأنكى أنّ مستجدّات الصراع الداخلي اللبناني حوّلت وزير الثقافة، ولا سيما بعد استقالة وزير الخارجية، إلى أحد المتحدثين الرسميين بلسان السلطة الحاكمة، فأضعنا فرصة الإفادة من علم طارق متري وحيويته الفكرية.
وتسرّب التمويل الأوروبي الذي يصل وزارة الثقـــــــــافة إلى مؤسسات مدنية تعوزها، في الكثير من الأحيان، الكفاءة بل والحدّ الأدنى من الإلمام بالــــــــــثقافة و(اللغة) العربية الفصحى. أضف إلى ذلك أنّ ما تقدّمه وزارة الثقافة إلى دور النشر، مثلاً، لا يتعدّى ألفي دولار سنوياً، إلا إذا «تحايل» الناشر ليحصل على نصيب أكبر من حقّه ــ نعـــــــــــم حقّه! ــ من هذه الوزارة، ولو على سبيل الحفاظ على المظاهر البدائية من ســـــــــــمعـــــــة «بلد الحرف والنور والنشر والثقافة».
ومن الأمور المخزية التي تحول دون أن يتطوّر قطاع النشر الصراعات المذهبية داخل الاتحادات النشرية. وكل من قال إن دواء الطائفية والمذهبية هو في الثقافة، فعليه أن يغيّر رأيه التبسيطي حين يقترب من الاتحادات المذكورة.
أما الأحزاب، فقد استقالت من مهماتها الثقافية استقالة شبه تامة. وباتت أغلب المواد التثقيفية التي تُفرض على العضو الحزبي تقتصر على البرنامج السياسي والتنظيمي... وأحياناً على مقررات المكتب السياسي. وهذا ينطبق على الأحزاب التقدمية التي سبق أن خرّجت مثقفين في مستوى جوزف سماحة وفوّاز طرابلسي وخالد حدادة على سبيل المثال لا الحصر.
الحلّ؟ بالتأكيد، ليس الحلّ بالنقّ، بل بأن يقوم كلّ منّا بعمل ما يستطيعه لإرجاع الثقافة في لبنان إلى حيث تستحق أن تكون: بالكتابة الحرّة، والفكر النقدي، والترجمة المتقنة، والندوات المعدّة إعداداً جيداً، والتثقيف داخل الأحزاب، وتبسيط العربية للأطفال بما يجعلها لغة المجتمع لا النخب «الحنبلية» المسيطرة. وإنّها لمهمّة ليست بالسهلة! ولكنّنا، بتضافر منابر ثقافية وإعلامية وصحافية وسياسية وتقدمية جادّة، يمكن أن نخطو خطوات كبيرة في وجه الاستهلاك الرخيص... الذي هو رديف الاستسلام السياسي.
سماح ادريس
رئيس تحرير مجلة «الآداب»
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد