سوريا: عودة الرحلات الليلية إلى طرق السفر
إنها الرابعة فجراً على الطريق الدولي بين دمشق واللاذقية. صمتٌ يخيّم على الحافلة، يقطعه بين الحين والآخر صوت تحية العسكر على نقاط التفتيش. بعض الركّاب نائمون والبعض الآخر يُراقب بشغف خيوط الضوء الأولى تتسرّب عبر النوافذ من الأفق الممتد على طول الطريق.
مرّ زمن لم يأنس فيه هذا الدرب بعابري الليل، لكن مع بداية صيف العام 2016، عادت رحلات السفر الليلية على الأوتوستراد الدولي للانطلاق بعد توقّف دام أكثر من خمس سنوات تقريباً.
نوّار زريقة، الذي عرف مُصادفة منذ أقل من شهر تقريباً بعودة الرحلات الليلية، كان بحاجة للوصول الى دمشق في وقت مبكر لمتابعة ورقة رسمية في إحدى الدوائر الحكومية، ومن الحلول المقترحة لديه كان السفر في يوم سابق، لكن لا مأوى ينتظره. فما الحل؟
يقول الشاب العشريني وهو من سكان اللاذقية: «عرفت أن إحدى الشركات تُسيّر رحلات ليلية فاخترت رحلة الساعة الثانية فجراً من دون أن أشغل تفكيري بالخوف، أو ما يُمكن أن يحصل، لأن الطريق الدولي عاد إلى سابق عهده تقريباً قبل الأحداث»، مضيفاً «أذكر جيداً، قبل الحرب، أن مشروع السفر الليلي كان يُرجّح غالباً على خيار سفر النهار، وقد عاد اليوم بعد انتشار الميكرو باصات الصغيرة والفانات على طرقات السفر، وبالفعل وصلت في السابعة إلا ربع صباحاً إلى دمشق».
من جانبه، يقول مدير إحدى شركات النقل البري في اللاذقية خالد الحكيم : «لم تتوقّف شركتي يوماً عن تسيير الرحلات على طريق دمشق ـ اللاذقية، حتى في فترات التوتر. لكن خوف الركاب من حوادث أمنية محتملة على الطريق وانكفائهم عن سفر الليل، كان يضطرنا لتأجيل الرحلات حتى الفجر، أما اليوم فقد عدنا لتسيير ما يُقارب 13 رحلة يومياً من وإلى دمشق، مع إمكانية زيادة هذا العدد عندما نضطر لذلك».
لا يُخفي صاحب شركة «الحسن» انزعاجه من دخول «الميكر وباصات» والفانات على خط العمل، لأنها «تسبّبت بفوضى على الطريق»، بحسب تعبيره، كما أن «لا ضوابط تحكم عملها، خاصة أنهما يخالفان قرار رئاسة مجلس الوزراء الذي يمنعهما من نقل الركاب لمسافة تزيد عن تسعين كيلومتراً».
لكن خروج مراكز انطلاق الباصات في العباسيين والقابون عن الخدمة، نتيجة الظروف الأمنية، بالإضافة لخروج العديد من شركات النقل عن العمل، وتركُّزها في مناطق مُتفرّقة وبعيدة نسبياً عن معظم التجمّعات السكانية أوجد دافعاً لدى المجتمعات الأهلية إلى البحث عن حلّ بديل يخدم المناطق بشكل أسهل وأسرع لتنشأ خدمة النقل بـ»الميكروباصات والفانات» التي لاقت رواجاً كبيراً لما توفّره من وقت وجهد، على الرغم من أن تكلفة السفر بهذه الوسائل أغلى بعض الشيء.
يُفاضل أحمد، من سكان منطقة مصياف التابعة لمحافظة حماة، بين السفر في الوسيلتين، ويقول: «لكلّ منها ميزاتها وسلبياتها، فالباصات الكبيرة أقلّ تكلفة على المسافر وأكثر أماناً كونها مملوكة لشركات معروفة ومؤمّنة غالباً، كما أنها تلتزم بحدود السرعة، على عكس الفانات التي تتجاوز السرعات المسموح بها ما يُعرّضها لخطر الحوادث»، مضيفاً أنه في الوقت ذاته «ساهمت الفانات بحلّ أزمة حقيقية وخفّفت من الازدحام، كما سهّلت وصول المُسافرين إلى أي منطقة يريدونها تقريباً، وأعادت الحياة الى طُرقات السفر ليلاً بعد فترة الركود والخوف التي شهدتها، فمُعظم السائقين يُفضّلون الانطلاق في وقت مبكر حتى قبل الفجر».
كان الخوف هو من يقطع التذاكر ويؤجلها أقلّه حتى الفجر، فعتم الطريق غير آمن، والمسافات قد تُخبئ مفاجآت غير محمودة العواقب. نذكر كيف أن شتاء العام 2013، كان الأصعب لجهة تأمين الطريق حيث قُطع الأوتوستراد الدولي مرات عدة في منطقة القلمون خلال شهر أيلول، بعدما احتدّت المعارك بين الجيش السوري والفصائل المُسلّحة، وتسلّل عشرات المُسلّحين عبر الحدود اللبنانية باتجاه سوريا من خلال المعابر غير الشرعية في المنطقة.
كما شهدت بلدات دير عطية، والنبك، وقارة، في تلك الفترة أيضاً، حالات قنص تسبّبت بمقتل عدد من المدنيين وإصابة العديد من السيارات، فيما شهد شهر تشرين الثاني من العام نفسه تصعيداً أمنياً كبيراً من قبل المُسلّحين الذين تبنّوا تفجيرين انتحاريين أحدهما في بلدة النبك والآخر قرب حاجز الجلاب، تلا ذلك اشتباكات عنيفة على الأوتوستراد وانقطاعه بالكامل لساعات عدة عقب التفجيرين. وهدأت الحوادث بعدها لأكثر من عام بعد ابتعاد المعارك عن الطريق، لتعود مع تجدّد الاشتباكات في المناطق المُحاذية لجبال القلمون وفي قارة بالتحديد، إلا أن الطريق لم ينقطع أكثر من ساعات وذلك لتأمينه وتفادي وقوع الحوادث عليه.
سناء علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد