سوريا كضحية قادمة لأوروبا
الجمل- قسم الترجمة- من الصحافة الإيرانية:
أوربا تتهاوى.. أوربا تسقط..
إذا كان السوريون يظنون أن أزمة بلادهم تتجه نحو الحل خلال مدة قريبة فمن المؤسف أن يعرفوا أنه طالما أوروبا تسير نحو الهاوية فلا حل لأزمتهم بل على العكس ستتصاعد وسيدفع إلى المزيد من الفوضى وتحويل الكيان السوري إلى تنفيسه لأزمات العالم السائر نحو الهاوية وطاولة لمكاسراته وساحة وغى لكر وفر زعمائه الذين لا يسمحوا لأحد أن يتخطاهم أو يقف في مصافهم وخصوصاً بعد أن ضمنت كل دولة من دول العالم حتى مشيخات طويلي العمر مريديها ومستقطبيها في الداخل السوري لتديرهم وتوجهم عند الضنك والضيق.
تقرأ نخب الغرب وصنّاع الاستراتيجيا التاريخ، والعرب لا يقرأون ما خطه لهم بعض فلاسفتهم وقادتهم الصناديد حيث كتب أمير بلاغتهم "ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا " لذا يصدرون لنا كل أزماتهم وعقدهم ويجعلون من بلداننا حقول تجارب ويجعلون منا وقود معارك وحروب .
تعاني أوربا أمراً خطيراً جداً وهو ظاهرة أولاد الحرام أو بحسب تسميتهم التي تدغدغ المشاعر "الأولاد غير الشرعيين" فقد أفادت مؤسسة الإحصاء الأوروبية Eurostat أن نسبة مواليد الأطفال (غير الشرعيين -أولاد الحرام) لأبوين غير متزوجين قد تضاعفت في دول الاتحاد الأوروبي خلال عشرين عاماً إلى أكثر من 35% من مجموع المواليد. كما أن فرنسا رائدة الحرب على سوريا وصل عدد (أولاد الحرام غير الشرعيين) فيها في عام 2008 (والخير إلى الأمام خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية) إلى أكثر من نصف عدد المواليد الشرعيين، وهذا يدق ناقوس الخطر في وجه الإسلام السياسي فهل سيتعاملون مع فرنسا بحكم أنه بعد مدة سيكبر أولاد الحرام هؤلاء وسيتسلمون مقاليد إدراة فرنسا بشكل محتم؟ وهل يرضى السوريون أن يحدد مصيرهم ومصير بلادهم دول أكثر من نصف مواليدها أولاد حرام غير شرعيين؟
يعرف الشرق لدى مجمع الآلهة بأنه أرض خلق الأساطير ، وكم من أساطير خلق وبدايات وأساطير عشق وتضحيات تكونت في الشرق وتحديداً في سوريا أرض الإله شمس وفي كل أسطورة هناك ثنائيان متضادان -داخلان في الزمن وليسا خارجان عنه - يتصارعا ليقسّما العالم إلى مساند لقوى النور والخير وآخر داعم لقوى الظلام والشر.
فأيها السوريون شاءت الآلهة أن تكونوا خالقي أسطورة تعيد للعالم توازنه وللوجود انسجامه؛ أسطورة صراع النور والخير والجمال والشغف بما تمثلونه أنتم الآن، وبين الظلام والشر والقبح والكره والأنانية والذي يتجلى في وهابيي العصر وإخوانه وأصولي أوربا اللاهثين وراء سفك الدماء وإقامة مملكة الظلام ليظهر مبشر دمار العالم ونهاية الوجود، فادعوا الرب إلهكم أن لا يطيل مخاض ولادة هذه الأسطورة.
تابعوا التقرير الآتي عن الحالة التي وصلت إليها أوربا خاصة بعد الأزمات التي تعصف بها وماتزال تهددها وتترصدها..
ربما لم يشهد عالمنا خلال أي عصر من عصور هذا الكوكب ما نشهده اليوم من تغيرات وأزمات والتهابات مختلفة وعلى نطاق واسع ويكفي أن نقّلب صفحات جريدة صباحية أو مسائية لنلمس مؤشرات مختلفة تدل على هذه الأزمات المتصاعدة السياسية والاقتصادية، الثقافية، الأخلاقية، البيئية و...
في عالمنا الحالي تتسم كل واحدة من هذه الازمات بخاصية التضاعف والقدرة على التحول إلى شكل مختلف وعلى صعيد مغاير.. على سبيل المثال تستطيع الأزمة الاقتصادية بسرعة كبيرة إيجاد أزمة سياسية واجتماعية وحتى صحية.
الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت من أمريكا ووصلت إلى أوربا وآسيا لم تؤثر على اقتصاد الدول فقط بل أضحت تهدد صحة الشعوب أيضاً وإذا اتفقنا أن الصحة ليست إلا حالة قبل الإصابة بالمرض و هي عبارة عن الإحساس الجيد و التمتع بالصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية والروحية عندها ندرك أن الجزء الأهم من التمتع بالصحة يكمن في سلامة الجزء النفسي والاجتماعي.
فمنذ عدة أعوام أصيبت القارة الأوربية أو القارة الخضراء بأزمات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية لكن الأزمة المالية تظهر جليةً للرأي العام أكثر من الأزمات الأخرى، وإن الخلاف الجدي والعميق بين أعضاء الاتحاد الأوربي بالإضافة إلى الخلاف على اعتماد عملة موحدة لأوربا وتهديد اليونان وعدة دول أخرى بإخراجها من الاتحاد و المظاهرات الشعبية الحاشدة في المدن والدول المختلفة في أوربا تعتبر مؤشرات تدل على اتساع رقعة الازمة في القارة الخضراء، لكن مع توفر فرص عمل موسمية في فصل الصيف نتيجة التدفق الجيد للسياح ما يحّسن قليلاً الناتج المحلي الاجمالي مع هذا كله لا يعتبر هذا الأمر بالتغيير الكبير الذي يمكن أن تستثمر الدول فيه وخصوصاً بعد انخفاض نسبة صناعة السياحة بشكل ملحوظ في صيف هذا العام مقارنةً بالأعوام السابقة.
ومن جهة أخرى ينبغي على هذه القارة أن تواجه مشكلات كبيرة جداً مع قدوم فصل الشتاء وارتفاع أسعار الطاقة في أوربا.
بعيداً عن المشكلات الاقتصادية الضخمة، هناك جملة من المشكلات التي تمسك بياقة المجتمع الأوربي، كأزمة البطالة والانتفاضات الشعبية المناهضة للسياسات الاقتصادية وللسياسات التي تنتهجها بعض الدول الأوربية الباحثة عن شن الحروب بالإضافة إلى معاناة المجتمعات الغربية من الأزمات الأخلاقية و أزمة الأسرة و...
سنحاول قدر الامكان في هذا التقرير تسليط الضوء على تداعيات الأزمة في أوربا وأسبابها وسنورد تحليل حولها.
تورط الغرب في الأزمة الأخلاقية:
كل يوم تبث وسائل الاعلام الغربية أخباراً تتحدث عن قضايا سفاح القربى، عدم معرفة آباء الكثير من المواليد، حمل الفتيات صغيرات السن وتفكك بنيان الأسرة في الغرب والكثير... إلا أن الغرب لا يقدم على اتخاذ أي إجراءات لحل هذه المشكلات وحتى لو أراد حلها فإنه غير قادر على ذلك. ففي المجتمع الغربي كل شيء مجبول بالشهوة والقضايا الجنسية و تعتبر حضارة الغرب الجديدة وخصوصاً حضارة الولايات المتحدة نموذج للكثير من الأمم التي ضربت القيم والأخلاق بعرض الحائط والتركيز على القضايا الجنسية والابتعاد عن الأخلاق وقد ذهبت إلى حد لم يعد فيه من الممكن التمييز بين الخير والشر والجيد والسيء فالشباب والأسر والمجتمع كلهم غارقين في الفساد.
قبل 3 عقود غيرت الثورة الجنسية المجتمع الغربي بشكل جدي وغيرت معه كل السلوكيات والمناهج المرتبطة بالعلاقات الجنسية والأسرة حيث تهدف هذه الثورة إلى تحقيق السعادة وتحصيل اللذة عن طريق ممارسة الجنس لكن دون أن يترتب عليه أي التزام وحتى الآن لم يثمر هذا الأمر عن شيء سوى انتشار اليأس والانزعاج وخلق أزمة أوصلت المفكرين إلى نتيجة تقضي بوجوب إعادة العلاقات الجنسية العصرية إلى قوالب الالتزام والمسؤولية وحّد إطارها فقط ضمن الزواج القانوني.
كما أن تكاليف وتداعيات هذا السلوك ينذر بالخطر: "ففي كل عام تحبل مليون فتاة أمريكية 75% من هذه الحالات تتم خارج إطار الزواج، كما أن هناك 80% من الأمهات الشابات يعانين من الفقر ويعتمدن في حياتهن على مساعدات الرعاية الحكومية، حيث تكلف هذه المشكلة دافعي الضرائب الأمريكيين 7 مليار دولار في العام.. ففي كل يوم في الولايات المتحدة يولد 1300 مولود من هذه الامهات اليافعات ويتم إجهاض 1100حالة حمل وفي العام الفائت أصيب 3 ملايين أمريكي بأمراض جنسية.
في 20كانون الثاني 1997 كتبت مجلة نيوزويك في عددها الصادر في أوربا أن: " أكثر من نصف المواليد في السويد يعودون لأبوين غير متزوجين في حين يصل هذا المعدل في فرنسا وبريطانيا إلى ما يقارب ثلث المواليد". في النتيجة " الشيء الذي حدث في المراحل الأولى في أمريكا يحدث الآن في بريطانيا كتفاقم مشكلة المخدرات الحادة وانتشار الفقر واليأس اللذان يصيبان الأمهات اليافعات اللواتي يخرجن من المدرسة مبكراً ولا يجدن أي عمل يعتشن منه".
الأزمة الاجتماعية في أوربا:
الجريمة، العنف، الإنزواء الشخصي، الأمراض النفسية، التحرش الجنسي، تفكك بينان الأسرة و.. كل هذا من جملة المشاكل التي يراقبها الغرب مدهوشاً لكن كيف تظهر هذه المشاكل وماهي الأسباب الرئيسية لظهورها؟
يجدر القول أن الثقافة الهيلينية التي انتشرت منذ اليونانيين القدماء ودخلت في العقائد الفلسفية الغربية تعتبر أهم دليل على بداية ظهور و تنوع المشكلات الحالية.
في الواقع الهيلينية أو فلسفة العدم هي تفكير استحواذي وضعي ينفي وجود ما بعد الطبيعة وقدسية المتافيرقيا و تعتبر هذه الفلسفة موضوع الهداية في تطور البشر أمر عديم الفائدة.
الأزمة الاقتصادية ومنشؤها:
بالرغم من أن الاتحاد الأوربي تشكل بهدف زيادة التعاون والتنسيق بين الدول الأوربية لكن في الوقت الراهن تهدد الأزمة المالية والوضع الوخيم لبعض الدول الأعضاء بالإطاحة بالأهداف التي تأسس من أجلها هذا الاتحاد.
من بداية العام الحالي ومع استمرار الأزمة الاقتصادية التي ظهرت في 2008و2009 في أمريكا و أصابت أسواق المال العالمية، تواجه بعض الدول الأوربية تحديات على الصعيد الاقتصادي مما أدى إلى سقوط حكومات وخلق أزمات اجتماعية جراء هذا الأمر. كانت اليونان إحدى هذه الدول التي واجهت هذه الازمة على نطاق واسع ولم تخرج منها حتى الآن.
ايطاليا أيضاً لم تستطع هي الأخرى الصمود أمام الحجم الكبير للمشاكل المالية الأمر الذي أجبر برلسكوني على الاستقالة بعد التصويت على عدم منح الثقة واليوم تسعى ايطاليا بوجود حكومة جديدة لإيجاد طريقة ما للعبور من هذه الأزمة عبر تخصيص ميزانية منخفضة وتقشفية. اسبانيا هي الأخرى نموذج للدول التي تقع بشدة تحت تأثير الأزمة المالية التي تجتاح الغرب.
الاحتجاجات الشعبية في أوربا:
الفوارق الاجتماعية- الطبقية المتجذرة في أوربا والتي بدأت تظهر جليةً في هذه الأيام خاصةً بعد اشتعال شرارة الاحتجاجات الشعبية في منطقة الشرق الأوسط أدت إلى أن تجتاح موجة جديدة من الاحتجاجات والاضطرابات الشعبية القطب الأضعف في قارة أوربا حيث بدأت احتجاجات جدية في اسبانيا والبرتغال واليونان تطالب بالتغيير.
يأتي هذا في وقت اشتكى فيه مؤخراً السياسيون المخضرمون في هذه الدول من الاستعمار الجديد لدولهم الضعيفة من قبل الدول القوية وانتقدوا بشكل علني سياسات بريطانيا وألمانيا وفرنسا اتجاه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي واستغلالهم للدول الضعيفة.
على ما يبدو الهوة الحاصلة بين الأغنياء والفقراء في الاتحاد الاوربي أصبحت عميقة خاصة مع اشتداد الأزمات المالية لذلك ستشهد المنطقة احتجاجات شعبية عارمة تملأ الشوارع ضد العنصرية والاستعمار الأوربي.
الأزمة التي بدأت من أمريكا وانتشرت لتجتاح أوربا كلها أوصلت الاتحاد الاوربي خلال الأشهر الأخيرة إلى أدنى مستوى له دافعةً الحكومات الأوربية الواحدة تلو الأخرى لإعلان إفلاسها واللجوء إلى الاقتراض الخارجي، في هذه الأثناء تظهر الحركات الاجتماعية مقلدة الحركات التي أوجدت تحولات الشرق الأوسط وشمال افريقا وغدت هذه الحركات الاجتماعية الأوربية تهدد القارة العجوز بنشوب انتفاضات شعبية عارمة وشاملة.
بالرغم من أن لهذه الاحتجاجات لون اقتصادي ومالي لكنها جاءت استمراراً لقيام الشعوب العربية حيث خرج الأوربيون إلى الشوارع لتحصيل حقوقهم وللمطالبة بإصلاح السياسات الاقتصادية. يعتقد المنظّر الأمريكي "نعوم تشومسكي" أن الاحتجاجات الشعبية في أوربا في الأصل اندلعت ضد المؤسسات المالية والبنوك التي تكبر باستمرار وضد الأرباح الذي تحققها هذه المؤسسات الاقتصادية كما أن ارتفاع معدل البطالة نتيجة الركود الاقتصادي كان سبباً في تأجيج هذه الاحتجاجات، السياسات المالية كالضرائب وقواعد إدارة الشركات التي توجد حلقة مفرغة مستمرة في هذا المجال أدى إلى تفاقم الأوضاع بشكل كبير. كما أن الفقر الواضح المنتشر بين الناس وتوضع الثروة والرفاهية في يد قلة قليلة أدى إلى استمرار هذه الحلقة المفرغة واتساعها أكثر وأكثر.
غموض جدي يلف مستقبل أوربا:
في أعقاب اتساع رقعة الأزمة المالية والاقتصادية في أوربا الغربية فقد دخل مستقبل هذه القارة في هالة من الغموض والالتباس؛ويعتبر فشل السياسات الرأسمالية في الغرب، عدم قدرة المنظرين الغربين على إيجاد حلول للمشكلات، خروج الناس واندلاع الاحتجاجات الواسعة ضد السياسات الاقتصادية، عدم تقديم أية حلول وأفكار بديلة لحل المشكلات الاقتصادية و... مؤشرات على عدم صحة النظرة الفلسفية والبنيوية والفكرية للغرب بالنسبة إلى الوجود والانسان.
التحديات المستقبلية لاقتصاد أوربا:
يستند المستقبل الاقتصادي الأوربي على أساس الاقتصاد الليبرالي أو الرأسمالي الذي يعود منشؤه إلى التحولات التاريخية والفكرية في هذه القارة. هذا السبر المستقبلي للأحداث التي وقعت خلال العقود الأخيرة يشير إلى أن التحديات الرئيسية تكمن في طرز التوجه والتفكر.
الاقتصاد القائم على الربا:
يعتبر الربح من خصائص النظام الرأسمالي ويهيئ قبل أي نظام اقتصادي آخر الفرص لتحقيق الربح وهناك 3حالات حرة في الاقتصاد الرأسمالي عادةً لا توجد في الأنظمة ما قبل الرأسمالية. النقد الذي يتناول نفعية اقتصاد أوربا الذي يوظف ويستخدم أي طريقة لتحقيق الربح تحول إلى قضية جدية وقد تناولته أيضاً المحافل الأكاديمية الأوربية، ويذكر أن "ماركس" بصفته الرائد في هذا الشأن لطالما وّجه بشكل دائم نقد جدي للاقتصاد الرأسمالي.
وكون كارل ماركس باحث بارز قام بتحليل ودراسة انتشار الرأسمالية وقد فعل أفضل من أي شخص آخر في عصره وقارنها بالمقاييس العالمية وتوصل إلى نتيجة أنه يمكن إنشاء اقتصاد دولي عالمي من خلال الاقتصاد الرأسمالي وتوقع أن هذه الآلية لا تجلب التطور والرفاهية التي تحدث عنها المنظرين والسياسيين الليبراليين بل تتسبب في نشوب نزاعات عنيفة وأزمات اقتصادية كبرى كما تتسب أيضاً في عدم تحقق المساواة الاجتماعية على نطاق واسع.
تثبت تحولات القرن القادم بشكل جلي صحة ضعف الاستشراف الاقتصادي الأوربي وأظهر الاقتصاد الرأسمالي أن الربح والنفعية هي منشأ الكثير من الفوارق الطبقة في المجتمع الأوربي.
الاقتصاد المبني على الفردية:
النظام السائد في أوربا هو النظام الرأسمالي الذي يعتبر الاقتصاد الليبرالي أهم مرجع فكري وفلسفي له. وتعد نظرية الإنسانية ومحورية الإنسان من أهم المحاور في التعاليم الليبرالية التي تعتبر من أهم أصولها الحرية الشخصية، ففي النظام الاقتصادي الأوربي الناس أحرار في اختيار طريقتهم في كيفية استغلال المصادر الموجودة والاستفادة منها لأن أي شخص يمكنه البت في قضية مصالحه أفضل من الأخريين.
ويتمحور الجوهر الرئيسي لأي تجمع في هذا النظام حول الفرد وتقدم مصلحة الفرد على الجماعة جاعلة من هذه اللاءات مبادئ لها مقابل المبادئ الأصيلة المنبثقة من الحالة المعنوية والطبيعية للوجود، وتعتبر قضية الفردية قضية مهمة جداً في موازين هذه الأنظمة التي تضع لجام المسؤولين الأوربيين في أيادي أصحاب رأس المال وتجعل من أراء هؤلاء هامة جداً و وازنة في خط صناعة السياسات وتوجهاتها.
تدفع الفردية في النظام الاقتصادي الأوربي في أن يفكر الناس (بغض النظر عن الأخلاقي واللاأخلاقي) لابتداع طرق جديدة تساهم في رفع معدل دخولهم وزيادة أرباحهم وفي هذه الحالة فإن ضياع الكثير من القيم الانسانية أمر لا يمكن تجنبه لذا فإن هذه المشكلة جذرية وبنيوية ومتأصلة في صلب رؤى الأنظمة الاقتصادية الغربية.
الاقتصاد الاستهلاكي:
كل التعاليم المعنوية تحض على القناعة والامتناع عن الإسراف بخلاف ما تدعو له أدبيات الاقتصاد الليبرالي؛ فأحد القواعد الرئيسية للنمو والتطور الاقتصادي في هذا النظام هو الاستهلاك، وعملية ترويج الاستهلاك جزء لا يتجزأ من تعاليم و نظريات الاقتصاد في الغرب. وقد بدأت هذه التعاليم تفقد ألقها خاصةً مع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي تواجهها أوربا.
تتسبب الأزمة الاقتصادية لوحدها في ارتفاع معدل البطالة وانخفاض الدخل وتؤدي إلى ضعف الاستهلاك وللخروج من الأزمة الحالية تؤكد أوربا على اتباع سياسة التقشف وهي الأخرى تضعف الاستهلاك أيضاً.
اتخذت أوربا تدابير تكتيكية واستراتيجية جديدة بهدف معالجة هذا المشاكل في وقت قصير لكن السبب الرئيسي للمشكلة يكمن في المحافظة على بقاء الاستهلاك على قوته. يجدر القول أن اخطاء الأوربيين ليست في التكتيكات والاستراتيجيات بل تكمن العلة الأساسية في ضعف الرؤية المستقبلية للاقتصاد.
الاقتصاد المعتمد على أمريكا:
استمراراً للأزمة الاقتصادية التي حدثت في أمريكا نتيجة أزمة المسكن في 2008 والتي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي والأوربي وساهمت في الركود الاقتصادي في أوربا، يدخل أواخر العام الحالي الاتحاد الأوربي بسبب الأزمة المالية المتصاعدة أصعب مراحله الاقتصادية على الإطلاق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
يذكر أن أزمة الديون اجتاحت بعض دول مجموعة اليورو عام 2010 ففي البداية أقحمت دول مثل؛ اليونان والبرتغال وايرلندا في مواجهة مشكلات كبيرة جداً وبالإضافة إلى هذه الدول هناك دول أخرى وصلت الأزمة إليها كإسبانيا وايطاليا.
حملت هذه الأزمة رسالة واضحة مفادها أن الاقتصاد الأوربي والأمريكي متداخلان مع بعضهما بشكل كبير طبعاً هذا الأمر ليس بجديد حيث بدا يتضح أكثر بعد الحرب العالمية الثانية.
خلال هذا العهد يؤكد الفكر الأطلسي على التعاون الاقتصادي والعسكري الأمريكي مع أوربا الغربية وتظهر أثار هذا الأمر من خلال خط مسير سيطرة هذا الفكر وتحكمه سياسياً في القارة. وقد تأسس الفكر الأطلسي وعلى مستوى واسع وبدا يتضح بشكل أكبر في مشروع مارشال لإعادة بناء الاقتصاد وفي المحصلة بدأ هذا الفكر يتجذر باستمرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ عام1949 وحتى الآن.
النتيجة:
الأفق المسدود الذي وصل إليه الغرب اليوم هو نتيجة لهذا الطراز من التفكير والرؤى التي يرسمها ويخطط لها لتحميلها للعالم. فمنذ مدة ليس لدى الغرب شيء جديد لقوله لأن أفكاره ونظرياته المستقبلة وصلت إلى نفق استراتيجي مسدود بالإضافة إلى أن العالم اليوم يشهد هزيمة كبيرة للفكر الغربي "العلماني" بالرغم من أن الغرب حقق نجاحات مادية مشهود لها خلال الأعوام الماضية لكن يجدر القول أن الهزيمة ناشئة من طريقة التفكير.
بعد عدة قرون؛ يشهد الغرب اليوم هزيمة طريقة فكره وفشل نظرياته تجاه الإنسان والعالم.
تُرجم عن: مشرق نيوز
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد