سوريا واللعب مع الأمريكيين
عمار سليمان علي:
هل تستطيع سوريا اليوم أن تلعب مع الأمريكي؟
لا تبتلعوا ألسنتكم, ولا تلووا أفواهكم, ودعونا نطرح السؤال بصيغة أخرى: هل تستطيع سوريا اليوم أن تتجنب اللعب مع الأمريكي؟
سوريا المقصودة هنا هي الدولة والنظام والشعب, أما المعارضة فليست مقصودة لأنها ـ بكافة أطيافها سواء الرافضة للأمريكي أو المطالبة به ـ هي التي جاءت بالثور الأمريكي إلى الكرم السوري, وهي بكافة أطيافها, مرة أخرى, أعجز من أن تلعب مع هر, ناهيك عن أن تلاعب ثوراً هائجاً!
ولو استنطقنا التاريخ السياسي لسوريا خلال العقود الأخيرة لأخبرنا من خلال وقائع ملموسة أن سوريا دولة ونظاماً هي من أقدر من يجيد اللعب مع الأمريكيين سواء بالوقوف إلى جانبهم كما حصل عام 1991 في حرب تحرير الكويت أو بالوقوف ضدهم كما حصل عام 2003 في حرب احتلال العراق, ولا ينكر أحد أن سوريا فاجأت الجميع بمن فيهم أمريكا نفسها في كلتا الحالتين!
وخلافاً لما يرى كثير من المحللين الجديين والمتهكمين فإن ما يجري اليوم, بين سوريا وأمريكا, لا يشبه أياً من الحالتين السابقتين بل هو حالة وسطية بينهما, فلا هو تحالف ولا هو صراع. لعله نوع من لعبة "التخباية" حيث كل طرف يغمض عينيه كي لا يرى الآخر, ظاناً كذلك أن الآخر لا يراه, إنما الحذر بينهما على أشده, وفي النهاية كله لعب بلعب.
طبعاً تكتمل صورة اللعبة الجديدة وشروطها الموضوعية إذا أضفنا إلى ما سبق أن أمريكا الآن أعجز من أن تحتل سوريا أو العراق أو حتى الكويت, ناهيكم عن أن المدعو/المدّعي أبا بكر البغدادي هو أغبى وأرخص بكثير من صدام حسين, وأن المحور الذي تشكل سوريا قلبه الأقدس هو في أفضل أحواله وأقواها وأقدرها على اللعب!
نصل إلى النتيجة, نتيجة اللعب, وهنا لا يستطيع من يستنطق التاريخ والأحداث أن ينكر ـ بمن فيهم من يختلفون مع الموقف السوري ـ أن سوريا (ومعها محور المقاومة) قد خرجت بمكاسب في الحالتين السابقتين, جراء تحرير الكويت ومقاومة احتلال العراق, والأرجح بل المؤكد أنها سوف تخرج بمكاسب وانتصارات في هذه الحالة الراهنة, كيفما كان سير الأمور ومهما كانت النوايا, جراء استئصال الإرهاب أو إضعافه أو تحويل وجهته (لم لا؟!)
أما من يراهنون على تمايز الموقف السوري عن موقف حلفائه روسيا وايران وحزب اللـه, وعلى بداية تفكك هذا المحور, خاصة مع إعلان السيد حسن نصر اللـه الصريح بأنه ضد أي تحرك أمريكي, خلافاً للموقف السوري التمويهي, إذا جاز التعبير, فليتذكروا جيداً أن الخلاف بين موقفي سوريا وحزب اللـه كان أكثر تناقضاً عام 1991 وآنذاك ثمة من راهن بقوة على أن حافظ الأسد بعد تحرير الكويت سيبيع حزب اللـه والمقاومة اللبنانية, ويقدّم رأسها للأمريكي والإسرائيلي, لكنه لم يفعل, بل قام بعد ذلك, رغم انخراطه في مؤتمر مدريد للسلام, المرعي أمريكياً, بزيادة دعمه لتلك المقاومة المجيدة حتى وصلت إلى انتصاري أيار 2000 وتموز 2006!
واليوم يلعب السوري مع الأمريكي على أرضه وبين جمهوره, مع ملاحظة ما يشكله هذا من عامل قوة ومن عامل ضغط أيضاً ربما ينقلب عكسياً على صاحبه, تماماً كما في مباريات الكرة, لكن اللعبة هذه المرة أخطر وأعقد من لعبة كرة, إنها كما كتبت قبل أيام في صفحتي على الفيسبوك: "هذه لعبة شطرنج معقدة جداً وخطيرة جداً وفوق ذلك جميع أحجارها مسلحة".... ويزيد الطين بلة أنها تتميز بخطط متحركة وآنية ولحظية!
فهل تراها تكون الجولة/اللعبة النهائية هذه المرة, ويُتوّج البطل بطلاً حتى إشعار آخر؟!
طبعاً لا داعي للتذكير أن التعادل ممنوع في المباريات النهائية حتى ولو اقتضى الأمر التمديد أو ضربات الترجيح الحاسمة.
إضافة تعليق جديد