سورية تستعد لمشروع كهربائي عملاق
تأثر قطاع الطاقة، كغيره من القطاعات الأخرى بالحرب و بالعقوبات المفروضة على سوريا ،مما أدى إلى نقص كبير في كميات الفيول اللازمة لتشغيل محطات توليد الكهرباء .
ووصل إنتاج سوريا قبل الحرب إلى ما يقارب 10 آلاف ميغا واط، و خلال الحرب تراجع الإنتاج ، ليصل إلى 4 آلاف ميغا واط، إضافة إلى خسارة 80 % من الشبكة العامة، بسبب تدمير هذه المحطات ، و خروج عدة مناطق خارج الخدمة كريف حلب وريف حمص و ريف دمشق.
ومع صعوبة تأمين الوقود اللازم لتشغيل المحطات، باتت الطاقات البديلة (ريحية وشمسية) خيار سوريا لتخطي العقوبات، لتكون هذه المشاريع نافذة نجاة ترمّم ما دمرته الحرب، وتستبدل الوقود الإحفوري بطاقة نظيفة وصديقة للبيئة.
يقول المدير التنفيذي لشركة “ودرفم” للطاقات البديلة و الصناعات الثقيلة، ربيع الياس، في حديث لـ” لوكالة أنباء آسيا” : نؤمن بمبدأ “إذا ضَربت المدافع شُيدت المصانع” ولذلك بدأنا مشوار التحدي الهادف لدعم بلدنا من خلال استثمار طاقة الرياح، و تحويلها إلى طاقة كهربائية، فأحضرنا التكنولوجيا الصناعية من ألمانيا الى أرض سوريا، ليصبح رقم معملنا 12 على مستوى العالم، و الأول من نوعه في سوريا والشرق الأوسط، بخبرات و سواعد سورية فقط ، لنقوم بتصنيع العنفة التي يبلغ وزنها 2500 طن من الأساس للقمة.
وبحسب الياس، تبلغ استطاعة العنفة 2,5 ميغا واط، ولها ثلاث شفرات طول كل منها 50,3 متر ، والقطر الدوار 103 أمتار ، ويبلغ ارتفاع البرج الذي يحمل العنفة 80 متراً ، وتدور الكتلة العملاقة ( الجسم المعلق والجسم الدوار والشفرات ) بالكامل في الهواء بدرجة دوران 360 درجة بواسطة أجهزة خاصة تتبع حركة الرياح من كل الاتجاهات، فللعنفة 800 حساس الكتروني يسيّر العمل بكفاءة عالية وبأقصى درجات الأمان ،و هي قادرة على الاستمرار بالعمل على مدار 24 ساعة ولمدة 25 عاما دون توقف، و تنتج طاقة كهربائية تغطي تكاليفها بالكامل بعد ثلاث سنوات من تشغيلها.
ويضيف: للاحتياط من إجراءات الحظر الاقتصادي المفروض على بلدنا تقوم كوادرنا بتركيب العنفات من الألف إلى الياء، حيث يتم تصنيع 80% من المعدات في المجمّع ،أما الـ 20% المتبقية فهي عبارة عن بعض القطع التحريكية التي تستورد وفق تصاميم شركة “ودرفم” للطاقات البديلة و الصناعات الثقيلة .
و يؤكد الياس على “وجود إمكانية تصنيع عنفة واحدة كل ١٠ أيام تقريباً ضمن خطة الطاقة الإنتاجية، وأنه تم تركيب وتشغيل العنفة الأولى في 8-8-2020 على طريق طرطوس – حمص (جسر شين) والتي رفدت الشبكة العامة السورية بأكثر من 9 مليون كيلو واط ساعي حتى يومنا هذا ، وحالياً نحن بصدد تركيب أخرى بالقرب منها، و خطط التنسيق ما زالت جارية مع الدولة لتركيب مئات؛ بل آلاف العنفات لتغذية أغلب المناطق” .
و يشير الياس إلى أن استطاعة العنفة الواحدة هي تنوير ما بين 3-5 آلاف منزل، لافتاً إلى أن تركيب 1500 عنفة ريحية يوفر ما بين 700 و 1000 مليار ليرة سورية من قيمة الفيول والغاز سنوياً ويؤمن الكهرباء لأكثر من 18مليون شخص .
ويتابع الياس: “لن نلحظ الفرق في تحسّن التيار الكهربائي بعد تركيب عنفة واحدة، فنحن بحاجة 150 عنفة لتغذية مدينة حمص مع مناطقها، مشيراً إلى أهمية الدعم الحكومي، وتسهيل الإجراءات بشكل أكبر لنتمكن من الاستفادة بشكل صحيح من طاقة الرياح، و تبعا لذلك التوفير من الغاز أو الفيول” .
ويؤكد على استمرار الدراسات اللازمة لتحقيق الاستراتيجية لرفد الشبكة الكهربائية بما يحقق نقلة نوعية لتحسين واقع التيار الكهربائي من خلال فتحة حمص التي تعتبر من أقوى الفتحات الريحية في العالم ،”ومن حمص سننطلق إلى كل المدن السورية، بالتعاون مع وزارة الكهرباء (المسؤولة عن التوزيع ) .
يختتم الياس حديثه بالإشارة إلى الصعوبات التي واجهت المشروع – والتي تم تجاوزها لاحقاً- بسبب افتقار الوزارات للمعلومات الوافية حول المشروع المستحدث،و بالتالي الصعوبة في انتهاء التراخيص المطلوبة .ناهيك عن مشكلة نقل العنفة من مكان التصنيع من حسياء الصناعية إلى مكان التركيب لعدم توفر آلية قادرة على نقلها، فقامت كوادرنا بتركيب رافعة بوزن 1200 طن ،هي الوحيدة من نوعها في سوريا والدول المجاورة ، متخصصة بتركيب عنفة الريح بتكنولوجيا متطورة .
من جهته، لفت مدير التخطيط و الإحصاء في مديرية كهرباء حمص، بسام يوسف، لوكالة أنباء آسيا أن احتياج المحافظة من الكهرباء في الوقت الحالي هو 300 ميغا واط. لكن تبعاً للظروف القاسية نحصل فقط على 180 ميغا وهي غير متكافئة مع نسبة الاستهلاك، ما يؤدي إلى تطبيق ساعات التقنين . و يشير يوسف إلى غنى سوريا بالطاقات الهوائية والشمسية والمائية ، “فنحن ننتج 860 كيلو واط ساعي كإنتاج يومي في منطقة حسياء أمام إنتاج العنفة الريحية على جسر شين و الذي يبلغ 2,5 ميغا، وبعد الدراسة الوافية حول الكومون الريحي وصلنا إلى نتائج تؤكد ارتفاع الإنتاج بين 100 و200 ميغا في منطقة حمص” .
و يشير يوسف إلى الدراسة التي شملت عدة مناطق في سوريا، والتي أصبحت مؤهلة لزرع العنفات الريحية .
و حول التمويل، يقول إن الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية أقل كلفةً مقارنةً بالعنفات الهوائية العالية الكلفة، من هنا وجوب فتح القروض المشجعة على الاستثمارات الكبيرة أو المشاريع الصغيرة، ليحصل أكبر عدد ممكن من المواطنين على طاقة شمسية تكفي استهلاكهم الشخصي من الكهرباء، و بالتالي تخفيف العبء عن الدولة .
و يؤكد يوسف على تبني الدولة للاستثمارات الخاصة القادمة من الخارج لدعم الخزينة من قبل المستثمر، الذي يدفع ثمن مواد العنفة مثلاً بالعملة الأجنبية، ونحن نبيعه بالليرة السورية، فهذا مورد هام لدعم الخزينة، وكذلك وجوب تأمين كل التسهيلات لتخفيف العبء عن الشبكة العامة للدولة، و التقيد بالقرار الصادر عن الوزارة في الشهر الماضي / آب 2020/ بسعر اليورو 0,6 للكيلو واط الساعي و القابل للتعديل بقرار وزاري .
و يضيف يوسف “نحن قادرون على توليد أكثر من 250 إلى 300 ميغا، وبهذا نستغني نهائياً عن الفيول، ناهيك على أنها صديق للبيئة و لطبقة الأوزون”.
إضافة تعليق جديد