سوريون حلّوا «أزمتهم» عبر الدراجة الهوائية

19-05-2016

سوريون حلّوا «أزمتهم» عبر الدراجة الهوائية

يذهب نبيل يومياً إلى عمله راكباً على دراجته الهوائيّة التي اتّخذها وسيلةً لتنقلاته قبل ثلاثة أعوام. يجول عبرها في ما تبقّى من شوارع مدينته درعا، حيث يعيش عشرات الآلاف ضمن مساحة جغرافيّة ضيّقة، تتمتّع ببعضٍ من أمان فقدته أجزاء واسعة من البلاد.سوريون يركبون حافلة
استخدام الدراجات الهوائيّة في درعا، جاء بعد تضييق المساحات في المدينة، وصعوبة الحركة والتنقل، مع ازدياد عدد السكّان ضمن الجغرافيا الآمنة، التي باتت تشهد كثافة سكانيّة عالية، وعدداً كبيراً من الحواجز التي تتسبب في أزمة سير خانقة.
حالة الازدحام موجودة في معظم المناطق السوريّة الآمنة، خصوصاً دمشق، التي تُعرف بأزمة سيرها منذ زمن بعيد، وقد تضاعفت بشكل كبير خلال الأزمة الحالية مع موجات النزوح الهائلة التي قصدت العاصمة، ما دفع الناس للبحث عن حلول بديلة، فوجد بعضهم في الدراجة الهوائيّة ضالته، وبعضهم الآخر اختار الباص الأخضر.
يقول معن الهمة، وهو مدرب تنمية بشرية، إنَّه في العام 2013 وخلال أزمة الوقود التي شهدتها العاصمة آنذاك، اضطرّ لاستعارة الدراجة الهوائيّة من ابنته ليذهــب بهــا إلى عمله، لكنّه فوجئ باستهجان الناس للفكرة، ونظرتهم لمن يركب الدراجة على أنه «أقلّ مستوى منهم».
الهمة، ورغم نظرة البعض المستهجنة للفكرة، وجد في الدراجة حلاً لمشكلة التنقل، وقرّر المضي في استخدامها، ليطلق، في ما بعد، مبادرة تحفّز الناس على استخدام الدراجات الهوائيّة. «يا الله عالبسكليت» يقول الهمة، مشيراً إلى أنَّ عدد راكبي الدراجات وصل إلى حوالي 40 ألف مواطن في دمشق وحدها، وهو رقم في ازدياد، وهؤلاء جميعهم يذهبون بواسطتها إلى عملهم، وجامعاتهم، ويمثلون مختلف الشرائح المجتمعيّة من الجنسين.
تسير الدراجات الهوائيّة بسهولة في شوارع العاصمة السوريّة، وتمضي بين الأزقّة والزواريب الضيقة لتوصل راكبيها إلى المكان الذي يقصدونه، فيما تمضي أسعارها أيضاً في ارتفاع، ليبلغ سعر الدراجة، اليوم، ضعفَيْ راتب الموظف الحكومي.
أزمة الازدحام المروري والسكاني مستمرّة في المناطق السوريّة الآمنة، وهي تعود إلى أسباب عديدة، لكنّ اللجوء للدراجات الهوائيّة، لم يكن بسبب الازدحام المروري فقط، بل ساهم ضيق الحال وتدنّي المستوى المعيشي لدى الناس في زيادة نسبة استخدامها. إلا أنَّ ارتباطها ظلّ محصوراً بمناطق محدّدة، فيما لجأت مناطق أخرى، مثل حلب واللاذقيّة إلى حافلات النقل الداخلي أو (الباص الأخضر)، وهو وسيلة نقل عامّة تطلق عليها عشرات التسميات الساخرة (قطرميز مخلل، قطرميز مكدوس، باص الوحدة الوطنية، مشوار الحشر.. إلخ)، نظراً لشدّة الازدحام عليها.
يقول جورج، من حلب، «كان استخدام الباص محدوداً جداً في محافظتنا قبل الأزمة، لكنّه بات اليوم الوسيلة الأكثر استخداماً، نظراً لاتّساعه لعددٍ كبير من الركاب والتكلفة المتدنيّة لتذكرته، مقارنةً بباقي أسعار وسائل النقل، خصوصاً التاكسي».
وتحلّ حافلة النقل مشكلة كبيرة جداً في محافظة اللاذقيّة، حيث الركاب الواقفون أكثر من الجالسين، حتى أنّها باتت وسيلة للتنقّل بين المدن وليس فقط داخل المدينة الواحدة. ويقدّر عدد مستخدميها، يومياً، بعشرات الآلاف، بعدما أُدخلت قرابة عشر حافلات جديدة الخدمة في المحافظة.
وتقول هناء، إنَّ «الباص ليس وسيلة جيدة نهائياً للركوب، لكنّه يحلّ أزمة بالنسبة إلينا في ظلّ غلاء الدراجات الهوائيّة، كما أنَّ مجتمع اللاذقية لا يحفّز على ركوبها.. لذلك نفضّل الركوب حشراً بالباص على استخدام الدراجة، لأننا قد نتحوّل إلى حديث الناس وسخريتهم، وكأنَّ ركوب الدراجة عيب».
السوريون الذين باتت الأزمة جزءاً من يومياتهم، باتوا اليوم أكثر قدرةً على إيجاد الحلول للمشكلات التي تتمخض عنها، وإنْ كانوا غير قادرين بعد على إيجاد حل لها، لكنهم يتميزون بمستوى عالٍ من التكيف مع واقعهم الجديد وانتظار واقع أفضل.
ووجد السوريون في باص النقل الداخلي والدراجة الهوائيّة وسيلتين لحلّ أزمة السير وغلاء المواصلات والمعيشة في البلاد، التي كلما انحسرت فيها أزمة جزئياً عادت لتظهر أزمة جديدة يجد السوريون أنفسهم مضطرين للتأقلم معها لتستمرّ الحياة.

بلال سليطين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...