شرقي الفرات.. صراع مختلف
أعطى استفتاء إقليم كردستان العراق شكلاً جديداً لتناقضات الصراع في شرقي المتوسط، فهو يتجاوز مسألة التقسيم أوإعادة رسم المنطقة لأنه ينقل عدم قدرة النظام الدولي عموماً على ضبط التصعيد أو إظهار توافقات بالحدود الدنيا بشأن النظام الشرق الأوسطي، ورغم أن الاستفتاء لم يلق قبولاً في المحافل الدولية، لكنه خلق واقعاً يستدعي آليات مختلفة بشأن كل المواضيع المتعلقة بالمنطقة، بما فيها الأزمة السورية التي بدت كجبهة لإنتاج اشتباك جديد على مستوى الجزيرة السورية بأكملها.
عملياً فإن الاستفتاء يفترض مستوى من العلاقات الإقليمية يختلف تماماً عن السابق، فهو بغض النظر عن المسألة الكردية تاريخياً، يؤثر بشكل عميق في التوازن القائم في ظل محاربة الإرهاب، حيث يبدو من الصعب خلق فرز لمحورين بعد هذه المرحلة، والعوامل الأساسية التي اندلع بموجبها الصراع في سورية أصبحت اليوم ضمن مساحتين مختلفتين تماماً:
– ضمن المساحة الأولى فإن المحور الذي حارب التشدد والإرهاب من طهران إلى دمشق، يواجه استحقاقاً على مستوى التحول العميق في شكل المنطقة، فأي دولة كردية يمكن أن تظهر لا يمكن مقارنتها “بإسرائيل” ضمن الواقع الحالي، بل هي واقع غير مسبوق أو محسوب على مستوى التوازن بين دول المنطقة كافة.
في مؤشرات هذه المساحة، الحسابات التركية تأتي بالدرجة الأولى، فرغم أن تركيا عدو كلاسيكي لأي دولة كردية، لكنها في المقابل لا تنظر إلى هذا الموضوع وفق المقياس ذاته الذي كان سائداً في المراحل الأتاتوركية، فحزب العدالة والتنمية لديه مقاربة مختلفة مع الأكراد عموماً، ومع إقليم كردستان العراق بشكل خاص، فظهور دولة كردية ضعيفة أو معزولة إقليمياً وتملك ثروة نفطية، يساعد أنقرة على تعويض الكثير من الأمور التي فقدتها خلال الأزمة السورية، فالمسألة بالنسبة للعدالة والتنمية ليست «قومية» بل ربما على العكس، فعلاقاتها مع أي دولة كردية في شمال العراق سيساعدها على العودة مجدداً إلى التعامل مع أكراد تركيا، وعزل الجناح المتشدد الممثل بحزب العمال الكردستاني الذي يعتبر عدواً في أربيل وأنقرة على حد سواء.
– المساحة الثانية هي المحور البديل الذي تريده “إسرائيل”، فبعد المظاهر التي تم تداولها خلال الاستفتاء، وظهور علم “إسرائيل”، يقدم مؤشراً على رهان جديد في المنطقة، يذهب بعيداً في التعامل مع المتغيرات وتحويل العلاقات في المنطقة نحو مسار جديد، فالتقاء دولتين معزولتين ولو افتراضياً، “دولة كردية” و “إسرائيل”، سيخلخل من أي محور جديد ولو ضم كتلتين كبيرتين مثل إيران وتركيا.
المشكلة الحقيقية في كل ما يحدث هو في الجزيرة السورية، فهي الجغرافية التي يمكن أن تؤثر في أي دولة كردية سلباً أو إيجاباً، ورغم أن الفصائل المسلحة فيها تحت ما يسمى “قوات سورية الديمقراطية – قسد” لديها عداء تقليدي مع إقليم كردستان العراق، لكنها في الوقت ذاته تلعب حالياً ضمن توازن خطر، فهي تعمل وفق هدف وظيفي داعم للدور الأميركي في سورية، ما يجعلها عملياً قوة مرجحة في المستقبل لإمكانية ظهور دولة كردية أو الوقوف ضدها وذلك تبعاً للموقف الأميركي، وللمواجهة بين واشنطن وموسكو في شرقي المتوسط عموماً.
نحن أمام احتمالات مختلفة لكنها بالتأكيد تشكل مخاطر من نوع جديد، فهي تفتح الباب واسعاً على تغيرات في منظومات الشرق الأوسط غير مسبوقة وربما لمرحلة تصعيد على مستوى الدول الأكثر تأثيراً وهي تركيا وإيران، ما يجعل شرق نهر الفرات وصولاً إلى الحدود العراقية منطقة نزاع إقليمي دولي مزدوج، له علاقة بالدرجة الأولى بإعادة إنتاج المنطقة كلها وليس بتأسيس دولة كردية فقط.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد