صراع خفي في سوريا بين الاسلاميين والعلمانيين
شعبان عبود: برزت في سوريا اخيرا ملامح صراع خفي بين العلمانيين والاسلاميين ممثلين برجال دين يشغلون مواقع مهمة في مؤسسات دينية ويحظون بتأييد بعض شرائح المجتمع السوري.
وقبل اكثر من اسبوع، وجه 39 عالم دين بارزا في سوريا رسالة الى الرئيس بشار الاسد، طالبين تدخله لانقاذ التعليم الشرعي في البلاد مما سموه "خطة تآمرية" من وزارة التربية تهدف الى القضاء على هذا النوع من التعليم وتجفيفه. وشنوا هجوما عنيفا على المدارس المختلطة في سوريا قائلين انها بؤر للفساد الاخلاقي، وانه في حال غياب التعليم الشرعي ستضطر الاسر الى وضع ابنائها في هذه المدارس.
وكان من ابرز الموقعين الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الاستاذ في كلية الشريعة في جامعة دمشق والشيخ صلاح كفتارو رئيس مجمع "ابو النور" والشيخ وهبة الزحيلي والشيخ نزار الخطيب إمام مسجد الامويين والشيخ صادق حبنكة والشيخ عبد الرزاق الحلبي والدكتور محمد محمد الخطيب وزير الاوقاف سابقا ومحمد كريم راجح شيخ قراء بلاد الشام.
وكانت "النهار" اول من كشف لقاء جمع رئيس الجمهورية وبعض رجال الدين قبل اكثر من شهر، عندما احتجوا لديه على قرار اتخذه وزير الاوقاف السوري محمد زياد الايوبي يوجب على الطلاب اكمال مرحلة التعليم الاساسي كي يتسنى لهم بعدها دخول المدارس الشرعية، الامر الذي اثار حفيظة بعض رجال الدين الذين رأوا فيه "محاولة لتجفيف منابع التعليم الديني".
وقال عضو مجلس الشعب رئيس مركز الدراسات الاسلامية في دمشق لـ"النهار" انه "مع هذا القرار ويؤيده تماما، لانه قرار منطقي وعادي وقد ناقشناه في مجلس الشعب وتمت الموافقة عليه"، رافضا الموافقة على الرأي الذي يقول بأن تكون الغاية من القرار تجفيف منابع التعليم الديني. واضاف: "معلومات مرحلة التعليم الاساسي ضرورية للطلاب قبل دخولهم المدارس الشرعية، سواء لناحية امتلاكهم قدرات علمية او لغوية تؤهلهم لدخول التعليم الديني".
وقال الصحافي نبيل صالح رئيس تحرير جريدة "الجمل" الالكترونية في افتتاحيته شغب : "مثلما يتهم شيوخنا الاجلاء وزارة التربية بالتآمر على التعليم الشرعي، نتهمهم بدورنا بالتآمر على تحديث التعليم في سوريا ومحاولة العودة به الى العهود العثمانية، ونرى في رؤاهم ما نراه في طموحات المحاكم الشرعية الصومالية التي تمد اصابعها داخل ارواح الصوماليين ومستقبلهم، كما نرى في رسالتهم الان جرأة لم تكن متوافرة لديهم خلال العقدين الماضيين". واضاف: "الى السادة وكلاء السماء على الارض الذين يعتبرون انفسهم اوصياء علينا (كحزب البعث تماما) نقول: اولا انتم لستم في كابول او بيشاور، كما انكم لم تستفتوا اهالي الطلاب قبل مطالبتكم بعزلهم، ونسيتم ان لوزارة التربية نظاما وإرثا يوجهانها منذ الاستقلال حتى اليوم، فاقصروا يرحمكم الله وايانا".
وفي هذا السياق المحتدم، نشرت صحيفة "الثورة" الحكومية اخيرا تحقيقا ينتقد تحويل احدى حدائق دمشق في حي كفرسوسة حديقة اسلامية، على خلفية قرار لمحافظ دمشق رقم 56303 تاريخ 29/4/2004 قضى بتحويل الحديقة البالغة مساحتها 4000 متر مربع "للنساء والاطفال" فقط بما يتناسب ورغبة التيار الاسلامي المحافظ. وعلقت الصحيفة على هذا القرار: "نخشى ان نشهد يوما تكتسح فيه هذه العقلية – بذريعة الاخلاق – المطاعم والشوارع والساحات وان تحدد لنا ملابسنا الاخلاقية وطريقة مشيتنا الاخلاقية وتقضي على حرياتنا الشخصية متجاهلة حتى القوانين والانظمة ومتجاوزة عليها".
وقبل ايام ونتيجة الخوف من الاسلاميين وتأثيراتهم، عمل عدد من المثقفين والمسؤولين السوريين السابقين على تأسيس رابطة "للدفاع عن علمانية الدولة"، واوضحوا من خلال مسودة التأسيس ان دوافعهم الى ذلك هي وجود "اعتقاد واسع لدى القوى السياسية غير الدينية ان المستقبل هو للدولة الدينية او الاسلامية"، و"جنوح تيار رئيسي في السلطة السياسية والتنفيذية الى تديين الدولة والتساهل امام التيارات الدينية غير المعارضة للسلطة". ونبهت المسودة الى "الرواج الكاسح بين اعداد متزايدة من السوريين لمقولات تتلاقى مع فكرة ان الاسلام هو الحل، وتمدد حركات الاسلام السياسي وميل الاقليات الدينية الى العزلة والانكفاء ونمو مشاعر الخوف لديها من المد الاسلامي السياسي".
ويذكر ان مطاعم ونوادي دمشقية كثيرة منعت تقديم المشروبات الروحية لزبائنها، كما خصصت بعضها اجنحة لـ"العائلات" على خلفية التأثير المتنامي للاسلاميين.
إضافة تعليق جديد