صمت سوري حتّى يوم الجمعة: «جنيف 3» نقطة انعطاف جديدة
لا تصريحات ولا تعليقات ذات صلة بترتيبات «جنيف 3» تصدر عن دمشق، ولا استفزازات للأطراف المعنيّة، ولا محاولات استجرار مواقف. «جنيف 3» أكثر أهميّة وخطورة من أن يخضع لـ «تكتيكات» التعاطي التي كانت تسبق مؤتمرات أخرى، منها جنيف الثاني والأوّل. هو موطئ قدم حقيقي لتوجّه دولي ومحلّي يمكن أن يثمر، من دون أن يعني ذلك أنَّ الجميع سيأكل من ثماره سعيداً، إلى جانب أنَّه انعطافة في مسار الأزمة السوريّة، ولكنّه ليس بالضرورة الطريق الأخير نحو النهاية المرجوة بوقف الحرب.
قوّة «جنيف 3» الرئيسيّة بالنسبة إلى دمشق، هي في توافق الأميركيين والروس معاً عليه. أما حساسيته، فهي وقوف الروس خلفه، وتبنّيه الأفكار الروسيّة للمسار السياسي في سوريا.
ترغب دمشق بحلّ سياسي، لكن ليس ثمة داعٍ للعجالة، خصوصاً الآن. محافظة اللاذقية ستعلن قريباً خالية من أيّ نشاط مسلّح واضح، أو مناطق خارجة تماماً عن سيطرة الدولة. تقدّم الجيش في ريفي درعا وحلب وقريباً في إدلب، يقضم مساحات كبيره من هامش التفاوض لدى الخصوم، ومع تقدم «قوات سوريا الديموقراطية»، إحدى تشكيلات المعارضة المثيرة للجدل، في الشمال، وتنامي تعاونها الميداني مع رعاة مؤتمر «جنيف 3»، يصبح من الصعب على الطرف الآخر، إعلان شروطه بالزخم ذاته الذي كان عليه سابقاً.
في الأعوام التي مضت، لم يكن التفاوض سهلاً. المبدأ العام كان أنَّ الدولة تفاوض تحالفاً دولياً - إقليميّاً تمثّله مجموعة من الشخصيّات السوريّة، وبينها من كان من أصول سوريّة فقط.
اللحظة الراهنة مختلفة نسبياً، على اعتبار أنَّ الحليف الروسي صار شريكاً في الميدان، يحارب وتؤلمه بعض الخسائر، لكن في المجمل يحقّق الانتصارات.
لذلك، أعدَّت الدولة السورية لـ «جنيف 3» بصمت. قيادةٌ لمفاوض محترف وخبير هو السفير بشار الجعفري، وإشراف لخبير آخر في كواليس لعبة الأمم والقضايا الدولية هو نائب وزير الخارجيّة فيصل المقداد، ومن دون أيّ اهمالٍ للتفاصيل، يتابع كل خطوة وكل جملة تقال أو تكتب مستشارون يحملون اختصاصات ديبلوماسيّة وقانونيّة وإعلاميّة، وبحضور وثيقة الدستور السوري القائم حالياً.
كما حضّرت دمشق وفداً إعلامياً كبيراً، سيحاول امتلاك أكبر مساحة ممكنة من المشهد، خصوصاً أنّه لا احتفاليّة في الافتتاح يوم الجمعة.
الصمت السوري يعدّ أيضاً ضرورة، بانتظار معرفة من سيملأ غرف مقر جلسات التفاوض. تحضر حساسيّات كثيرة تجاه المسؤولين السابقين الذين انشقّوا وحملوا سيف العداء لدمشق وقيادتها السياسيّة، وباتوا منفّذي سياسات إقليميّة ودوليّة. كما لا يخلو الأمر من تحفّظ على مسؤولين اختاروا، بشكل أو بآخر، الإبحار على طريقتهم، ولو في ظلّ رعاية الحلفاء الروس، أو غيرهم.
ووفقاً لما سبق إعلانه، فإنَّ دمشق لن تحاور ممثّلين عن منظّمات إرهابية، وبينها كل من «جيش الاسلام» و «أحرار الشام». لكنّ حضور ممثلين عنهم، لن يمنع «البراغماتيّة السورية من المشاركة»، على أن يبقى «النقاش عبر الوسيط الدولي وليس مباشراً».
غير أنَّ دمشق تقدّر أنَّ وقتاً سيأتي ـ وهو ليس ببعيد ـ تنحصر فيه القدرة على إعطاء الرأي ببساطة لمن هم أكثر قدرةً في الميدان، ولمن يحظون بدعم الراغبين في تحريك سريع للمسار السياسي.
وسبق لخبير سوري أن توقّع أن تصل التطورات السوريّة للحظة التقارب بين قوّتين هما «قوات سوريا الديموقراطية» ومن يمثّلها سياسيّاً أي «مجلس سوريا الديموقراطية»، وبين الجانب الرسمي السوري.
ممثّلو تلك القوّة حجزوا غرفهم في جنيف، قبل أن يصبح واقع المؤتمر قدراً محدّد المواعيد. الدعم الروسي لمكونات «مجلس سوريا»، وفي مقدّمته الأكراد، يضع هذا المكوّن في واجهة الساعين والقادرين على تحقيق مكاسب. والمكاسب هنا مرتبطة بشكل مباشر بتركيبة سوريا المقبلة وشكلها وطبيعة النظام السياسي الذي سيحكمها.
هذا التقارب له ثمن بالضرورة. فالطرفان لا يمتلكان القدرة على الاشتباك، ولا يرغبان بذلك. وزوالهما أو حصارهما غير ممكن، كما هو محتمل بالنسبة إلى الطرف الثالث، وما يضمّه من حركات إسلاميّة متطرّفة.
لا يختلف الطرفان تماماً حول المسمّيات في هذه المرحلة، سواءً سمّي مجلس «الحكم» الذي أشار إليه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، «حكومة وحدة وطنية» أو «هيئة حكم انتقالية». المشكلة في التفاصيل ونوعية الصلاحيّات التي قد يجد المفاوضون أنفسهم في صدد نقاشها في أسابيع تقدّم المحادثات وتطوّرها.
كما يتّفق الطرفان على أعداء مشتركين، يمثّلون كامل أطياف المجموعات الإسلاميّة المقاتلة، وكل تدرّجاتها من الاعتدال إلى التطرف.
إلَّا أنَّ المشكلة في التفاوض مع طرف من دون آخر من المعارضة السورية المتعددة الولاءات، تكمن في إمكانيّة دفع أثمان متعدّدة لما يفترض أنّه عمليّة واحدة. ولا ترغب دمشق في «تقديم تنازلات، من دون حصول حلول»، أو «دفع أثمان بشكل متكرّر من دون مقابل عملي». وحتى لو تمكّنت «قوات سوريا الديموقراطية» والجيش السوري من السيطرة على المساحة العظمى من البلاد، سيبقى الاستقرار مهدداً، من قبل الجماعات التي تمثّلها هيئات سياسيّة متحالفة مع تركيا والسعودية.
هذا الأمر، يزيد من إلحاح الراغبين في «تحريك شامل للمسار السياسي» في إيجاد نقاط تلاقي بين المجتمعين، مستقبلاً في جنيف، علماً أنَّ «خطوة وقف إطلاق النار» التي تسعى المعارضة، متمثلة بوفد الرياض، للحصول عليها، ليست مغرية حالياً، لا بالنسبة إلى دمشق، ولا لحليفيها العسكريين، إيران وروسيا.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد