صناعة التحريض المذهبي
قبل أكثر من عام، وصفت المخابرات العسكرية الإسرائيلية "الشرخ السني – الشيعي" بأنه "لم يعد دينياً في جوهره، بل أصبح استراتيجياً أيضاً". بين المذهبين مشتركات معروفة وواسعة، يعرفها الكل إلا الغلاة، وبالتحديد "السلفية الوهابية". كما أن موقف الاسلام من "العصبية" معروف، وموقفه من نزعات الجاهلية معروف. كيف وصلنا إلى هنا؟
السبب هو التحريض، وهي ممارسة قديمة. فقد كتب معاوية للإمام علي في رسالة: "تركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم، قد ألبسوه منبر دمشق".
لم يخلُ حكمٌ من قميص عثمان، فتتفاعل الجماهير سيكولوجياً مع دفق التحريض وتزييف الوعي، حتى يصح قول الشاعر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
وقد أدى توالي انتصارات محور الممانعة في قلب العالم الإسلامي من إيران إلى لبنان إلى دق ناقوس الخطر لدى سلطات سياسية تعلن انتماءها للمذهب السني. وعندما اهتز الستاتيكو العربي "بربيع" دموي قتل 400 ألف شخص، لم يكن من مهرب لهذه السلطات سوى تفجير الصاعق المذهبي بقرار سياسي مركزي. فلطالما نجحت سياسات العداء للشيعة، واعتمد من اتخذهم أعداء بمجموعهم مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. ولم يسلم بعض الشيعة من لوثة التحريض على السواء، وقدموا "لشركائهم" خدمات جليلة، خصوصاً في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
حل هذه المعضلة هو مسؤولية علماء الدين السنة ثم الشيعة، فالتطرف السني، "غالباً يدمي المجتمع السني وليس الشيعي". وتعتمد صناعة التطرف السني على استثارة مفردة محددة: الشيعة يسبون الصحابة وأمهات المؤمنين. هذه المفردة تحولت إلى أيقونة تحريض، ومبرراً للتكفير، ودافعاً لآلاف العمليات الانتحارية ضد الشيعة. ورغم الانضباط العام لعلماء الشيعة عبر العالم، وهم بمئات الآلاف، لم يخلُ الأمر من عدد من "المعممين" الذين اعتمدوا الاستثارة واستغلال الاحتقان المذهبي وسيلة استرزاق وحشد مؤيدين، ونشرها عبر الانترنت.
في المقابل، تمتلئ الانترنت بأكثر من مئة مليون مقالة تكفّر الشيعة، والهواء بعشرات التلفزيونات التي تسبهم كل يوم. النتيجة واضحة: دماء وآلام ودول محطمة وممزقة. لا بد من الصراحة وقول الحقيقة، فالتوتر المذهبي مبالغ فيه كثيراً، وغالبية ما يُنعت به الطرف الآخر كاذب. فمن أجل تغييب البسمة عن أعداء الاسلام، لا بد من تصدي علماء السنة والأزهر لهذه الظاهرة بشجاعة حتى لا يصبح السنة "أشلاء"، بحسب توصيف صحيفة "حرييت" التركية مؤخراً. كما يفترض أن تعزز بعض المرجعيات الشيعية من حساسيتها تجاه ما يمكن أن يُستغل لتوهين المذهب، أو التطاول عليه. فالاعتصام بحبل الله قاعدة قرآنية لا فكاك منها. ولما كان أهل بيت النبي نقطة التقاء بين عموم المسلمين، فينبغي تعزيز الثقافة التي نشروها وعملوا عليها في كل مجال.
علي عبد الله فضل الله
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد