عراقيل أمام الصفقة السورية - الإسرائيلية: أبعد من تبادل معتقلين؟
كشفت دمشق، أمس، ما عمدت تل أبيب إلى إبعاده عن التداول الإعلامي: مفاوضات غير مباشرة عبر الوسيط الروسي، لإتمام صفقة تبادل أسرى ومعتقلين بين الجانبين. ويشمل مشروع الصفقة، بحسب المتداول، مواطنين سوريين من الجولان المحتلّ، مقابل إسرائيلية معتقلة في سوريا عبَرت الحدود بالخطأ قبل أيّام، واعتقلتها القوات السورية بالقرب من معبر القنيطرة. ما ورد من سوريا، وكذلك ما يرد من إسرائيل، يؤكد أن المفاوضات بدأت بالفعل، وهو ما يُجمع عليه الطرفان، مع إيحاءات إيجابية بإمكان إنجاز الصفقة، ومن ثمّ تنفيذها بشكل سريع جدّاً، على رغم الحديث في وقت متأخّر أمس عن عراقيل أجّلت إتمامها لأيّام. وفي الصورة الأعمّ، تثير التسريبات الآتية من تل أبيب أكثر من علامة استفهام توجب التوقُّف عندها والبحث في إجاباتها، وتحديداً السؤال حول ما إن كانت القضية مقتصرة على مجرّد تبادل أسرى ومعتقلين، أم أنه مناسبة للتفاوض غير المباشر على قضايا من مستويات أرفع، كانت محلّ أخذ وردّ لدى الجانب الإسرائيلي في خلال اليومين الماضيين.
ولم يَذكر تقرير وكالة «سانا» اسم المعتقلة الإسرائيلية، أو تاريخ اعتقالها، أو مكان احتجازها، أو التهم المُوجَّهة إليها إن وُجدت، إلا أنه ربط بينها وبين مساعي الحكومة السورية لإطلاق سراح معتقلين سوريين من الجولان المحتلّ، مع الإشارة بالاسم إلى معتقلَين اثنين هما: نهال المقت وذياب قهموز، والتنويه كذلك بأن عملية التبادل «تتمّ حالياً». وبعدما تحدّثت سوريا، علناً، عن الفتاة الإسرائيلية المعتقلة، سمحت الرقابة الإسرائيلية للإعلام العبري بالحديث عنها، ليتبيّن أنها يهودية «حريدية» (متديّنة)، من مستوطنة «كريات سيفر» «الحريدية»، وعمرها 25 عاماً. ومع أن بيان «سانا» لمّح إلى أن المعتقلَين الاثنين سيُطلَق سراحهما مقابل الإفراج عن المعتقلة الإسرائيلية، وهو ما كان موضع تأكيد غير مباشر من قِبَل إسرائيل، إلا أن جملة أسئلة تفرض نفسها، وإن بحذر، من الآن وحتى اتّضاح طبيعة المفاوضات ونتائجها بصورة نهائية.
وكانت أولى الإشارات حول القضية قد وردت من تل أبيب قبل أيام، بعد أنباء عن مغادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جلسة الحكومة الاعتيادية الأحد الماضي، لدواعٍ قيل إنها تتعلّق بقضية أمنية من دون الحديث عن تفاصيل. أعقبت ذلك مغادرةُ وزير الأمن، بني غانتس، الجلسة للسبب نفسه. في حينه (الأحد الماضي)، فرضت الرقابة قرار الصمت على الإعلام العبري، ومنعت نشر تفاصيل «القضية الأمنية» التي ألزمت نتنياهو وغانتس المغادرة. وفي الأيام الأخيرة، سُجّلت سلسلة اتصالات بين إسرائيل وروسيا، بمبادرة من المسؤولين الإسرائيليين، لطلب مساعدة الجانب الروسي في حلّ ما قيل إنه «قضية إنسانية» في سوريا. اتّصل نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كذلك اتّصل غانتس بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ووزير الخارجية غابي أشكنازي بنظيره سيرغي لافروف. واللافت أن الحديث الرسمي الإسرائيلي حول الاتصالات ركّز على «البحث في الجوانب الإنسانية» في سوريا، كما ورد في بيان مكتب غانتس عن المحادثة الهاتفية مع شويغو، حيث أشار إلى أنهما «اتفقا على مواصلة الحوار المهمّ بين روسيا وإسرائيل للحفاظ على أمن القوات وتعزيز الإجراءات الإنسانية في المنطقة». وقبل يومين، استجدّت، على ما يبدو، معطيات لدى الجانب الإسرائيلي استلزمت عقد جلسة لوزراء الحكومة للتداول فيها والاستحصال على موافقة تتعلّق بالثمن المدفوع إسرائيلياً للجانب السوري، مع إلزامهم بالامتناع عن كشف القضية أمام الإعلام، وتحصيل إمضاءاتهم حول موافقتهم على الصفقة.
توجب القضية، بشكلها ومضمونها وأسلوب إخراجها والحذر الشديد حولها وما أعقب الكشف عنها من معطيات، الإشارة إلى الآتي:
1- لا يبدو أن صفقة التبادل وشيكة، بل يظهر أن خلافات تعترضها، ويُرجّح أن تكون المطالب السورية سبباً للتأخير الذي أكدته وسائل الإعلام العبرية أمس. والعراقيل نفسها، على الأرجح، هي السبب الذي دفع رئيس «مجلس الأمن القومي» في إسرائيل مئير بن شبات، ومنسّق شؤون الأسرى والمفقودين يارون بلوم، للتوجّه إلى العاصمة الروسية موسكو لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين الروس حول صفقة تبادل مع سوريا، جاءت نتيجتها سلبية وصفرية، كما ورد أمس في الإعلام العبري.
2- أدّى الجانب الروسي دوراً مزدوجاً بين الجانبين ولا يزال، بوصفه مرجعية على مستوى عالٍ جدّاً في الساحة السورية، الأمر الذي ساعد في التوجُّه السريع لإنجاز الصفقة، وإن أخَّرتها العراقيل لاحقاً. ساعد في ذلك امتناعُ الإسرائيليين، هذه المرّة، عن إطلاق التهديدات. ومن غير المستبعد أن الأيام الماضية شهدت طلبات إسرائيلية بضرورة إطلاق المعتقَلة الإسرائيلية بلا مقابل، استناداً إلى كونها «مدنية»، وإلى سوابق روسية في محاباة إسرائيل، الأمر الذي يُفترض أنه وجد تفهُّماً من الصديق الروسي، وإن لم يستطع الأخير ترجمة هذا التفهُّم باتجاه إقناع القيادة السورية، التي يُقدَّر أنها اشترطت أن تدفع إسرائيل ثمناً، يكون في حدّ أدنى إطلاق سراح معتقلين سوريين من المعتقلات الإسرائيلية، وفي حدّه الأعلى غير معلوم إلى الآن.
3- في الوقت نفسه، كان نتنياهو معنيّاً بأن يُطلِق سراح إسرائيلية اعتقلها الجانب السوري في الأراضي السورية بغضّ النظر عن سبب الاعتقال ومناسبته، وهو ما لا يمكن فعله عبر الوسائل الأمنية والعسكرية أو التهديد باللجوء إليها، لخاصية الجانب السوري ومِنعته أمام التهديدات، ما دفعه تلقائياً إلى توسيط الجانب الروسي، الذي لم يتلكّأ بطبيعة الحال في تلقُّف الفرصة وإتمام مهمة الوساطة بين الجانبين، والتي من شأنها تأكيد مكانته كمرجعية أولى وأكثر تأثيراً لدى الآخرين في الساحة السورية.
4- اللافت في الإجراء الإسرائيلي هو التكتُّم، الذي يمكن فهمه وإدراك أهدافه، إذ من شأنه التشويش على الاتصالات الجارية. لكن أن يُعمل على جمع الوزراء بلا استثناء، وتحصيل موافقتهم وإمضاءاتهم على الثمن المدفوع وعلى الصمت، فهو إجراء غير مفهوم، وخاصة أن عملية تبادل من هذا النوع لا تستلزم إلا أمراً إجرائياً من وزير الأمن من دون حاجة إلى كلّ هذه الديباجة، التي وصلت إلى حدّ أوحت فيه بأن قراراً استثنائياً يصل إلى مستوى شنّ حرب، هو موضوع جلسة الحكومة السرّية وفقاً للشكل الذي أخرج فيه الإعلان عنها.
وهنا، يأتي أصعب الأسئلة في القضية المثارة: هل هي عملية تبادل فقط، أم أنها عملية تبادل زائد ما لم يظهر إلى الآن؟ اجتماع الحكومة يوحي بأن ثمناً كبيراً تدفعه إسرائيل يوجب جمع الوزراء بلا استثناء لتحصيل موافقتهم، وهو ثمن قد يكون البند الأول الذي لم يُعلَن عنه، وربّما لا يُعلَن، إلى جانب صفقة التبادل نفسها. ومن ثمّ عود على بدء. قد تكون مجرّد عملية تبادل، وقد تكون أكثر من ذلك. ولو كانت القضية مقتصرة على صفقة تبادل كما وردت أنباؤها أمس، لما كان نتنياهو ليُشرك في إنجازها وحصد نتائجها أيّاً من وزرائه.
يحيى دبوق - الأخبار
إضافة تعليق جديد