فتيات في معهد الجانحات: قصص تشبه الخرافات

22-10-2006

فتيات في معهد الجانحات: قصص تشبه الخرافات

فتيات قاصرات جمعتهن سلوكيات مرفوضة وقيم غريبة عن مجتمعنا, هن ضحية ظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية أوصلتهن إلى الانحراف, اغتصب منهن حق التمتع بطفولتهن في مجتمع ذكوري له مبرراته وحججه في إدانة حواء وفرض عليها ما لا تطيق من الأحكام والأوامر أضحت مع مرور الأيام وتعاقب السنين تقاليد راسخة وأحكاماً مبرمة قاطعة.

في معهد التربية للفتيات التقيت هؤلاء الفتيات وروت كل منهن قصة وسبب وجودها في المعهد.‏

الحدث سها 17 عاماً تقول: طلاق أبي لأمي هو السبب في تشردي والحقيقة أن أنانية والدي وغيرته المرضية هي التي أوصلت أسرتي إلى هذه النتيجة وتزوج أبي بأخرى هي صديقته في العمل ويبدو أن الأمر معد مسبقاً.‏

لم تطق خالتي وجودي معها في البيت, وبناء على رغبتها نقلني أبي إلى بيت عمي, في البداية تفاءلت خيراً إلا أن طلبت من عمي زيارة أمي فمنعني وهددني بالضرب إن فعلت ذلك.‏

تجرأت وانتهزت فرصة غياب عمي عن الدار وذهبت إلى عند أمي ساعات قليلة وعلم عمي بأمر وجودي عند أمي من جدتي. جن جنونه وساقني من بيت أمي إلى بيته وهو يتوعد ويهدد وبالفعل قيدني وحلق شعري وتفنن بأساليب تعذيبي وقهري وأمام إخوتي وجدتي, فقط عمتي نفرت من سلوكه وهددته بإخبار الشرطة وساعدتني على الهرب مرة أخرى إلى أمي, ولكن هذه المرة افترشت سطح البناية التي تسكن فيها والدتي وبقيت أسبوعين على هذه الحال, وكنت سعيدة برؤيتها وهي خارجة إلى العمل وعند عودتها لم أخبرها بوجودي خوفاً من انتقام أعمامي وأبي منها.‏

وبناء على بطاقة بحث تقدم بها أبي ألقي القبض علي ووضعت في معهد التربية للفتيات.‏

أما الحدث مها 11 سنة فهي فتاة محدودة الوعي قاصرة الإدراك بساطتها وضعفها كافيان لجعلي أصدق قصتها فهي وباختصار بعد وفاة والديها التجأت إلى بيت أختها لتعيش عندها وشاءت الأقدار أن يقع الصهر في أزمة مالية, ولأنها صغيرة ولا تدرك ما تفعل أشارت الحماة (أم الزوج) عليها بتأمين المبلغ عن طريق سرقة جارتهم وإلا فالسجن مصير ابنها والتشرد والضياع لهن العجوز خططت لكل شيء والمسكينة نفذت بخوف وبراءة وبهذه التهمة (السرقة) ألقي القبض عليها.‏

ثناء 17 سنة تقول: نعم قد يفعل الإنسان الكثير من الأشياء ولكن دون توقعات ولا حسابات للنتائج فمنذ أن توفي والدي ونحن نؤمن قوتنا من الجمعيات الخيرية وفجأة مرضت أمي مرضاً بحاجة إلى تكاليف كثيرة وانسقت وراء صديقة السوء.‏

في البداية عرضت علي مساعدتي وكثرت مساعداتها لي حتى حدث وصارحتني ذات يوم بأنني من الممكن أن أوفر كل احتياجاتي إذا عملت في ناد ليلي (فنانة استعراضية) وبالفعل انسقت وراءها إلى هذا المكان, في المرة الأولى لم يمسني أحد بسوء ولكن في المرة الثانية حدثت الكارثة وهاجمت المكان شرطة الآداب اعترفت ثناء بخطيئتها وانهمرت دموع الندم من عينيها ولكن ماالفائدة في مجتمع لن يغفر لها أبداً هذه الخطيئة وقد تتسبب في قتل أمها.‏

ثمة إدراك متعاظم في معظم المجتمعات أن ظاهرة انحراف الأحداث من أشد المشكلات الاجتماعية خطورة وينظر إليها من منظار اجتماعي نفسي أكثر من كونها جريمة تستحق العقاب ويعود الفضل الكبير إلى العالم فرويد في جذب الانتباه إلى مدى الأهمية التي يحتلها سن الحداثة في بناء شخصية الإنسان في المستقبل.‏

يؤكد الطبيب النفسي رمضان محفوري أن التكوين النفسي للحدث ونمو شخصيته تتأثر بعلاقته بأسرته وظروف البيئة التي يعيش فيها, فالطفل يتعلم أغلب الأشياء مثل الانفعالات وغيرها من خلال ملاحظة الكبار ومحاكاتهم أي أنه لا يمكن أن يتكلم بغير لغة أهله وجيرانه المثل القائل العلم في الصغر كالنقش على الحجر هو مثل ينطبق على الانفعالات والاستجابات والاتجاهات والمشاعر والخصال انطباقه على كل علم ومعرفة أي أيضاً المثل القائل الطبع سبق التطبيع فالطفل يتعلم السيئات من ذويه إنه يحاكيهم في كراهيتهم وعدوانيتهم وحدة طباعهم وتعصبهم ومخاوفهم وقلقهم وتخويفاتهم الطائشة ومنهم يتعلم الحماقة والطيش والرعونة وكذلك السخط والتذمر والهياج.‏

مثلاً من الأفكار التي تضايق الطفل وتثير حقده اعتياد الكبار أن يجعلوا منه موضوع تسليتهم حيث يعاكسونه ويتهكمون به ويسخرون منه وتوجيهه بغلظة وإصرار وعنف بدلاً من التوجه الهادىء الهادف وكذلك تكليف الطفل وتقيد حريته واضطهاده جسدياً ونفسياً هذا كله يقود الحدث إلى الهروب من المنزل والتشرد ومن ثم ما يتبع ذلك من مشكلات قد تصادفه وتعترض طريقه ومساره في الحياة ما قد يؤدي إلى الجنوح والجريمة.‏

إن الإنسان بمختلف أعماره ومختلف أوساطه وبيئاته يرغب بأن يكون محبوباً ولذا فهو يسعى بوعي أولا ,وعي بأن يظفر بإعجاب من حوله والمجتمع بشكل عام فلن يشعر الإنسان وخاصة المراهق بالأمان والطمأنينة حتى يلقى ترحيباً به مبنياً على أساس الإعجاب وإشعاره بأهميته بين الجماعة فإذا أخفق في ذلك فقد نجح برغبته عن الطريق السوي لإشباعه بطريق أعوج ينفر منه ويحاربه المجتمع الأخلاقي.‏

فقد يجنح فرد أعرض عنه ذووه إلى إشباع رغبته بالتميز والاهتمام وتقديره عن طريق الإجرام .مثلاً فتاة افتقرت إلى الجمال وراح أهلها ينعتونها بصفات القدح أو بعض الناس ينظرون إليها باحتقار فلم تفز بما يشبع رغبتها بتقدير المجتمع ما جنح بها ذلك لتقع في براثن الرذيلة حيث تعثر على معجبين هناك كما أكدت الدراسات أن النساء والأطفال هم أول ضحايا العنف.‏

السيدة سميرة البابا مديرة معهد التربية للفتيات تعرف الانحراف بأنه سلوك شخصي في حدود سن معينة يمثل أمام هيئة قضائية أو أي سلطة أخرى مختصة ليتلقى رعاية من شأنها أن تيسر إعادة تكيفه الاجتماعي وينظر علم الاجتماع إلى الانحراف على أنه سلوك يخرج بصاحبه عن البوتقه الاجتماعية وعن النموذج الشائع ولا يتوافق مع القيم والمعايير التي تنبثق عن الشروط الاجتماعية السائدة.‏

وتؤكد السيدة سميرة على الأسباب التي تؤدي إلى الجنوح وهي: أولاً عوامل التكوين الشخصي في انحراف الأحداث:‏

أ- عوامل جسمية: مثل الاضطرابات في النمو العوائق الجسدية- الأمراض- الضعف العقلي- الانحرافات الجنسية.‏

ب- عوامل الانحراف النفسي: مثل (الخوف- القلق- الانطواء- الخجل- الغيرة الشديدة- الميل للعدوانية- الكذب- السرقة).‏

ثانياً عوامل الانحراف المرتبطة بخصائص مرحلة المراهقة:‏

نتيجة تعرض الحدث إلى أزمات نفسية حادة تعود إلى الصراع بين مرحلتي: الطفولة والنضج.‏

ثالثاً: عوامل الانحراف الاقتصادية: مثل الفقر والبطالة- الهجرة (انفصال الأحداث عن أسرهم).‏

رابعاً: العوامل الاجتماعية للانحراف مثل سوء استعمال أوقات الفراغ -الصحبة السيئة ورفاق السوء.‏

خامساً: العوامل الأسرية في انحراف الأحداث مثل سوء التوجيه المنزلي -الانحلال الأخلاقي في الأسرة -تفكك الأسرة (طلاق, فقدان أحد الوالدين, تعدد الزوجات, المشاجرات المستمرة).‏

سادساً: العوامل الثقافية في انحراف الأحداث مثل المدرسة (سوء علاقة التلميذ بمعلميه ورفاقه), الصحافة والمجلات والكتب (المقالات المباحة -الصور الخلاعية), السينما والمسرح, الاذاعة والتلفزيون.‏

أو في مجال الرعاية الاجتماعية للاحداث الجانحين فتتوزع كمايلي:‏

1- الرعاية الوقائية: من خلال الأسرة والمجتمع المحلي ومجموعة الأقران والمدارس والتدريب المهني وعن طريق المنظمات الطوعية.‏

2- الرعاية المعاشية: من خلال توفير الغذاء والكساء والمسكن.‏

3- الرعاية الصحية من خلال ضمان السلامة الجسدية والعقلية والنفسية والسلوكية للحدث مجاناً.‏

4- الرعاية التربوية: من خلال التعاليم الدينية والقيم الخلقية وترسيخ مقومات السلوك الحضاري في نفوسهم.‏

5- الرعية التشغيلية: من خلال تحديد شروط تشغيل الاحداث بما يتناسب مع قدراتهم وأعمارهم وتوفير فرص العمل المناسبة ومنع تشغيل من لم يكمل الخامسة عشرة من عمره وكذلك منع تشغيلهم بالأعمال الليلية وفي الأعمال التي تضر بنموهم البدني والعقلي والمعنوي.‏

6- الرعاية الترويحية: من خلال توفير النشاطات الترويحية المفيدة للأحداث لشغل أوقات فراغهم.‏

وهذه الرعاية تبدأ من فترة العقوبة إلى ما بعدها‏

- المحامي حسن حميدو سن يتحدث من وجهة نظر قانونية قائلاً: هناك سمة خاصة بقانون الأحداث تمنحه نوعاً من الاستقلالية وعلى ذلك لا يجوز للقاضي أن يفرض على حدث عقوبة مما ورد في قانون العقوبات بل كل ما يمكنه أن يفرض عليه تدابير اصلاحية ورعاية مقررة في قانون الاحداث الجانحين كما خص القانون الاحداث بقضاء استثنائي هو قضاء الاحداث بحيث لا يمثل هؤلاء إلا أمامه وعين لهم محكمة خاصة وجعل المحاكمة سرية وفرق بين الحدث وغيره في المحاكمة ليشعر بالعطف عليه وليكون ذلك ادعى إلى اصلاح نفسه وتقويم انحرافه.‏

ومن أصول المحاكمات الخاص بالاحداث ما نصت عليه المادة /44/ نصت على مايلي:‏

تدعو محكمة الاحداث الجانحين في جميع أدوار الدعوى ولي الحدث أو وصية أو الشخص المسلم إليه أو ممثل الجهة المسلم إليها ومندوب مكتب الخدمة الاجتماعية إن وجدوا إلى مراقب السلوك وتستمع إلى من تدعوه مع الحدث.‏

وينظر القاضي فقط إلى حالة الحدث بعد جمع المعلومات المتعلقة بظروفه النفسية والصحية والمادية والاجتماعية وبعد ذلك يقرر ما يناسبه من تدابير الاصلاح على حسب المرحلة العمرية له.‏

إن جميع مواد قانون الاحداث الجانحين تعنى بحماية الحدث وإصلاحه فمثلاً نصت المادة 28: إذا تعذر وضع الحدث المفروض عليه الرعاية في إحدى مؤسسات الرعاية جاز للمحكمة أن تؤمن له عملاً في إحدى المهن الصناعية أو التجارية أو الزراعية حيث يتولى رقابته فيها مراقب السلوك تحت إشراف المحكمة واتخاذ ما يلائمه من التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في هذا القانون أي يعني أن الحدث المتشرد أو المتسول تفرض عليه تدابير الرعاية كما ذكرت لحمايته وتأهيله إلى الحياة بشكل صحيح.‏

وبدورنا نقول إن أي جهد مسؤول يوجه لرعاية الأحداث وحمايتهم هو ضمان لمستقبل المجتمع وسلامته وبالنسبة للحدث الأنثى فلابد أيضاً من مساندة الرجل الزوج أو الأب أو الأخ لتخطي أعراف المجتمع ولخلخلة ثوابته الموروثة.‏

رويدة سليمان

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...