فخ «السوشيال ميديا»: السقوط المتكرر لسجن حلب

08-02-2014

فخ «السوشيال ميديا»: السقوط المتكرر لسجن حلب

منذ بداية الأحداث في سوريا، قبل ثلاثة أعوام، اخترقت مواقع التواصل الاجتماعي المجتمع السوري، وتحولت من مجرد «عالم افتراضي» إلى مصدر للمعلومات، والتي لم تلبث وسائل إعلام أن اعتمدتها «مصدراً موثوقاً» لبناء أخبار ونشرها وتعميمها، قبل أن يتبين في ما بعد أنها «محض شائعات»، أو قد تكون في أحيان كثيرة «مجرد أمنيات».
ما شهدته وسائل الإعلام أمس الاول، خلال تغطيتها أخبار سجن حلب المركزي يبين، قطعاً، مدى اختراق مواقع التواصل الاجتماعي للعالم الإعلامي، ومقدار استسهال «الإعلاميين» وبحثهم عن «سبق» على حساب المعلومة الصحيحة، والتي كانت على أرض الواقع مخالفة تماماً لما نشر، وما تم تداوله عبر وسائل الإعلام العربية والعالمية.
ففي وقت أعلنت فيه مجموعة كبيرة من وسائل الإعلام «سقوط سجن حلب المركزي» بيد المسلحين الذين هاجموه («أحرار الشام»، «جبهة النصرة»)، ظهر أن الهجوم انتهى بالفشل، وبمقتل قائده سيف الله الشيشاني، وتراجع المهاجمين إلى خطوط خلفية بعيدة عن محيط السجن الذي سبق لوسائل التواصل الاجتماعي أن تحدثت مراراً خلال الشهور الماضية عن سقوطه.
وعلى الرغم من أن الوقائع على الأرض جاءت مخالفة لما تم تداوله ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي بداية، وعلى الرغم من تراجع بعض الصفحات عن إعلان «سقوط السجن» ( قامت صفحة «حركة أحرار الشام» على فايسبوك بحذف منشور أعلنت من خلاله سقوط السجن، ونشرت في وقت لاحق منشوراً آخر عن استمرار المعارك) إلا أن الكثير من وسائل الإعلام أصرّت على «إسقاط السجن»، وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أعلنت «تحرير السجناء المقدر عددهم 8 آلاف، ونقلهم إلى مكان آخر»، علماً أن عدد السجناء لا يتجاوز الـ 3500 سجين، في الوقت الحالي، بعد نقل نحو 800 سجين عن طريق الهلال الأحمر خلال الأشهر الماضية.
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تقع فيها وسائل إعلام «عربية» وأجنبية بهذا النوع من «الفضائح»، فمن يتابع الملف السوري منذ بدء الأحداث في سوريا يستطيع تذكر عشرات الحالات المشابهة، كخبر «انشقاق نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع»، والذي تم تداوله عدة مرات على الرغم من عدم مصداقيته، وذلك اعتماداً على منشور لأحد «الناشطين» على «فايسبوك»، انتشر بعدها ليصبح خبراً موثوقاً.
وما يثير الاستغراب والاستهجان بهذا النوع من الأخبار، هو صيغة تعمد بعض وسائل الإعلام على «حشرها» في سياق الخبر، حيث تقول «لا يمكن التأكد من صحة المعلومات بسبب التضييق الذي تمارسه السلطات السورية على وسائل الإعلام»، علماً أن معظم الأحداث التي سقطت في فخ نشرها ونقلها وسائل إعلام حدثت في مناطق غير خاضعة لسلطة الحكومة، فمثلاً حدث السجن وقع في ريف حلب الشمالي، الخارج تماماً عن سيطرة الحكومة، والمتصل بالحدود التركية، المفتوحة على مصراعيها أمام مختلف وسائل الإعلام، التي ترسل دورياً مراسليها الميدانيين وإدخالهم الساحة السورية بطريقة غير شرعية.
فخ «السوشيال ميديا» لم يقتصر على وسائل الإعلام هذه المرة، بل تجاوزها إلى حدود قادة المعارضين، فـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض، أسرع هذه المرة و«هنأ الثوار على إنجازهم»، بل أكد من خلال بيان أصدره رئيس مكتبه الإعلامي خالد الصالح أن هذه العملية تمت بين مجموعة فصائل مقاتلة من «الثوار»، علماً ان من نفذ هذا الهجوم هي «أحرار الشام» التابعة لـ«الجبهة الإسلامية»، و«جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وهما فصيلان «جهاديان» يسعيان لإقامة «دولة إسلامية» يسودها نظام «الإمارة، والخلافة»، الأمر الذي يضع «الائتلاف» أمام مجموعة من التساؤلات حول مدى ارتباطه بهذه الفصائل من جهة، وبما يجري على الأرض من جهة أخرى، خصوصا أن المعلومات التي اعتمدها في بيانه مستمدة من مواقع التواصل الاجتماعي، علماً أن «الائتلاف» قام في وقت لاحق بحذف البيان من موقعه أو إخفائه، حيث لم يعد ظاهراً أثناء البحث.
أن تقع في «فخ» مواقع التواصل الاجتماعي أمر قد يبدو للوهلة الأولى أنه «مجاز» ضمن ظروف الحرب، إلا أن تكرار الخطأ، والوقوع في «الفخ» ذاته مرات ومرات يفتح بدوره الباب على مصراعيه أمام موثوقية وسائل الإعلام هذه، ومدى الانحدار الذي وصلت إليه.

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...