فلسطين: «الإحصاء» الليلي... طريقة جديدة لتعذيب المقدسيين
لا يألو الاحتلال جهداً لقلب حياة المقدسي إلى جحيم. كل ما في وسعه أن يفعله كي يترك الأخير مدينته المحتلة لا يوفره حتى إن ألقى على عاتق جنوده مهمة ليست من اختصاصهم.
فأخيراً توسعت مهمات «جيش النخبة» لتصير إحصاء عدد المقدسيين داخل منازلهم. وشهدت الأحياء المقدسية أخيراً حملة كبيرة لجنود العدو وشرطته، تحت ذريعة «إحصاء سكان القرى والأحياء في القدس».
ما يثير الاستغراب في حملة الإحصاء الأخيرة أن من ينفذها هم أفراد من جيش العدو والقوات الخاصة التابعة للشرطة، التي من المفترض أن تتكفل بفض المواجهات، لا تولي هذه المهمة «المدنيّة». وجرت العادة أن تقوم «دائرة الإحصاء» في وزارة السكان أو «دائرة التأمين الوطني» بذلك؛ أما أن تقتحم الشرطة منازل المواطنين وتصور هوياتهم وتسأل عن ساكنيها، وتجمع معلومات عن مكان دراسة أطفالها، فهو أمر جديد ومختلف كلياً.
ومنذ ما يقارب خمسة أشهر، بدأ الاحتلال ما يسميه «حملة الإحصاء»، فاقتحمت قواته المئات من البيوت في القرى المقدسية، خاصة قريتي العيساوية والطور وحي الصوانة، التي هي واحدة من بين المناطق الأكثر اشتعالاً من حيث المواجهات، فلا يكاد يمر يوم من دون تسجيل اشتباك بين أهالي تلك القرى والاحتلال.
عائلة الصياد في الطور، واحدة من بين العائلات التي اقتحم جنود الاحتلال منازلها، حيث صوروا هوية ربة المنزل وسجلوا أسماء أبنائها الخمسة، كذلك جمعوا معلومات عن المدارس التي سُجِّل أبناؤها فيها. وعند سؤالها لهم عن سبب ذلك، جاء الرد: «للإحصاء فقط»، علماً أن سكان القدس يسجلون مكان سكنهم في وزارة السكان التابعة للاحتلال، وكذلك في دائرة «الأرنونا» التابعة لبلديته، بسبب وقوع مدينتهم تحت السيطرة الإسرائيلية.
أما الحالات الأكثر سوءاً، فنجدها في قرية العيساوية وحي الصوانة، حيث يداهمها الاحتلال في ساعات متأخرة من الليل تبدأ من الثانية عشرة وتستمر حتى الفجر، وذلك كما حدث مع حسن عليان الذي اقتحم جنود الاحتلال بيته، وأجبروه على إيقاظ أطفاله لجمع معلومات عن أماكن دراستهم.
يروي المقدسي محمد خليل محمود لـ«الأخبار»، أن الاحتلال اقتحم بيت أحد أقربائه في الرابعة فجراً، ليطلب من سيدة عجوز، تعاني مشكلات في التنفس ولا تستطيع الحركة بسبب تركيبها لجهاز الأوكسجين، أن تحضر هويتها لتسجيل اسمها. ولمّا كانت السيدة قد نسيت أين وضعتها، أجبرها الاحتلال على الاتصال بأحد أبنائها ليساعدوا في عملية البحث، ولم يرحلوا إلا عندما عُثر على البطاقة، فسجلوا معلوماتها وانصرفوا.
كذلك، يقول مختار قرية الطور، خضر أبو سبيتان، إن «حملات الإحصاء تسهّل عملية اعتقال الشبان وطلاب المدارس؛ تشهد القرية الكثير من حملات الاعتقال التي تستهدف الطلاب والشبان... وفي هذه الحملات يسجل الجنود اسم كل طالب وأين يسكن، وبهذا تسهل عليه مهمة اعتقاله، حيث يوفر عليه في المستقبل عملية دهم البيوت في سبيل البحث عن مطلوبين»، مشيراً إلى أنه «في الفترة الأخيرة اقتُحم عدد من البيوت من طريق الخطأ في سبيل اعتقال مطلوبين».
ويرى أبو سبيتان أن لهذه الحملة هدفاً آخر يتمثل في معرفة من يسكن خارج حدود المدينة، لذا «يسجل بعض المقدسيين مكان سكنهم عند ذويهم في القدس للحفاظ على بطاقة هويتهم، بينما هم فعلياً يسكنون في مناطق الضفة، لأن إيجارات البيوت في القدس مرتفعة جداً... عدا غلاء المعيشة وارتفاع نسبة الضرائب».
وتوضح العائلات أنه في حال اكتشاف الاحتلال أن أحد أبنائها يسكن في مناطق الضفة يقطع عنه التأمين الصحي والوطني ثم تسحب هويته المقدسية، وهذا حدث مع عشرات المقدسيين، خاصة مع النساء اللواتي تزوجن بفلسطينيين يحملون هوية خضراء (صادرة عن السلطة الفلسطينية).
تأتي هذه الحملة بالتزامن مع الدعوات الصادرة عما تسمى «حركة إنقاذ يهودية القدس»، التي تطالب بفصل القرى المقدسية (22 قرية) سيطر عليها الاحتلال عام 1967، بذريعة أن 60% من منفذي العمليات في «انتفاضة القدس» كانوا من سكان المدينة. وتدعو هذه الحملة إلى فصل القرى المقدسية عن المدينة وضمها إلى الضفة وتحويطها بجدار الفصل العنصري.
عموماً، ما يحدث مع المقدسيين شبيه إلى حد ما بما يحدث للأسرى في سجون الاحتلال، حيث يقوم الضابط المسؤول بإحصاء عدد السجناء يومياً، وفي ثلاثة أوقات، لكن الأهداف مختلفة والسجن المقدسي أوسع قليلاً!
محمد عبد الفتاح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد