في تونس: قلقهن وتيقظهن... وأسفهن
... الصرخة نسائية. الجرأة لافتة كالعادة. النبرة غاضبة. أما المضمون، فمختلف هذا العام...
حلّ اليوم العالمي للمرأة على التونسيات امس بنكهة عنوانها القلق والتيقظ في آن معاً. توجهن الى أمام مبنى المجلس الوطني التأسيسي في العاصمة تونس وفي جعبتهن كلام كثير: الهوية التونسية الثقافية، حقوق المرأة وحريتها، جدلية النقاب في الجامعات، مصير العلمانية، خطر أسلمة تونس... أما السجال الاحدث، الذي استيقظت عليه زوايا العاصمة صباح الثامن من آذار وأرخى بظله على الاعتصام النسائي كما على "الثرثرة البناءة" في الشارع، فكان "التعدي على حرمة العلم التونسي"، على حدّ تعبيرهن.
عجزت التونسيات عن الاحتفال بيومهن الكبير – هنّ نخبة المتحررات في المنطقة العربية – بعيدا عن البلبلة الواسعة التي احدثها إنزال ناشط سلفي للعلم التونسي من أمام كلية آداب منّوبة أول امس واستبداله بعلم أسود (كُتب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله)، فاندمج المطلبان في شعارات لا تعدّ ولا تُحصى، وتعبّر خير تعبير عن حراك تونسي لم يتعب حتى الآن من لعبة الميدان: "الايمان إيماني ارفع يدك عن قرآني"، "بالروح بالدم نفديك يا علم"، "الراية التونسية والمرأة التونسية دائما في العلى"، "لا للمساومة بمكتسبات المرأة التونسية"، "نعم للديموقراطية، نعم لفصل الدين عن الدولة"...
مباشرة من أمام مبنى "التأسيسي" الذي لم يلبّ أياً من مطالب ثورة "14 جانفيي" بعد 5 أشهر على ولادته، وقف بعض الآلاف من المحتجين والمحتجات، الداعمين لحقوق المرأة التونسية، للدفاع عن مكتسباتها (والغالبية نخبوية يسارية من الاساتذة الجامعيين والمجتمع المدني والحزب الديموقراطي التقدمي) في "تحرّك نسوي شبابي لم تشارك فيه أية متحجبة"، وهي النقطة الاهم التي سجّلها المعتصمون لمصلحة احتجاجهم.
تقول فاطمة غربال (45 عاما) من "تحالف نساء تونسيات من أجل المساواة والمواطنة" لـ"السفير" ان "الاعتداء على العلم التونسي حوّل الحدث النسائي. وثبت ان الرجال والنساء في خانة واحدة هي الإصرار على التمسك بالعلم الذي استشهد من أجله شهداء ضد الاستعمار كما ضد النظام البائد". يُغضب صمت الحكومة غربال التي تعتبر انها "لم تُستفزّ عندما وصل الامر الى حد انتهاك سيادة البلاد وكرامتها". تستغلّ الكاتبة العامة في مؤسسة "نساء وكرامة" الحدث السلفي لتؤكد أن "المرأة لن تخضع للممارسات الاسلامية التي تهدف الى أسلمة تونس على المدى البعيد، فلا الحديث عن ختان المرأة ولا عن نشر المنقبات سيضعف صورتنا .. هي إشارات قد تعيدنا للاسف الى الوراء في وقت خلنا اننا تخطينا حرب الحقوق الخاصة بالمرأة في تونس".
تأسف الناشطة السبعينية سعاد بلحاج، التي عاشت الاستقلالين الاول والثاني، للحضور في الشارع ضد تونسيين آخرين "بعدما كنا نتظاهر في الماضي ضد الاستعماريين يوم كنا نحث البلاد الى النهوض .. أما اليوم فيأتينا من يريد دفعنا الى الوراء.. يريدون فرض مقاييسهم بالدين وتكفيرنا، لكن لطالما كنا أحراراً". بلحاج الممتنة لإحدى الجامعيات اللواتي واجهن الناشط السلفي لدى نزعه العلم، معيدة علم بلادها، تضيف بحزم "يجب ان يعلموا ان المرأة الاساس في تونس".
كان المشهد مطمئنا لرئيس الجمعية التونسية لقانون الانترنت والملتيميديا جوهر الجموسي، الذي قال لـ"السفير" إن "رؤية المحتجين على شكل أحزمة منعت أعضاء المجلس التأسيسي الاسلاميين من الدخول، كانت مرضية.. المطلوب أن يعلموا أننا متيقظون لما يعدّونه للبلاد.. لا يريدون سوى تدميرها، وتاريخهم شاهد على ذلك.. أما انتشار علم تونس دون سواه في المواكب السيارة فكان الرد الأوضح على محاولات تشويه هويتنا".
ضحّت التونسيات بيومهن الاحتفالي "دفاعا عن الهوية"، كما قلن، اذ رأين ان السلفيين ظاهرة بدأت بالتمدد لأسباب لم تتضح بعد، و"تدنيس العلم المفدّى" كما عنونت صحيفة "المغرب" على صفحتها الاولى، "ليس سوى أوّل الغيث"...
دينيز يمين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد