في حلب: بردٌ وجوعٌ.. ودموع

22-12-2016

في حلب: بردٌ وجوعٌ.. ودموع

شعلةُ لهبٍ صغيرة، يتحلّقُ حولها بعضُ الرجال والأطفال، وكذا يفعل بقيّة النازحين والوافدين من أحياء حلب الشرقية إلى مركز الإقامة المؤقت في منطقة جبرين، الواقعة شرق حلب، والتي تبعدُ عن مركز المدينة أقلّ من عشرة كيلومترات.
زوجةٌ وطفلان حملهم محمد نعناع (34 عاماً) معه إلى جبرين بعدما استطاع الهرب من حي ميسّر قبل عشرة أيام. يقول محمد : «عملتُ بائعاً على بسطةٍ في سنوات الحصار، وقبل الحرب كنتُ أعمل في مجمع تجاري في منطقة حلب الجديدة، الآن كما ترين أفترش وعائلتي العراء والساحات، نتكوّم بجانب بعضنا ليلاً، لكن البرد ينخر عظامنا، ليس باستطاعتي أن أطعِم أطفالي، لا أب ولا أم ولا إخوة لي ألتجئ إليهم».سوريون يصلون إلى حي خان العسل بعد إجلائهم من الأحياء الشرقية لحلب أمس الأول (أ ف ب)
عندما يبكي الرجال يعني أن المُصاب عظيم. يمسح محمد دمعةً غلبت قدرته على المكابرة، يقول «مشكورةٌ الدولة قامت بواجب هالعالم، وعم تقدملنا الأكل والشرب بس الناس بحاجة لبس، طلعنا بدون أي شي، عنا أطفال صغار صاروا كلهم دخان وبلش يطلع بجسمهم حبوب. ولله المشتكى ما في مكان نتحمّم فيه».
مصدر في محافظة حلب أكّد  أن عدد الخارجين من الأحياء الشرقية قد تجاوز المئة ألف مدني، تمّ استقبالهم جميعاً في جبرين، غير أن مركز جبرين (المحالج) مخصص للاستقبال وليس مجهزاً للإقامة، حيث تعملُ المحافظة بالتعاون مع المنظمات والجمعيات الأهلية على تأمين احتياجات الوافدين الأولية من مساعدات إغاثية وطبية وإسعافية ولباس وطعام وسِلل نظافة. أما في مركز جبرين (الصالات) المعدّ للإقامة فيتواجد حالياً ما يزيد عن 2200 عائلة، ويقول المصدر إن معظم النازحين بدأوا فعلياً بمغادرة المحالج عائدين إلى منازلهم، وإن عدد العائلات المتبقية هناك لا يتجاوز المئتي عائلة، أما العائلات التي ليس لها مأوى أو معيل فيجري نقلها إلى هنانو ومركز جبرين (الصالات)، وحالياً بالإمكان استيعاب حوالي مئتي عائلة إضافية.
أمام سيارةٍ لإحدى المنظمات الإنسانية، ينتظر النازحون دورهم للحصول على بعض المعونات، وفي آخر رتل بشريٍّ يمتدّ لأكثر من مئة متر تقريباً، يدوّي صراخ طفلة صغيرة ترتعش ممسكة بيد أمها. تروي الأمّ الشّابة (25 عاماً)  ما تكابده وأبناءها من بردٍ وجوع، قائلة «وصلت إلى هنا اليوم (صباح 17 كانون الأول) ومعي ثلاثة أطفال أكبرهم بعمر السابعة وأصغرهم ابنتي هذه بعمر الثلاث سنوات، قُتل زوجي في معارك حلب قبل عامين، ولم يكن باستطاعتي الهرب، وعندما بدأت الأحياء بالتهاوي واحداً تلو الآخر وأدرك المسلحون أنهم مهزومون لا محالة، أحرقوا كل شيء أمام أعيننا قبل أن يسمحوا لنا بالخروج، ولم أستطع أن أجلب معي ما يقينا هذا البرد، أطفالي يتامى وليس لي معيل، أرجوكم ساعدونا».
المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنجي صدقي تحدثت  أيضاً عن واقع عمل اللجنة في جبرين والمناطق الأخرى، وقالت إنه «في مساكن هنانو، تمّ إحصاء 1600 أسرة من النازحين داخلياً، أو العائدين إلى مساكنهم هناك، تحاول اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري تقديم المساعدات الغذائية والإنسانية والصحية وتلبية بعض احتياجات الأطفال، كما تُساهم جمعية الإحسان الخيري بدعم من اللجنة الدولية بتقديم 1500 وجبة ساخنة للنازحين والعائدين بشكل يوميّ. في المنطقة الصناعية بجبرين (مراكز الاستقبال الجماعية) يتمُّ توزيع مادة الخبز من خلال لجان الإغاثة، وفي إطار الخدمة الصحية».
تقول إنجي إن «الهلال الأحمر العربي السوري تكيّف على استراتيجية معالجة الاحتياجات الطبية العاجلة من خلال وحدات طبية متنقلة، والهلال هو المسؤول عن تنسيق الفرق الطبية المتنقلة، وهو المنظمة الإنسانية الوحيدة الحاضرة في مساكن هنانو ويقدّم ما يزيد عن الف استشارة طبية يومياً سواء في هذه المنطقة أو في جبرين. كما تدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر مطبخ جماعي في جبرين ويقدّم حوالي 6500 وجبة ساخنة للعائلات خلال النصف الأول من اليوم، فيما تتكفل لجنة الإغاثة الكنسية بإشراف الأم فادية بتوفير وجبات العشاء، من خلال مطبخ جماعي أنشأته في منطقة السفيرة (الريف القريب من جبرين).
من السفيرة إلى جبرين، ضبابٌ يلفُّ المكان، وحده الملحُ يقف لاستقبالك على أبواب حلب، لا تكترث للملح لأنك لن تحتاجه، فالكثير من الدموع بانتظارك هنا، «هنكارات» ضخمة بلا أبواب ولا وسائل تدفئة، درجات الحرارة تشير إلى ثلاثة تحت الصفر، تلتحف النسوة والصغار بالبطانيات الزرقاء (المقدمة من المنظمات الإغاثية)، فيما يحاول الرجال إشعال بعض النيران الصغيرة للحصول على الحرارة، رذاذ مطر ممزوج بالثلج ودخان يملأ المكان، رائحة البلاستيك والورق المحترق يرافقها صراخ أطفال يرتعشون من البرد، كلها مشاهد أصعب من أن تساعد الكلمات على وصفها، كارثة إنسانية مرّت من هنا... هنا حلب.

سناء علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...