في ذكرى رحيل محمد عبد الوهاب
بات واضحاً ان ذاكرتنا الفنية مصابة بداء النسيان. وان هذا الداء «الخبيث» ليس وليد اليوم, بل هو اصبح «ارثاً» عمره سنوات, وبات متجذراً في كل دوائر اعلامنا, المرئية والمسموعة والمقروءة, ووسائلها. وإلا, فكيف نفسّر هذا الصمت المطبق, والأصح ان نقول هذا الاهمال الفاضح والمتعمد, في التعامل مع مناسبات لا يجب ان تمر مرور الكرام, ومنها, على سبيل المثال ليس إلا, ذكرى الكثيرين من مبدعي وطننا العربي الكبير الذين رحلوا عن دنيانا بعدما اغنوا ثقافتنا الفنية الغنائية الموسيقية, وارتقوا بذائقتنا السمعية, تاركين لنا كل جميل واصيل وراق, في اعمال خالدة صالحة لأن تتحول بمرور الزمان, الى تراث فني حضاري نفتخر به, ويعود اليه الابناء والاحفاد, ومثلما عدنا نحن الى تراث السابقين من أمثال الشيخ سلامة حجازي وسيد درويش ومحمد عثمان وداود حسين وسواهم الكثير.
هل ما نقوله يدخل في باب التشاؤم؟
لا.. فمنذ ايام, مرت ذكرى رحيل موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب, من دون ان نلمس او نسمع او نقرأ ما يشير الى هذه المناسبة, في اي من وسائل اعلامنا العربية, المسموعة والمقروءة والمرئية, وما اكثرها! اللهم باستثناء «الدقائق» التي تابعناها على شاشة الفضائية المصرية التي تعاملت €بخجل€ مع الذكرى, وعرضت بعض الاعمال الغنائية الموسيقية للفنان الكبير الراحل, سبق تسجيلها من حفلات عدة كانت احيتها دار الاوبرا المصرية في سنوات ماضية, للمناسبة ذاتها, وكان محمد عبد الوهاب, في تلك الآونة, لا يزال على قيد الحياة.
والموسيقار محمد عبد الوهاب من مواليد 3 آذار 1901 €بعض المؤرخين يقول 1899€. ابصر النور في حي «باب الشعرية» الشعبي في وسط القاهرة, وحفظ القرآن الكريم وهو في سن السابعة, وبذلك, شكّل لذاته بداية تمثلت بترتيل الآيات بصوته العذب, حتى ذاع صيته.
ولم تكن سنوات عمره الاولى سعيدة, بل كانت مليئة بالصراعات ما بين رغباته التمرس بالعمل الفني, ورغبة الاسرة بالحاقه بالازهر الشريف مثل اخيه الأكبر الشيخ حسن, لكن محمد عبد الوهاب عرف كيف «يتمرد» على رغبات العائلة, وسار في طريق الغناء, والى ان كان لقاؤه بأمير الشعراء احمد شوقي الذي وصفه بـ«الكروان», وقرّبه منه, حتى اصبح هذا الفتى الموهوب أحد ابرز الموجودين الدائمين في منتديات احمد شوقي بك ومجالسه الادبية والفنية, وهو الامر الذي انعكس على شخصية موسيقار الاجيال فصبغها بصبغة ارستقراطية لطالما تجلت في الحانه.
ان سيرة وحياة محمد عبد الوهاب معروفة. ونحن لسنا هنا في مجال سردها, وانما في صدد التأكيد على ضرورة واهمية ان يتذكر اعلامنا العربي الفني, وبمختلف وسائله ان اسقاط ذكرى الكبار من مبدعينا, من أمثال محمد عبد الوهاب وغيره, ليس مجرد خطأ, وانما هو خطيئة... بل وخطيئة لا تغتفر, لأنه يشكل اهمالاً لتاريخ مضيء من حياتنا الثقافية والفنية يجدر بنا ان نتباهى به.. لا أن نغتاله؟!
عبد الرحمن سلام
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد