في سوريا: طفل يقطع الرؤوس وصحفي مخطوف يعلن انشقاقه بعد فقدان حريته وأسنانه
شريط مصور جديد يضع السوريين أمام مرآة واقعهم القاسي. يفجر النقاش حول ما إذا كانت أصوات المعارك خارج بيوتهم وقربها أيضا، هي معركة «نظام قمعي وسعاة حرية» فقط، أم انها ليست سوى طبقة وحيدة من سلسلة طبقات بشعة وقاسية لصورة لم يصدق معظمهم انها انتمت لأمته.
يقترب الصبي ضمن صيحات التهليل، يرفع ساطورا بنصف طوله ويهوي به على رأس العوايني الكافر...الإنسان. ضربات متلاحقة حتى ينفصل الرأس عن الجسد. «سوري يقتل سوريا». يرى بعض المعارضين المشهد بهذه البساطة. يتعامى عديدون في الأخذ والرد، الهجوم والدفاع. نعم. ثمة من يدافع عن أن القاتل طفل سوري، والمقتول، رجل بريء أم مجرم محترف، هو سوري آخر، وأن المحكمة الميدانية التي لا نراها هي سورية.
ولكن ربما يطيب للبعض القول إنها ليست من فكر سوري. والواقع ان هذا الفكر أصبح موجودا ومنتشرا، لا سيما في المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة. في إجراء مواز تنتقد «تنسيقية الزبداني» مؤخرا قيام «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإدلب بتعذيب عدة أشخاص بمواد حارقة تترك أثرا أبديا، بالتهمة الاعتيادية بأنهم عواينية (أتباع النظام)، لتتركهم بعد أن ظهرت براءتهم». أما رئيس المحكمة فهو معلم تربية إسلامية كان مقيما في الشارقة وعاد إلى سوريا «تأدية لواجب الجهاد المقدس».
فيديو الصبي، قاطع الرؤوس، ظهر على صفحة «لواء خالد بن الوليد» الموجود في ريف حمص الشمالي، وتحديدا في منطقة الرستن. وقد بثته قناة «سمى» الخاصة إلى جانب اعترافات أحد أفراد المجموعة الذي «أنكر أن يكون ما فعلوه من تعاليم الإسلام». فيديو آخر مواز، ظهر أمس للصحافي صالح الأكتع مراسل إذاعة «شام أف أم» الواسعة الانتشار في إدلب. يظهر الشاب الذي اختطف منذ شهرين، وتعرفه غالبية السوريين، وقد غارت خدوده، وفقد أسنانه، وبانت آثار الكدمات عليه، معلنا انه «سينضم لإعلام الثورة».
الاعترافات السابقة التي لم تحظ باهتمام إعلامي كبير، ربما لكونها ظهرت على قناة محلية، اكدها شريط فيديو بث على «يو تيوب» بعد تقصيره، رغم أن حذفه حصل مرتين على الأقل. الأصلي لا يتوقف عند قص الرؤوس، بل يتعداها لعملية «تنظيف» تجري في ساحة الجريمة تلك، حيث يتم بعدها وضع الرؤوس المقطوعة على أجساد أصحابها. وذلك لغرض المبادلة باعتبار أن الضحايا مخطوفين أو أسرى. ومن ثم يتم اتخاذ صورة جماعية للطفل «الذي كبر على بكير» وهو يحمل «الكلاشين». والخاتمة اللازمة «الله أكبر».
بعض المعارضين دافع عن الفيديو الذي أعيد بثه أمس الأول، وانتشر بكثافة. الحجة أن عنف النظام هو الذي أوصل هذا الطفل إلى ما هو عليه. آخرون تباهوا بضرورة الانتقام وبالتشفي الذي تحققه الصورة. لكن أبلغ تعليق ربما يكون الذي جاء على لسان إحدى المصدومات من مشاهدة الفيديو: «أدركت تماماً... أن سوريا انتهت... ولا تقولولي في أمل... خلصت... على الأقل عندي...». ثمة تعابير مشابهة تسوقها الصفحات، تترافق مع النقاش المستعر حول من يتحمل مسؤولية انكشاف هذه الصورة أو تشكلها.
وليس من سبب واضح لعودة الفيديو، خصوصا ضمن فوضى الفيديوهات التي تؤدي وظائف مختلفة لغايات مختلفة. لكنه تزامن بالصدفة، أم بالتوافق، مع تقرير أخير لـ«هيومن رايتس ووتش» يبرهن بالمقابلات الميدانية ان جماعات معارضة مسلحة تقاتل في سوريا تستخدم أطفالاً في القتال وفي أغراض عسكرية أخرى. ويذكر التقرير «تبين لهيومن رايتس ووتش وجود أطفال، في سن قد تبلغ 14 عاماً، يخدمون في ثلاث كتائب معارضة على الأقل، وينقلون الأسلحة والإمدادات ويقومون بأعمال مراقبة. كما شوهد أطفال في سن 16 عاماً يحملون السلاح ويقاتلون ضد قوات الحكومة».
وقد قابلت المنظمة «خمسة صبية بين 14 و16 عاماً، قالوا إنهم يعملون مع المعارضة المسلحة في حمص ودرعا وخربة الجوز، وهي بلدة صغيرة بإدلب قرب الحدود التركية. قال ثلاثة من الصبية ـ يبلغون جميعاً 16 عاما ًـ إنهم يحملون السلاح. قال أحدهم إنه تلقى تدريباً عسكرياً وشارك في مهمات قتالية هجومية. قال اثنان من الصبية ـ 14 و15 عاما ًـ إنهما يدعمان، مع صبية آخرين، كتائب المعارضة بإجراء عمليات مراقبة واستطلاع ونقل الأسلحة والإمدادات. كما قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة آباء سوريين قالوا إن أبناءهم تحت 18 عاماً مكثوا في سوريا كي يقاتلوا».
ولا تقتصر دعوات القتال على من في سوريا فقط. ذلك أن الصبية اللاجئين في الدول المجاورة يبقون عرضة للتجنيد والإشراك بالقتال. وقد شهدت «هيومن رايتس» تشجيع رجال لصبية في المخيمات لكي ينضموا إلى قوات المعارضة المسلحة. كما راجعت عدة مقاطع فيديو على «يوتيوب»، بينها مقاطع لكتائب «للجيش السوري الحر» على صفحات «الفايسبوك» أو «يوتيوب»، فيها أطفال مقاتلون «شهداء» أو أطفال يقولون إنهم يرغبون في الشهادة.
ووفقا لممثل عن منظمة دولية تساعد اللاجئين السوريين في الأردن لـ«هيومن رايتس»، «يأتي الجيش السوري الحر إلى المخيم (الزعتري) ويبث رسالة بأنه من غير المقبول المكوث في المخيم بينما هناك آخرون يقاتلون في سوريا».
ولا تقتصر مهام الأطفال على القتال فقط، بل أيضا تتضمن المساهمة في الكمائن، وعمليات رصد ومتابعة لتحركات الجيش، وفي المهمــات الخاصة كالاغتيالات والمد اللوجستي، إذ قال «رائد»، البالغ من العمر 14 عاماً، للمنظمة الحقوقية إنه كان يعمــل بنقــل الأسلحة والطعام والإمدادات الأخرى اللازمة لمقاتلي المعارضة في خربة الجوز، بالقرب من الحــدود مع تركيا.
ولا تنكر المنظمة أن خلفيات الأولاد بمجملها تأتي من بيئة معدمة، وأن غالبيتهم لا تجيد القراءة والكتابة. وكانت شهادات غير موثقة تناقلت أن وحدات مداهمة للجيش السوري ووجهت بمقاومة مقاتلين، بينهم أطفال، لا سيما في مناطق دير الزور وأدلب. لكن وفقا للبيان، فإن المنظمة الدولية حصلت على وعود سابقة من العقيد المنشق رياض الأسعد الذي كان حتى وقت قريب أحد ابرز قيادات «الجيش الحر»، بعدم تجنيد الأطفال، إلا أن وعوده لم تتحقق. لذا تدعو المنظمة، من باب الواجب، «الدول التي تمول جماعات المعارضة وتمدها بالأسلحة، الجيش السوري الحر لمنع استخدام الأفراد تحت سن 18 عاماً في أي أغراض عسكرية، سواء كمقاتلين بشكل مباشر أم في أدوار مساندة».
زياد حيدر: السفير
إضافة تعليق جديد