في كتابه «سورية عام من الدم»، نبيل صالح: كلنا شركاء في الخسارة

09-09-2012

في كتابه «سورية عام من الدم»، نبيل صالح: كلنا شركاء في الخسارة

«نحن السوريين: محبة بسورية فإن نصفنا بات يكره نصفنا الآخر. نقتل بعضنا دفاعا عن سورية... نضرب اقتصادنا ونحرق مؤسساتنا لمجد سورية... نتآمر مع الإسرائيليين والفرنسيين والقطريين والأتراك. والأمريكان دفاعا عن سورية..
 
 نتعصب طائفياً وحزبياً طمعاً بقلب سورية نتنابذ، نتباعد، نطلق نخون من أجل سورية.. نرفع علم تركيا، نحفر مقابر جماعية، نشنق. ننهب نغتصب نساءنا لأجل مستقبل سورية.. نحن السوريين نكره «إسرائيل» ولأننا كذلك نقتل جنودنا ونتهم من يتجاوز حدود الجولان من شبابنا بإلهائنا وصرف أنظارنا عن مجد سورية»
هذا ما قاله الكاتب والصحفي نبيل صالح في كتابه الصادر حديثاً «سورية عام من الدم» في إحدى افتتاحيات مقالاته، وهو الوصف الأكثر دقة لما يجري في سورية ولواقع الشارع السوري حتى أن المتاجرة بهذا الحب صارت عمل من ليس له عمل وصار هذا الحب أيضا خلفية لكل ما يجري في سورية «بداية خرجوا إلى الثورة وحب سورية خلفهم يطلبون الحرية والكرامة ثم نسوا المطالب التي وافقهم عليها الجميع وصاروا يطلبون الكرسي والخلافة؟؟»

باتجاه الحريق الليبي
وحين أعلنت السلطة عن موافقتها على تحقيق مطالب الناس خلال الشهر الأول انسحب القسم الذي كان يطالب برفع الطوارئ وزيادة المعاشات وقانون جديد للإعلام وتجنيس الأكراد بينما بقي القسم الذي يريد تدمير النظام وهذا أمر دونه الذهاب باتجاه الحريق الليبي والتدخل الغربي.
وهؤلاء هم من يشعل النيران في الشوارع، يقتلون ويحرقون وينهبون.. ماذا يجمعهم حب الوطن أم كراهية النظام؟! وإذا ذهب النظام ماذا سيفعلون بكل هذه الكراهية المحقونة داخلهم.؟ هل سيوجهونها ضد بعضهم كفصائل متقاتلة على السلطة كما فعل إسلاميو أفغانستان بعد سقوط نظام كابول الشيوعي، وهل سيحولون الدولة إلى إمارات إسلامية يحكمونها على الطريقة الإسلامية كما تفعل الفصائل الإسلامية في أفغانستان...
تجدر الإشارة هنا إلى أن الكاتب، وحتى لا يذهب ذهن القارئ بعيدا، فهو على مدى عشرين عاما من الكتابة انتقد المؤسسات الرسمية وعرى خطابها في الوقت الذي كان فيه أغلبية الناس شهودا صامتين سوى قلة من الشجعان المناضلين الذين دفعوا دية مواقفهم من أجل غيرهم لكنه الآن ووفقا للسيناريوهات التي تضعها المعارضة لرمي سورية كدولة مؤسسات في حريقها يجد نفسه كأي مواطن سوري عاقل يوافق على الأقل في الوقت الحاضر على التغيير من داخل النظام. وهو كأي مواطن سوري شريف يرغب ببعض ما تطلبه المعارضة وببعض ما قررته الدولة كما يرغب باقتصار عمل الأئمة على أمور الدين لا الدنيا «فلماذا إذاً يزاود الطائفيون على طائفية الطوائف الأخرى وينتقصون من إسلامهم بما يعتقدون أنه زيادة لهم»
لا يمكن تصنيف ما جاء فيما كتبه نبيل صالح سوى أنه موقف الإنسان العاقل الذي كان يرى ولا يزال بعينين اثنتين وهو أمر افتقدناه مع الكثير من مثقفينا الذين فاجؤونا بوجود عرعور صغير داخلهم بكل ما يملك هذا العرعور من حقد داخله ومن ضيق البصيرة وقصر النظر.
عرب ما بعد 25يناير
يؤكد صالح أن عرب ما بعد 25يناير غير ما قبله لكن الصحيح أننا كعرب لم نحصل بعد على نصف الثورة بسبب ضعف الثقافة الديمقراطية وهيمنة العنصرية والعصبيات الشعبية والحشيش والقات وحبوب المخدرات والدولارات وإغلاق العيادات الثقافية والتنويرية. وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب أشار في أكثر من مكان من الكتاب إلى أن الثورة خُطفت من أيدي ثوارها منذ أن اقتحم هؤلاء القتلة مساكن عائلات العسكريين في صيدا ولم يعودوا منذ تلك اللحظة سوى غطاء شرعي لنشاط غير شرعي، فقد أعمت الكراهية والحقد قلوبهم وغدوا أشبه بطالب ثأر لا طالبي حرية.
هل يوجد في سورية غير المؤيدين والمعارضين؟ نعم ثمة فئة ثالثة قلما تمت الإشارة إليها في المجتمع السوري وهي فئة «المعتدلون التائهون» بين النظام والمعارضة، وهؤلاء هم الضامن الأساس لاستمرار الحياة وتواصل العمل وهم وهنا أشارك الكاتب في رأيه أنهم الأكثرية السورية المعتدلة الموافقة على الإصلاح بدلا من الفوضى ولسان حالها يقول : «فهمنا اللعبة يوم أُكل الثور الليبي الأسود»
ثمة نقطة حيوية في الكتاب يشير إليها وهي السؤال اليومي لعامة الشعب السوري هل سيهاجمنا حلف الأطلسي؟ وهنا يأتي جواب الكاتب الذي يجب تفهمه تماماً والذي يأتي على صيغة سؤال هو في حد ذاته جواب: ولماذا سيهاجم مادام المتمردون في الداخل يقومون نيابة عنه بقتل العسكر والشرطة والمواطنين المسالمين الذين ليسوا مع هذا الطرف أو ذاك ويدمرون البنى التحتية ويحرقون كل ما يصادفونه.....؟

سمات المعارضة
يوصّف الكاتب المعارضة بأن أغلبهم بعين واحدة لا ترى إلا حقوق الذي يقف من جهة عينهم غير المقلوعة بيد السلطة، فهم مثلا لم يسمعوا ولم يحتجوا على اغتصاب أربعمئة نازحة سورية في المخيمات التركية (تم إثبات حمل 250 امرأة منهن) ولكنهم استنكروا بشدة اغتصاب إيمان العبيدي التي ادعت تناوب جنود القذافي عليها من دون إثبات الحمل، ونسبة كبيرة منهم أي (معارضو السلطة اليوم) ارتكبوا الزنا معها في الأمس وهم الآن يريدون إقامة الحد عليها ورجمها ويرغبون بالزنا مع غيرها.
الكراهية هي ما يجمع مشارب المعارضة فقد أفتت بتحليل دم كل من لا يوافقها هواها (على طريقة المشركين والمسلمين) فوقعت الفرقة بين الآباء والأبناء وصار منسوب الكره للنظام هو ما يربط أواصر المودة بينهم أي -أفراد المعارضة -ويقربها من بعضها حتى لو كان أفرادها موزعين في شتات الأرض.. والقائمة تطول.
الوخزات الموجعة
هكذا يُضيء الكاتب عبر وخزاته الموجعة ألمنا اليومي ويلامس جراح السوريين النازفة لا شماتة بالألم وإنما بغية تقديم الدواء المناسب بعد معاينة الأسباب معاينة يجب أن نعيها جميعاً وهو الذي بدأ مشروعاً ثقافياً قبل سنوات عمل فيه على إعادة سيرة المؤسسين للنهضة والاستقلال في القرن العشرين فأصدر كتابين في هذا الخصوص هما «رواية اسمها سورية» و«نساء سورية» ومن ثم أنجز مخطوط «موسوعة الدراما التلفزيونية السورية في نصف قرن» وذلك على حد تعبيره لمعرفة أين يكمن الخطأ في مسيرة السوريين وكيف يمكن تصحيحه. وذلك عبر لغة لا تخلو من سخرية فيها من المرارة طعم العلقم ومن الألم وجع الجراح المزمنة وهو يدعم نثره بقصائد من الشعر العربي ويستشهد ببعض الكتب كـ (تمرد الجماهير للكاتب خوسه أورتغا إي غاسيت) وأقوال للإمام علي بن أبي طالب وجاكوب بوهم متكئا على التراث الإسلامي الذي يتكئ عليه السلفيون في حربهم ضد الشعب السوري وشتان بين هذا الاتكاء وذاك وهو والحال كذلك لا يتوغل في الماضي ولا يلتفت إليه إلا من خلال قضايا الحاضر وهمومه، الأمر الذي جعله يقدم لنا وجبة دسمة لا تمكن مقاومتها.
لقد أرّخ نبيل صالح في «سورية عام من الدم» لعام ونصف العام من الأزمة السورية يوماً بيوم وحدثاً بحدث... لم يغفل أي حدث أو ظاهرة أو تحرك لأي طرف مهما كان حجمه وذلك من خلال العين والعين الأخرى فقد جعل من الوقائع الراهنة وظروفها وبيئاتها التي هي بشكل من الأشكال هموم السوريين وأوجاعهم وأحزانهم ليقول كلمة العقل من دون تخوين الآخر أو إقصائه، وهو ربما ما نحتاج إليه في هذه الفترة القلقة من حياة سورية.

رولا حسن

المصدر: تشرين

التعليقات

عام و نصف العام من الدم و مئة عام من العزلة: الدم السوري الغالي ينزف و يُريقه دمٍ غالٍ آخر. دَرج فصد الدم لقرون طوال للعلاج من الأمراض؛ عسى أن يكون هذا الدم السوري المفصود علاجاً لسوريا من الفساد و الفاسدين و التكفيريين و آلهتهم من الأمريكان و الفرنسيين و الأتراك و أذنابهم الوهابيين و آل سعود و من لفّ لفّهم. أخوكم القاضي

أقترح يا أستاذي أن تحضر لكتاب (سوريا .. عام آخر من الدم).

جريء ذكي كلماته رائعة تلامس الروح والعقل نظرته بعيدة يشعر بالامور قبل وقوعها دائما يقف مع الفقراء والمظلومين مظلوم للاسف لان مثله لانشاهده الا في صفحة شغب كم يحتاج اعلامنا الى امثالك استاذي وقدوتي في النضال نبيل صالح

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...