فيسبوك ومشتقاتها في قفص الاتهام مجدداً
حرفياً؛ فيسبوك بجميع منصاتها لم تكن موجودة على شبكة الإنترنت! وذلك مساء يوم الاثنين 4/تشرين الأول/ 2021م، حيث أبلغ المستخدمون عن تعطل تطبيق الواتساب في جميع أنحاء العالم، وبعدها بدقائق قليلة تداولوا أخباراً عن تعطل فيسبوك وانستغرام و تطبيق ماسنجر، وكلها تطبيقات ومواقع تابعة لشركة فيسبوك، ونتيجة لهذا العطل المفاجئ، هاجر ملايين المستخدمين إلى مواقع اجتماعية أخرى، وخسرت فيسبوك خلال ساعتين 6% من قيمة أسهمها، كما انخفضت ثروة مارك زوكربيرغ مؤسس الفيسبوك بمقدار 8 مليار دولار!
ورغم التكهنات التي اشارت بأصابع الاتهام إلى الصين ، والشائعات التي عزت الأمر لهكرز وطفل صيني وغيرها، إلا أن فيسبوك اعترفت رسمياً أن انقطاع الخدمة كان بسببها، ولم يكن بسبب هجوم سيبراني خارجي، وأنه نتج عن صيانة "روتينية" كانوا يجرونها.
لكن تزامن الانقطاع قبل بيوم من جلسة استماع في الكونغرس لشهادة مهندسة سابقة في فيسبوك رجح فرضية أنهم كانوا يجرون تعديل طارئ على خورازمياتهم مما سبب الانقطاع بقصد أو بدون قصد!
تسريبات موثقة
بدأت القصة منذ أقل من شهر، عندما سلّم أحد موظفي فيسبوك وثائق لصحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal)، والكونغرس الأميركي ولجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، تلا ذلك نشر الصحيفة للتسريبات مجهولة المصدر، والتي كشفت بالأرقام والدلائل نتائج دراسات تجاهلتها إدارة فيسبوك خوفاً من تراجع أرباحها المالية، منها: محتوى مضاد لاستخدام لقاح covid_19، والقائمة البيضاء "XCheck" على فيسبوك المكونة من 6 ملايين شخصية بارزة، يُسمح لهم دون غيرهم كسر قواعد النشر وتجاوز الخطوط الحمراء، مما أكد أن مجلس الرقابة ومجلس الإدارة في الجمهورية الزرقاء مجرد واجهة، خصوصاً وأن زوكربيرغ يملك 55% من الأسهم، فضلاً عن بحث داخلي حول إنستغرام أوضح بالتفصيل أضراره على الصحة العقلية للفتيات الصغيرات، حيث وجدت إحدى الدراسات لعام 2019 أن تطبيق انستغرام يجعل فكرة الفتيات حول صور أجسادهن أسوأ بنسبة فتاة واحدة من بين كل 3 فتيات مراهقات، حيث تدمر مجموعة لا تنتهي من الصور "الجميلة" لأقرانهم والمشاهير تقديرهم لذواتهم، مما يجعلهم في حالة نفسية سيئة، وغيرها من الوثائق والدراسات التي تجاهلتها إدارة فيسبوك، ورغم أن "فريق النزاهة" في فيسبوك -إثر هذه المعلومات- قام بإدخال تغيير خوارزمي طفيف، ونجح في الحد من المعلومات المضللة المتعلقة بالصحة، لكن -وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال- عندما اقترح الفريق طرحها على نطاق أوسع، رفض زوكربيرغ الفكرة لأنها قد تقلل من تفاعل المستخدم.
إزالة الستار
ثم تطورت القضية بشكل كبير في أمريكا، إلى أن ظهر مسرب المعلومات فجأة وكشف عن هويته في برنامج تلفزيوني اسمه “60 مينيتس” يُبث الأحد عبر محطة "سي بي إس" الأمريكية، وهي مهندسة معلوماتية حاصلة على ماجستير إدارة الأعمال من هارفرد اسمها "فرانسيس هاوغن"/37 عاماً، انضمت إلى "فيسبوك" في عام 2019 وتم تعيينها، بناء على طلبها في قسم النزاهة المدنية، وسربت آلاف الوثائق والأبحاث حول انتهاكات فيسبوك، بعد أن رفضت إدارة الشركة إجراء أي تغيير يحد من الضرر، وتحدثت هاوغن خلال البرنامج: "لقد عملت في كثير من الشبكات الاجتماعية، وكان الوضع في فيسبوك أسوأ بشكل ملحوظ من أي شيء رأيته من قبل"، وقد عملت هاوغن سابقاً في غوغل وبينترست وغيرها، وأضافت: "إن الخوارزميات البرمجية للفيسبوك تم تطويرها بشكل متعمّد للإضرار بالمستخدمين مقابل مصلحة الفيسبوك، هذه الأضرار سببت في إبادات جماعية، حراكات جماهيرية، أضرار اقتصادية، نمو للعنصرية، نمو للاعتلات النفسية، انتشار أخبار زائفة.. وغيرها
اتفاق غير مسبوق
خلال جلسة استماع في الكونغرس التي انعقدت الثلاثاء 5/تشرين الأول/2021م -أي بعد انقطاع الخدمة بيوم- ظهر تناغم نادراً ما يحصل بين الديمقراطيين والجمهوريين، انعكس باتفاق واضح على إدانة فيسبوك، ومخاطره على الشباب والمراهقين والفتيات، من حيث الإدمان الذي وصفته شركة فيسبوك ب "استعمال إشكالي"، وتهاونه بسلامة الأطفال على منصاته، خاصة في حال أن أي تحديد أو تغيير قد يضر بمرابحه، وقد شبه مسؤولو الكونغرس فيسبوك بشركات التبغ قبل أن يتم تنظيم عملها.
هاوغن خلال الجلسة قالت أن الخيارات التي اتخذتها فيسبوك كارثية، ويجب محاسبتها، وهي تخفي أمور قد تؤدي إلى الضرر، وتعمل بالظل، وتنشر معلومات مضللة ضد الصالح العام، كما أنها أخفت مراراً وتكراراً ما كشفته أبحاث الفيسبوك الخاصة عن سلامة الأطفال، وفاعلية أنظمة الذكاء الاصطناعي، ودورها في نشر الرسائل الانقسامية المتطرفة، وأشارت إلى أن آلاف الوثائق التي جمعتها تظهر أن الشركة تكذب على الجمهور عندما تقول إنها تحرز تقدما كبيرا في محاربة الكراهية والعنف والمعلومات المضللة.
وأضافت: "إن ما رأيته في فيسبوك مراراً هو وجود تضارب في المصالح بين ما هو مفيد للجمهور وما هو جيد للشركة.. واختارت “فيسبوك” دائما مصالحها الخاصة، لجني المزيد من المال”.
فيسبوك ترد
بعد تسريبات الوول ستريت جورنال؛ نشر نيك كليغ، نائب رئيس الشؤون العالمية في فيسبوك، منشور بعنوان "ما الذي أخطأت صحيفة وول ستريت جورنال فيه حول فيسبوك"، وقال كليغ في المنشور إن سلسلة المقالات التي نشرتها الصحيفة ركزت على بعض "أصعب المشكلات التي تواجهها الشركة، سواء ما يتعلق بالمعلومات المضللة عن اللقاحات، إلى التوزيع الحسابي ورفاهية المراهقين"، ورفض كليغ تهمة تجاهل إدارة فيسبوك الدراسات والمقترحات التي تنافي مصلحة الشركة قائلا: "في هذا الادعاء تقويض لجهد الخبراء والمهندسين والاستشاريين الذين يعملون في الشركة ويقومون بجهد كبير لتحسين جودة منتجاتها، بناء على معلومات مجتزأة من تقارير مسربة لإظهار فيسبوك بصورة سيئة"
ورداً على ادعاءات تأثير فيسبوك على صحة المراهقين، فقد أشار كليغ إلى أن الباحثين في هذا المجال لم يستقروا على وجهة نظر محددة حول التقاطع بين وسائل التواصل الاجتماعي وصحة المستخدمين، وأضاف: "نحن بحاجة لمزيد من الأدلة لفهم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الناس، وأن كل دراسة لها حدود ومحاذير، لذلك لا يمكن الجزم بنتائجها، كما أن أبحاث تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي ما تزال حديثة".
لكن تقرير لموقع سي إن بي سي (CNBC) رد على نيك كليغ، أنه لم يدحض أي حقائق محددة نقلتها الصحيفة، معتبراً أنه عذر أقبح من ذنب عندما تتذرع شركة قيمتها تريليون دولار وأرباحها عشرات المليارات بقلة الأبحاث ولا توظف باحثين مناسبين لبحث هذه المشاكل الحاسمة.
"مارك زوكربيرغ" الرئيس التنفيذي لفيسبوك، نفى الثلاثاء -أي بعد جلسة الكونغرس- في مذكرة طويلة إلى موظفيه نشرها على صفحته في فيسبوك، اتهامات ترويج فيسبوك للحقد والانقسامات في المجتمعات وإلحاق الضرر بالأطفال، مؤكداً أنّ الاتهامات الموجهة لشركته بتغليب الربح المالي على السلامة هي "بكل بساطة غير صحيحة.
وأضاف: "إن التهمة بأننا نروج عمداً لمحتوى يغضب الناس بهدف تحقيق ربح مادي هي أمر غير منطقي بتاتاً، نحن نجني المال من الإعلانات والمعلنون يبلغوننا باستمرار أنهم لا يريدون أن تعرض إعلاناتهم بجانب أي محتوى ضار أو مثير للغضب"، لافتاً إلى أنه لا يعرف أي شركة تكنولوجية تعمل على بناء منتجات تجعل الناس غاضبين أو مكتئبين.
يذكر أن الإحصاءات تشير إلى 3.51 مليار شخص يستخدمون واحداً على الأقل من منتجات الشركة الأساسية (Facebook أو WhatsApp أو Instagram أو Messenger) كل شهر، الأمر الذي يثير تساؤل حول أن تشهد الأيام القادمة قوانين تحد من سلطة حكام العالم الاجتماعي الافتراضي؟
المشهد
إضافة تعليق جديد