قضية الطوارق تطفو على سطح الأحداث الإفريقية

23-06-2006

قضية الطوارق تطفو على سطح الأحداث الإفريقية

جدد استيلاء مجموعة مسلحة من الطوارق في مالي يوم 23 مايو/أيار الماضي على ثلاث قواعد عسكرية في منطقة أزواد شمال البلاد، إثارة قضية شعب الطوارق وتجاهل الحكومة لمطالبهم بإدخال التنمية إلى مناطقهم.
 
والقواعد التي استولى عليها مئات الشبان الطوارق تقع في مدن الشمال (كيدال ومكنا وتيسليت) وهي أكبر القواعد العسكرية التابعة للجيش المالي في منطقة الطوارق.
 
ولم يكن التمرد الأخير سوى استمرار للتمرد الدامي الذي قاده الطوارق في مالي والنيجر في التسعينيات.
 
وتقع منطقة أزواد شمال مالي بمحاذاة الحدود الموريتانية، وعلى الشرق منها يقع آدغاغ أيفوغاس المحاذي للحدود النيجرية والجزائرية. ويفصل بين منطقتي أزواد وآدغاغ أيفوغاس وادي تلمسي ويشكلان معا الصحراء المالية.
 
وغالبية سكان أزواد وآدغاغ أيفوغاس إما من الطوارق ذوي الأصول الأمازيغية أو من قبائل عربية هاجرت إلى المنطقة منذ قرون من موريتانيا أو من دول الشمال الأفريقي. ويطلق على هذه المناطق إداريا ولايات تمبكتو وغاوو وكيدال.
 
ويتشابه وضع الطوارق وعرب مالي في نهاية خمسينيات القرن الماضي مع وضع الأكراد في آسيا بعيد الحرب العالمية الأولى، حيث قطع الاستعمار الفرنسي منطقتهم بين مالي والنيجر والجزائر وليبيا.
 
 وتقوم حياة سكان الصحراء -وخاصة الأزواديين- على التنقل الحر طلبا للمرعى، ما جعلهم غير منصاعين غالبا للأحكام المركزية.
 
وأدى ابتعادهم عن المراكز الحضرية وتوغلهم في الصحاري إلى جعلهم في شبه عزلة عما يجري في الدول التي ينتمون إليها، كما حرم مناطقهم من أي تنمية اقتصادية أو اجتماعية.
 
عرفت ستينيات القرن الماضي غداة حصول مالي على استقلالها مطالبة بعض أعيان ووجهاء أزواد بالانفصال التام عن مالي وتكوين دولة مستقلة، غير أن الموقف الصارم لنظام الرئيس المالي الأسبق موديبو كيتا أجهض ذلك الطموح.
 
وعم جفاف شامل منطقة الساحل الأفريقي في سبعينيات القرن الماضي، وكان من أكثر المتأثرين به سكان الصحراء المالية إذ هلكت قطعانهم وهاجر الكثير منهم خاصة نحو الجزائر وليبيا.
 
وانخرط الكثير من شباب الطوارق النازحين إلى ليبيا في معسكرات ومليشيات قاتلت فيما بعد في تشاد أو في جنوب لبنان.
 
وبعد عودتهم غير المنظمة إلى مناطقهم الأصلية في بداية التسعينيات بدأ الصدام بينهم وبين الجيش المالي.
 
وكان من أبرز أسبابه الشعور بالإحباط لدى سكان أزواد من جراء تردي أوضاعهم المعيشية وغياب قنوات اتصال سياسية من شأنها إيصال مطالبهم إلى الحكومة المركزية في بماكو.
 
في عام 1990 شكل الأزواديون أول جبهة ذات نشاط عسكري عرفت باسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" بقيادة إياد غالي.
 
غير أنها ما لبثت أن انشقت على نفسها وتناسلت منها تشكيلات أبرزها "الجبهة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجيش الثوري لتحرير أزواد".
 
ويغلب على هذه التشكيلات الطابع القبلي وخصوصا الطارقي، في حين شكل عرب أزواد "الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد" ومن أبرز قادتها أحمد بن سيدي محمد الذي عمل لفترة في الدبلوماسية الموريتانية.

ودخلت هذه الجبهات -بتنسيق وبغيره- في مواجهات دامية مع الجيش المالي، واستطاعت في كثير من الأحيان أن تسيطر على بعض المناطق.
 
 وفي مقابل نشاط المسلحين الأزواديين ظهرت في الشمال المالي مليشيات أفريقية تطلق على نفسها اسم "غندغوي" وتعني في لهجة الصنغاي الزنجية "ملاك الأرض".
 
وتشكلت هذه المليشيات في أغلبها من أبناء مجموعة الصنغاي المستقرين في الحواضر والقرى شمال مالي والتي غالبا ما تكون هدفا لعمليات المسلحين الأزواديين.
 
وتقدم غندغوي نفسها على أنها مليشيات للدفاع عن النفس، وقد عرفت بعدائها الشديد للعنصرين الطارقي والعربي.
 
ويشببها المسلحون الأزواديون بحركة الجنجويد في إقليم دارفور غربي السودان ويتهمونها باستعمال الاغتصاب والقتل الجماعي واستهداف المدنيين والعنصرية، وبأنها تعتبر الطوارق والعرب ضيوفا لا ينبغي أن تكون لهم مطالب في مالي.
 
كما يتهم الأزواديون الجيش المالي برعاية وتأطير "غندغوي".
 

تطورت المطالب السياسية للجبهات والحركات العسكرية الأزوادية من المطالبة بالانفصال في ستينيات القرن الماضي إلى المطالبة بإيجاد كنفدرالية تجمع داخل جمهورية مالي بين الجنوب الزنجي والشمال الطارقي العربي في التسعينيات. وقد قابل النظام المالي بالرفض كلا المطلبين في حينه.
 
وتقزمت المطالب الأزوادية من الانفصال والكنفدرالية إلى المطالبة "بحكم ذاتي إداري" يسمح بتوجيه 47.3% من ميزانية مالي السنوية لصالح الولايات الشمالية الثلاث. ثم صار المطلب بعد ذلك إيجاد "وضع خاص" لأقاليم الشمال.
 
 اتفقت أطراف النزاع على "اتفاقية تمنراست" (جنوب الجزائر) المؤلفة من 13 مادة في يناير/كانون الثاني 1991.
 
ونصت الاتفاقية على عبارة "وضع خاص" لأقاليم الشمال والتي تقضي بالاعتراف بتخلف مناطق الأزواديين وتأمين الدعم المالي لتنمية الإقليم، مع التشديد على وضع الأزواديين لسلاحهم.
 
ووقعت اتفاقيةَ تمنراست الحكومة المالية وعن المتمردين الأزواد "الحركة الشعبية لتحرير أزواد" و"الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد".
 
ونظرا لوقوع خروقات أعقبت توقيع الاتفاقية فقد دعمت "بالميثاق الوطني" في أبريل/نيسان 1992، بيد أن المواجهات تجددت في مايو/أيار 1992، ما أدى مجددا إلى نزوح العديد من العوائل من مالي نحو موريتانيا والجزائر.
 
ثم تجددت المواجهات في أبريل/نيسان 1994 واتهم المسلحون الجيش المالي بقتل مئات الأزواديين.
 
وفي منتصف التسعينيات ووفقا لبنود "الميثاق الوطني" تخلى الآلاف من المسلحين الأزواديين عن العمل العسكري، ودمج بعضهم في صفوف الجيش المالي.
 
وتذهب إحصاءات المفوضية العليا للاجئين إلى أن أكثر من 132 ألف أزوادي عادوا إلى مناطقهم بين عامي 1996 و1999.

وفي فبراير/نيسان 2006 انسحب العقيد السابق في الحرس المالي حسن فغاغا إلى مرتفعات جبال آدغاغ إيفوغاس مع 100 مسلح ليحتل مدينة كيدال في مايو/أيار الماضي، متهما الحكومة بتعطيل بنود الاتفاق الذي تم بينها وبين مسلحي الطوارق.
 
وتتهم الحكومة المالية المسلحين "المندمجين" بعدم صدق نواياهم وبتكرار تمردهم ورجوعهم إلى العمل المسلح، في حين يتهمها المسلحون بالتباطؤ في تطبيق الميثاق الوطني وما ينص عليه من خلق تنمية اجتماعية واقتصادية في منطاقهم المهمشة.

 

المصدر: الجزيرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...