قمة أوروبية اليوم تنتظر «مقترحات محددة» من أثينا
اتخذ اليونانيون قرارهم قبل يومين، لكن التبعات لا تزال مبهمة، وردّ فعل الاتحاد الأوروبي لا يزال غير واضح، وخصوصاً في ما يتعلق بالدور المستقبلي الذي سيلعبه في الأزمة اليونانية. مصير اليونان لا يزال مجهولاً، حتى لو اختارت الـ«لا» للإجراءات التقشفية المفروضة عليها، فالتفاوض مع الدائنين يبقى أساساً للتسوية التي اختارها رئيس حكومتها ألكسيس تسيبراس، لكن هذه المرة مع الأخذ في الحسبان نتائج الاستطلاع، الذي وضع الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمته ألمانيا، أمام معضلة جديدة متمثلة بالإبقاء على اليونان في منطقة اليورو أو إخراجها.
ورغم التعنّت الذي لا تزال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعمل على تظهيره، لكن بعض اللّين أصبح ضرورة فرضتها إرادة اليونانيين، التي قد يؤدي تجاهلها إلى خطوة ناقصة لها تبعاتها على إرادة شعوب أخرى منضوية في الاتحاد الأوروبي، وضمن منطقة اليورو.
هذا الأمر وضعته ميركل في عين الاعتبار، وهو ما دفعها، مساء أمس، إلى أن تطالب رئيس الوزراء اليوناني بتقديم اقتراحات «محدّدة»، بعدما أشارت إلى أن شروط إجراء مفاوضات جديدة «غير متوافرة». ميركل لم تغلق الباب أمام التفاوض، هي قالت بعد لقائها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إن «الباب يبقى مفتوحاً للمباحثات. في الوقت نفسه، فإن شروط إجراء مفاوضات جديدة حول برنامج ملموس لآلية الاستقرار الأوروبية لم تتوافر بعد».
وأضافت: «لهذا السبب، ننتظر الآن اقتراحات محدّدة جداً، برنامجاً يتيح أيضاً لليونان استعادة الازدهار»، معتبرة أن «من الملحّ الحصول على هذا النوع من الاقتراحات لنتمكن من إيجاد مخرج من الوضع كما هو اليوم».
في غضون ذلك، أعلنت مجموعة اليورو (يورو غروب)، في بيان، أن وزراء المال في دول المنطقة ينتظرون من السلطات اليونانية أن تعرض، اليوم، «اقتراحات جديدة» تتعلق بالإصلاحات والاقتطاع في الميزانية، في حين صرح نائب ميركل، سيغمار غابرييل، بأن قادة منطقة اليورو سيبحثون في قمة بروكسل، على الأرجح، تقديم مساعدة إنسانية لليونان، من دون توضيح طبيعة هذه المساعدة المحتملة.
ولكن رغم رفض اليونانيين الواضح لخطة الدائنين، والذي أثار ارتباكاً في أوروبا، تبدو ألمانيا غير مستعدة للبحث في إعادة هيكلة الدين اليوناني الضخم، أو في تلبية طلبات تسيبراس بسهولة وسرعة. فقد أشار متحدث باسم وزارة المال الألمانية مارتن ياغر إلى أن «هناك احتمالين. يمكنك أن تقول إنه سيكون هناك خفض للدين هذه أداة. إنها أداة كلاسيكية يستخدمها صندوق النقد الدولي، ومن ثم فإن هذا ليس بالأمر غير المعتاد». وأضاف «إلا أنه في أوروبا وافقنا بشكل مشترك خلال السنوات الماضية على أن نسلك مسلكاً مختلفاً... وهو تطبيق إصلاحات اقتصادية لخلق ظروف تسمح باستدامة الدين. هذا الأمر نجح جداً في جميع البلدان التي وافقت على برامج المساعدات، باستثناء اليونان».
كل الإجراءات والمقترحات تبقى مرتبطة بما قد يخرج به اجتماع قادة مجموعة اليورو اليوم. فبحسب ميركل، يجب الالتفات إلى «رد فعل الدول الـ18 الأخرى» في منطقة اليورو. قالت «إنها الديموقراطية هنا أيضاً. لدينا سيادة مشتركة. نحن (19 دولة) تعتمد العملة نفسها. إذاً، على الجميع أن يكونوا مسؤولين ويظهروا تضامناً».
في هذا السياق، وجّه رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، رسالة إلى قادة مجموعة اليورو الـ19 دعاهم فيها إلى عقد اجتماع عاجل وغير رسمي في بروكسل، مساء اليوم. كما دعا رئيس البنك المركزي الأوروبي ورئيس مجموعة اليورو للانضمام إلى الاجتماع، على أن يسبق ذلك اجتماع آخر بين وزراء مال مجموعة اليورو، في بروكسل، لتقويم الوضع في اليونان.
وبانتظار ما ستؤول إليه هذه الاجتماعات وكيفية التعاطي مع المقترحات التي سيقدمها تسيبراس، فقد عقد البنك المركزي الأوروبي، أمس، مؤتمراً عبر الهاتف لبحث إمكانية ضخ دعم طارئ للنظام المصرفي اليوناني. وفيما يتعين أن يوافق على طلب المركزي اليوناني ضخ المزيد من الأموال للقطاع المالي، فقد أعلن إبقاء القروض الطارئة للمصارف اليونانية على مستواها الحالي، مع تشديد شروطه للمنح مستقبلاً.
وأوضح البنك، في بيان، أن مجلس حكامه «قرر اليوم (الاثنين) إبقاء مستوى السيولة الطارئة للمصارف اليونانية على المستوى الذي حدد في 26 حزيران 2015، بعدما ناقش اقتراحاً لبنك اليونان» المركزي.
ولكن رغم تصريح وزير المال الفرنسي، ميشيل سابان، وغيره من وزراء الاتحاد الأوروبي بأن تصويت اليونانيين ضد شروط الدائنين «لا يعني أن اليونان ستخرج مباشرة من منطقة اليورو»، ورغم تأكيد نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فالديس دومبروفسكيس، أن من الواضح أن «مكان اليونان الطبيعي هو أوروبا، وسيبقى كذلك»، إلا أن العديد من المحلّلين والمراقبين يلمسون ما هو عكس ذلك، حتى إن منهم من وصل إلى خلاصة مفادها: «القضاء على منطقة اليورو للحفاظ على الاتحاد الأوروبي». جوناثان فريلاند كتب في صحيفة «ذا غارديان» البريطانية أن «اليورو يدمّر الحلم الأوروبي». وقال إن على «المهووسين في بروكسل وبرلين أن يساعدوا في تخطي جزء من الركود المالي في اليونان وأن يعملوا على التنمية». كما اعتبر أنه بما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، فهذا الأمر يشكل علامة سيئة بالنسبة للعملة الواحدة، ذلك أن هذه الأزمة تشير إلى رفض الفكرة الأوروبية بحد ذاتها». لذا، تساءل الكاتب عما إذا كانت هذه الكارثة تعني أنه «حان الوقت للقضاء على اليورو بهدف الحفاظ على الاتحاد الأوروبي».
من جهته، تحدث أحد أبرز الاقتصاديين توماس بيكيتي عن دور ألمانيا، بشكل خاص، في أزمة الديون اليونانية، متهماً إياها بأنها «على طريق تدمير أورروبا والفكرة الأوروبية، بسبب جهلها الصادم للتاريخ». وقال الأكاديمي الفرنسي، لصحيفة «دي زيت» الألمانية، إن «ألمانيا ليست في موقف يسمح لها بإلقاء محاضرة على الآخرين»، مضيفاً إن «ما صدمني هو أن ألمانيا هي حقاً المثل الوحيد على بلد لم يقم، خلال تاريخه، بتسديد ديونه الخارجية». كما أكد أنه «إذا أرادت المستشارة الألمانية أن تحافظ على مكانتها في كتب التاريخ، فعليها أن تجد حلاً للمسألة اليونانية».
تيم ستانلي قال في صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية إن «اليونان انقضّت على مستعمرها، والآن حان الوقت كي يسامح الاتحاد الأوروبي، ويعيد هيكلة الدين الذي يدمر البلاد»، مضيفاً إن «على الاتحاد الأوروبي أن يكون رحوماً».
واعتبر الكاتب أن على الاتحاد، أيضاً، أن يعترف بأن اليونانيين «تحدثوا كأمة واحدة»، مؤكداً أن «الوقت قد حان للمسامحة وإعادة الهيكلة تماماً، كما فعل العالم مع ألمانيا في عام 1953».
(الأخبار)
إضافة تعليق جديد