كاتب إسرائيلي يتعرض لاضطهاد قومه بسبب نقده للدولة
هذا الكتاب لم ينزل إلى المكتبات والأسواق بعد، لأنه يترقب مآل الدعوى القضائية المرفوعة ضد صنوه "الوجه الآخر لإسرائيل" في فرنسا من لدن المنظمة اليهودية "لاكريف"، وهي الدعوى ذاتها المرفوعة ضد دار "القلم".
والكتابان معا من تأليف الكاتب والصحافي الإسرائيلي ذي الأصل الروسي إسرائيل آدم شامير الذي يتعرض لمضايقات شديدة من بني قومه على ما خطه من نقد لاذع ضد الدولة الصهيونية ومن تأييد واضح لحقوق الفلسطينيين.
وإذا كان "الوجه الآخر لإسرائيل" قد تناول زوال الدولة العبرية عاجلا أو آجلا، وتمجيد فلسطين تاريخا وأرضا وإنسانا، فإن كتاب "الجنة" كما يدل على ذلك عنوانه التفسيري هو دراسة في التكوين النفسي والديني والتصوري للشخصية اليهودية بناء على مستويات أربعة لما ترمز إليه كلمة "الجنة" في الكتاب الديني اليهودي "الكابالا".
وهذه المستويات هي العلاقة مع المال، والعلاقة مع الخطاب، والعلاقة مع النشاط السياسي، وأخيرا العلاقة مع العقيدة.
ويفصل إسرائيل شامير دراسته لليهودي واليهودية في مجموعة من المقالات المنفصلة والمتتابعة بلغت 13 مقالا يفتتحها بمقال "على طريق السويس" وينهيها بمقال "درس في الحضارة.. في المطعم الصيني"، وبينهما مقالات متنوعة مثل "نكون أو لا نكون"، و"بيشال"، و"عوالم وآلهة" و"الأرض المقدسة" و"لعنة أو مباركة"..
يصرح الكاتب منذ البداية أن القصد من الكتاب هو "فهم وتفسير ما يردده اليهود". وهذه مهمة صعبة للغاية، لأن اليهود ليس لهم قادة معينون مسلم بهم يقررون جميعا إستراتيجية موحدة. ليست لهم قيادة عامة ولا موقع مركزي للقيادة".
ويردف إسرائيل شامير متحدثا عن من هو اليهودي، ليس الآن فحسب، ولكن منذ قرون مضت، إذ أن الأغلبية الساحقة من اليهود بعد الشتات ذابت واندمجت في المجموعات والجماعات التي حلت بها.
ويضرب الكاتب لذلك كثيرا من النماذج والأمثلة المعاصرة، "ففي القرن العشرين، اندمج ملايين من اليهود –بنجاح هم وحفدتهم- في المجتمعات التي يعيشون فيها.
بعض منهم قبلتهم الكنيسة الكاثوليكية، مثل إيديث شتاين، وقبلتهم الكنيسة الأرثوذكسية، مثل الأب ألكسندر ماين. وآخرون أيضا دخلوا في الإسلام مثل صديقي الإسرائيلي الرائع نيتا غولان.
وآخرون كثيرون جدا تزوجوا من خارج اليهودية فقطعوا كل صلة لهم باليهود.
ومن المعلوم في شريعة اليهود وتقاليدهم أن الزواج بغير اليهودية علامة فارقة، بل إن هذا الزواج، كما قالت رئيسة الوزراء الصهيونية السابقة غولدا مائير، يعتبر "أخطر من المحرقة".
ومن ثم يخبرنا الكاتب أن كلا من إليوت أبراهامز مدير مكتب الشرق الأوسط بالبيت الأبيض على عهد الرئيس الحالي جورج بوش، وديبوراه ليبسدات، الذي كتب وحاضر كثيرا ضد نفاة الهولوكوست، قاما بحملة ضخمة ضد الزواج المختلط بين اليهود و"الغوييم" (أي الأمميين من غير اليهود).
غير أن هذا "النزيف" المخيف أوقف في العقود الأخيرة، وتنافس المرشحون للرئاسة الأميركية سنة 2004 في إظهار "الطهارة العرقية" والجذور النقية والبراءة من "تلوث الأنساب".
فالجنرال ويسلي كلارك صرح بأنه "ينحدر من سلالة طويلة من أحبار مينسك"، وهيلاري كلينتون كان لها جدتان تزوجت إحداهما ماكس روزنبيرغ، بينما علم جون كيري متأخرا أن أجداده الأقربين لأمه وأبيه، كانوا يهودا غيروا الاسم العائلي من آل الكوهن إلى آل كيري أثناء حملة أمركة الأسماء.
يصف إسرائيل آدم شامير اليهود بأنهم لصوص ومجرمون، لا بل يقفون على رأس المنظمات الإجرامية العالمية الخطيرة، ويذهب إلى أبعد من ذلك فيقول إنهم لصوص الشعب الأميركي الذين لم يعرف مثلهم في تاريخه.
ويسوق الكاتب على ذلك الشهادات والحجج والنماذج، معتمدا على دراسات ومقالات وتحقيقات. ينقل في البداية مقاطع من دراسة أنجزت مؤخرا في الولايات المتحدة الأميركية على يد ليزا كيستير الأستاذ المساعد في علم الاجتماع بولاية أوهايو، إذ يذهب الباحث إلى أن "متوسط الثروة لليهود في الولايات المتحدة تصل إلى 150890 دولارا، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط الثروة للأميركيين التي تبلغ 48200 دولار.
ويستعرض الكاتب أسماء اليهود الذين تحكموا في بورصة وول ستريت وكانوا سببا في اندلاع أزمات مالية سوداء دون أن يشعروا بذرة من الرحمة في حق الآخرين.
أكثر من ذلك يورد الكاتب إحصائيات عن زعامة اليهود للمنظمات الإجرامية الخطيرة، ومنها أن "50% من كبار المجرمين الذين يديرون العمليات هم من اليهود، كما أن المجرمين اليهود هم الذين نظموا ومولوا القسم الأكبر من عمليات ترويج المخدرات بالولايات المتحدة، وهم الذين كانوا يدافعون عن الطائفة اليهودية ويقدمون لها المساعدات اللازمة".
فموردر كان يقدم الأسلحة للصهاينة، وميكي كوهن كان يجمع الأموال للإرهابيين اليهود في "الإرغون"، ومايير لانسكي رأس المافيا الأميركية اغتال مصدّرا للأسلحة لأنه باعها للعرب.
ورغم أن الدكتور ويليام بييرس معروف بعدائه اليميني لليهود فإن ذلك لا يمنع المؤلف من الاستشهاد بأقواله ودراساته عن اليهود.
ويسترسل إسرائيل آدم شامير مع ويليام بييرس في ذكر أسماء كبار المجرمين وجرائمهم بأميركا، فلا يذكر سوى اليهود، ويذكر من بينهم صاحب أكبر سرقة في تاريخ الولايات المتحدة شالوم فايس الحاخام الأرثوذكسي الذي استولى على 450 مليون دولار من شركة التأمين "ناشيونال إيريتاج".
ويمضي الكاتب بعد ذلك إلى تبيان العلاقة بين اليهود وكبار المجرمين واللصوص، وبعد استعراض حالات ووقائع وأسماء يخلص إلى قاعدة مفادها أن كبار اللصوص هم أحباء اليهود.
ولا يقتصر الحال على أميركا، بل في روسيا أيضا يتربع اليهود على زعامة اللصوصية الكبرى، وعلى قمم القنوات الإعلامية الضخمة يجلس اليهود لإحكام القبضة على العقول والأفئدة.
وينقل عن البروفيسور بنيامين غرانسبيرغ أستاذ العلوم السياسية بجامعة جون هوبكينز قوله إنه "رغم أن اليهود لا يمثلون سوى 2% من سكان الولايات المتحدة، فإن نحو نصف المليارديرات الأميركيين هم يهود. والمديرون التنفيذيون للقنوات الثلاث الرئيسية للتلفزيون ومديرو الإستديوهات الأربعة الكبرى للسينما، هم يهود، وكذلك الحال بالنسبة لمالكي المجموعات الصحافية الكبرى، وعلى رأسها نيويورك تايمز".
"حمار المسيح" هو كتاب يحدثنا عنه إسرائيل آدم شامير، وهو من تأليف إسرائيلي آخر يدعى سيفي راشليفسكي.
وقد أكد هذا الكاتب في كتابه أن المؤسسة الدينية لليهود (الكابالا) تعتبر أن عامة اليهود ليسوا سوى "حمار للمسيح"، إذ كتب عليهم أن يحملوا المسيح دون أن يفهموا طبيعة وظيفتهم.
ويعلق آدم شامير مؤكدا أن الكتاب حقق انتشارا كبيرا جدا في إسرائيل وبيعت منه نسخ قياسية على الرغم من اتهام صاحبه بأنه "لا سامي".
غير أن آدم شامير يرى أن سيفي راشيليفسكي أخطأ عندما قصر تهمة كراهية الأمميين والنهم نحو السلطان المطلق والقيام بوظيفة "حمار المسيح" على اليهود المتدينين، لأن الصهاينة أيضا يقومون بالوظيفة نفسها، بل إن اليهود جميعا، في نظر إسحاق آدم شامير، يحملون المسيح فوق ظهورهم كمثل الحمار يحمل أسفارا.
واليهود يفعلون هذا، كما يفسر شامير، بطريقة لا وعي فيها، لأن "حمار المسيح" حال نفسية وليست شخصا من شحم ولحم.
يوافق إسرائيل آدم شامير كاتبا آخر هو المؤرخ المناهض للصهيونية جواشيم مارتيو في اعتبار الصهيونية وحشا يهوديا أوروبيا ضاريا انسلخ من الدين انسلاخا تاما.
لكن شامير يمضي أبعد من ذلك فيرى أن الوحش أضخم مما يبدو لنا، وأنه خاض معركة طويلة في أوروبا فاستطاع تهويدها وإفراغها من الألوهية والتدين ليبقى له المجال فسيحا ويتمكن من قطع الصلة بين الإنسان والألوهية وإغراقه في الفوضى والمادية، وبذلك يفترس ما شاء كيف يشاء.
وليس لليهود عباقرة يتميزون بشيء لا يوجد عند الآخرين حتى تمكنوا من توجيه الفكر الغربي، بل هم قوم عاديون، كما يحلل الكاتب، نجحوا في جعل برنامج عملهم برنامجا عالميا يتبناه الأوروبيون والأميركيون.
ويقدم الكاتب بعض النماذج عن ذلك: ففي الحرب العالمية الثانية ألقيت قنبلة نووية على اليابان فمسحت من الخريطة مدينتين كبيرتين هما هيروشيما وناغازاكي، وتعرض اليهود في الوقت نفسه لمحرقة على يد الزعيم الألماني النازي هتلر، غير أن الإعلام ركز أكثر على اليهود المعذبين ولم يركز حتى بالقدر ذاته على اليابانيين الغابرين في لمح البصر.
وقبيل علو اليهود في سنة 1968 اشتهر فيلم "هيروشيما هي حبي"، غير أنه بعد ذلك طمس الفيلم وطغى عليه فيلم "لائحة شنايدلر".
وما ذلك إلا لأن اليهود سيطروا على وسائل الإعلام والسينما فتمكنوا وفق تعبير الكاتب الإسرائيلي شامير، من تحويل الناس إلى بهائم مدجنة.
يتساءل الكاتب في خواتيم كتابه المثير: ماذا يريد اليهود في الأرض المقدسة؟ ويورد تصريحا من تصريحات مؤسس الدولة الصهيونية بن غوريون لمجلة "لوك" عام 1962 يعرض فيه رؤيته المستقبلية للكيان الإسرائيلي، حيث يتوقع إقامة الحكومة العالمية سنة 1987 والمحكمة العليا للإنسانية في القدس وبناء هيكل سليمان بالمدينة المقدسة ذاتها.
ولبلوغ ذلك تولى يهود كبار تدجين العالم إعلاميا واقتصاديا، وضرب إسرائيل لذلك مثلين اثنين هما جابوتنسكي وسورس اللذان يقومان بمهمتين مختلفتين لمصلحة نظام يهودي عالمي واحد.
وحتى لا تصبح الأرض قاعا صفصفا، والبشرية خبرا مؤسفا، يستنهض الكاتب همم العقلاء في هذا العالم ويستحث الضمير العالمي لإيقاف الوحش قبل فوات الأوان مقترحا قيام دولة ديمقراطية واحدة تشمل اليهود والفلسطينيين.
ففي النهاية لا فرق بين الأهالي الفلسطينيين واليهود المهجرين من الناحية البيولوجية، فكلهم لآدم وصبغياتهم الجينية متطابقة حسب دراسة قام بها بروفيسور الجينات الإسباني أنطونيو أرنئيز فيلينا.
لكن الفروق بينهم دينية وثقافية، وليس مستحيلا أن يتصالح أبناء إبراهيم مرة أخرى ويتجنب العالم مصيرا كالحا.
ويضيف الكاتب في آخر كلماته أن ليس بعد صلب المسيح عليه السلام إلا البعث والعودة من جديد.
يعتبر الكاتب الإسرائيلي إسرائيل آدم شامير من الكتاب المزعجين لدولة إسرائيل ولوبياتها المنتشرة في أوروبا وأميركا، نظرا لاطلاعه على أسرار البيت اليهودي والصهيوني، ونظرا أيضا لأسلوبه النافذ وبلاغته الساحرة وعلاقاته المؤثرة ودفاعه عن الحق الفلسطيني في الوجود.
ولذلك تشن ضده حملات الإسكات والتشويه والتشويش لمنع صوته من العلو والظهور رغم اعتراضه على أساليب المقاومة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة.
والسؤال الذي ينتصب في النهاية هو كيف يمكن استثمار مثل هذه المواقف لفائدة الحق الفلسطيني والحق الإنساني في الاختلاف والتعايش؟
ثم هل يمكن فعلا للوحش إذا طغى وعلا أن يتخلى عن طغيانه وعلوه ويعترف بما اقترفت يداه، ويحكم في حقه القضاء العادل بما يراه مناسبا؟
وهل سيقبل المجرم بالحكم إذا صدر وينفذ فيه العقاب المنتظر؟ فإن جرائمه لا تعد ولا تحصى، ومفاسده ليست تنسى إلا بقصاص عادل للذين كانوا أظلم وأطغى.
حسن السرات
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد