كسب تضمّد جراحها
لم يكد الجيش السوري يعلن سيطرته على بلدة كسب الحدودية مع تركيا، في ريف اللاذقية الشمالي، حتى بدأ أهالي البلدة ورجال الدين يتوافدون إليها، لتفقد الأضرار التي ألحقها بها وجود المسلّحين لمدة 3 أشهر، في ظل غياب شبه تام للمعارك.
«لا آثار لمعركة كبيرة في البلدة»، يقول أحد السكان الذين زاروا المنطقة عقب تحريرها، مشيراً إلى أن منزله، كباقي منازل البلدة، تعرض للنهب من قبل المسلحين المتشددين. ويضيف: «آثار الدمار تبدو واضحة في ساحة البلدة، كما تعرضت بيوت عدة على أطرافها للحرق».
الطريق إلى كسب آمن، يؤكد مصدر عسكري تحدث، مشيراً إلى أنه بالرغم من الدقة في عمليات التفتيش عند الحواجز المؤدية إلى البلدة إلا أن طبيعة المنطقة وتنظيمها الكنائسي والدور الفعال الذي يؤديه رجال الدين فيها تسهّل عودة المواطنين إليها، موضحاً أن كثيراً من الشبان ورجال الدين دخلوا كسب منذ سيطرة الجيش عليها، كما دخلوا قرية النبعين القريبة، في حين لا تزال تجري عمليات تمشيط قرية السمرا قبل السماح للمدنيين بدخولها.
87 يوماً من سيطرة المسلحين على البلدة المحاذية للحدود التركية تختصرها كتابات ورايات المسلحين على جدران البلدة، المتاريس، والبيوت التي خلى معظمها من أثاثها، حيث تسبب دخول المسلحين إلى البلدة بتهجير نحو 600 عائلة، بالإضافة إلى عشرات العائلات المهجرة من مناطق أخرى في سوريا، والتي لجأت إلى كسب، التي كانت آمنة بسبب الاتفاقيات الموقعة بين سوريا وتركيا، والتي تنص على قيام أنقرة بحماية الحدود المشتركة بين الدولتين عن طريق نشر قوات عسكرية، أما سوريا فعليها مراقبة الحدود عن طريق مخافر الشرطة، حيث لا وجود للجيش السوري إلا بعمق 15 كيلومترا عن الحدود.
ويفيد راعي كنيسة الأرمن الإنجيلية في كسب القسيس سيفاك طراشيان بأن ثلاثة أشخاص فقط (رجلين وامرأة) رفضوا الخروج من كسب، بعد أن قام المسلحون بنقل 25 آخرين إلى تركيا، ومنها إلى لبنان (كنا كشفنا تفاصيل عملية تحريرهم في 17 أيار الماضي)، مشيراً إلى أن «هؤلاء الثلاثة هم من المسنين، على الأرجح بقوا في منازلهم، ولعل سنهم ووضعهم الصحي دفعا المسلحين إلى تجاهل وجودهم».
ويضيف القسيس، الذي سارع إلى كسب بعد إعلانها منطقة آمنة، إن «المعالم الأثرية والدينية في البلدة هي الأكثر تضرراً، فقد قام المسلحون بسرقة آثار عدة منها، كما تعرضت للحرق والتخريب»، مشيراً إلى أن «الكنائس الأربع، التي تعتبر أثرية، في كسب والقرى التابعة لها تعرّضت جميعها للتخريب والسرقة»، مؤكداً أن الكنيسة الإنجيلية هي الأكثر تضرراً كونها تقع في ساحة البلدة.
وفي حين تشير مصادر رسمية سورية إلى أن سكان البلدة بدأوا بالعودة إلى منازلهم، يؤكد مصدر أهلي، أن عدد هذه العائلات ما زال قليلاً، بسبب التدمير الكامل للبنى التحتية، موضحاً أن شبان البلدة يقومون بشكل يومي بالانتقال من اللاذقية إلى كسب لتفقد منازلهم، وإعدادها تمهيداً لعودة العائلات.
وقد بدأت ورش الصيانة عملها لإعادة الكهرباء والاتصالات ومياه الشرب للبلدة، في حين يتوقّع أن تنهي هذه الورش أعمالها خلال أيام عدة بالنظر إلى الجهد الحكومي الذي انصب بشكل كبير على كسب بسبب موقعها المحاذي لتركيا من جهة، ولكون «معركة كسب» تعتبر إستراتيجية على مختلف الأصعدة من جهة أخرى، على حد تعبير مصدر رسمي.
وإلى جانب المعالم الدينية التي تضررت في البلدة، فقد تسبب دخول المسلحين باحتراق المركز الثقافي الذي يبلغ عمره نحو 150 عاما. ويصف طراشيان المشهد قائلا: «قاموا بإحراق المركز الثقافي، واعتدوا على الكنائس ومحتوياتها الأثرية. كل هذه التصرفات تظهر بشكل جلي طبيعتهم، وأهدافهم»، موضحاً أن عمليات الجرد مستمرة لتحديد الأضرار والمسروقات.
وفي الإطار عينه، أشارت مصادر رسمية إلى عودة نحو 250 عائلة، فيما تنتظر مئات العائلات الأخرى انتهاء عمليات إصلاح وترميم الأضرار التي تعرضت لها البنى التحتية من جهة، والوعود الحكومية بتعويض المتضررين من أبناء البلدة من جهة أخرى.
وقد نشر طراشيان، على حسابه على موقع «فايسبوك» صورة له في كسب أرفقها بالتعليق التالي: «قبل شهر من الآن، جلس إرهابي من جبهة النصرة هنا ودعا إلى الجهاد. واليوم، سنعيد البناء من جديد إن شاء الله».
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد