كيف اختار أوباما الحربَ على السلام في سوريا

03-04-2013

كيف اختار أوباما الحربَ على السلام في سوريا

الجمل - شيموس كوك- ترجمة: د. مالك سلمان:

مع وقوف سوريا على حافة الدمار الكامل, لدى البلدان الخارجية خياران اثنان: المساعدة على الخروج من هذه الكارثة, أو الإمعان في إغراق هذا البلد الممزق في الهاوية. إذ بمقدور البلدان الأخرى أن تعملَ باتجاه حل سياسي سلمي, أو بإمكانها الاستمرار في ضخ الأموال والأسلحة والمقاتلين إلى داخل البلد لضمان استمرار نزيف الدم.
لن يتحدث الرئيس أوباما عن السلام. فقد اختار الحرب منذ البداية وهو ملتزم بهذا الخيار. وقد كشفت مقالة نشرتها مؤخراً "نيويورك تايمز" أن الرئيس أوباما كان يكذب طيلة الوقت حول مستوى التورط الأمريكي في الأزمة السورية.
قال الرئيس مؤخراً إن الحكومة مستمرة في تقديم المساعدة العسكرية "غير الفتاكة" فقط إلى المتمردين, لكن "نيويورك تايمز" كشفت أن "سي آي إيه" كانت تنقل وتوزع شحنات ضخمة من الأسلحة إلى المتمردين عبر الحدود الأردنية والتركية.
وقد أشرفت الحكومة الأمريكية على "قناة" تهريب الأسلحة غير الشرعية هذه منذ كانون الثاني/يناير 2012. وقد كانت, بالمعنى الحرفي للكلمة, قوامَ الحياة بالنسبة إلى "المتمردين" السوريين, وبالتالي سببَ سفك الدماء في سوريا.
جاء في "نيويورك تايمز":
"إن دور ‘سي آي إيه’ في تسهيل شحنات [الأسلحة] ... قد منحت الولايات المتحدة درجة من التأثير على عملية [توزيع الأسلحة] ... وقد أكد مسؤولون أمريكيون أن مسؤولين رفيعين في البيت الأبيض كانوا دائماً على اضطلاع على شحنات [الأسلحة]."
كما تبين المقالة أن "تقديراً متحفظاً" لشحنات الأسلحة حتى الآن يشير إلى (3,500 طناً).
إذاً, فبينما كان أوباما يكذب باستمرار حول المساعدة العسكرية "غير الفتاكة"و كان متورطاً بشكل شخصي في الإشراف على ضخ كميات كبيرة من الأسلحة إلى سوريا عبر بلدان مختلفة, وصل الكثير منها إلى المنظمات الإرهابية. فالقوة المقاتلة المؤثرة الوحيدة بين صفوف المتمردين السوريين هي المجموعة الإرهابية المسماة "جبهة النصرة", والآن نعرف تماماً من أين حصلت على أسلحتها.
لولا تدفق الأسلحة المدعوم من قبل الولايات المتحدة, لكان المتمردون السوريون – الذين تقاتل بين صفوفهم أعداد كبيرة من المملكة السعودية وبلدان أخرى – قد هزموا عسكرياً منذ وقت طويل. ولكان بالإمكان إنقاذ حياة عشرات آلاف الأشخاص, مع بقاء حوالي مليون مهجر في بيوتهم في سوريا. هذا إضافة إلى تجنب التطهير العرقي والديني الكبير الذي قام به المتمردون.
لكن أوباما مصر على الحرب إلى درجة أنه يرفض التحدث عن السلام مع الحكومة السورية. لقد كرر باستمرار أن هناك "شروطاً مسبقة" لمفاوضات السلام أهمها سقوط الحكومة السورية؛ أي, تغيير النظام. فإذا كان إسقاط حكومة بلد ما شرط أوباما المسبَق للسلام, فهذا يعني أن أوباما قد اختار الحرب.
لا يهم إن كانت سوريا بلداً ذا سيادة يجب ألا يقلق حول بلد أجنبي يتدخل في من يحكمه. إذ لا يبدو أن أوباما يرى أية أهمية لذلك. ففي حقيقة الأمر, كانت إدارته منشغلة جداً في تحديد الحكومة "الشرعية" لسوريا, من خلال انتقاء أعضاء "الائتلاف الوطني للثورة السورية", ورئيس حكومة مؤقتة يحمل الجنسية الأمريكية.
إن أحد الشروط التي يجب على أعضاء "الائتلاف الوطني للثورة السورية", التابع لأوباما, الالتزام بها هو رفض مفاوضات السلام مع الحكومة السورية. وبالطبع, يريد معظم السوريين وضع حد فوري للنزاع في سوريا, بما أنه يهدد بتدمير البلد على النمط العراقي.
استقال مؤخراً الرئيس الأكثر شعبية ﻠ "الائتلاف الوطني للثورة السورية", معاذ الخطيب, احتجاجاً على منعه من الدخول في مفاوضات سلام من قبل رئيس وزراء الحكومة المؤقتة المعين من قبل الولايات المتحدة, غسان هيتو, وهو مواطن أمريكي عاش في الولايات المتحدة طيلة الثلاثين سنة الأخيرة.
جاء في صحيفة "الغارديان":
" بعد تعيينه رئيساً مؤقتاً للوزراء, نأى غسان هيتو [وهو مواطن أمريكي] بنفسه عن رغبة الخطيب بالتفاوض مع شخصيات من نظام الأسد في محاولة لوضع حد للحرب الأهلية.
من خلال تعيين هيتو قائداً للمعارضة, قام أوباما بتفتيت المعارضة المفتتة سلفاً مع تحديد ‘رفض المفاوضات السلمية’ كسياسة رسمية للمعارضة المدعومة من الولايات المتحدة, والتي تسمى الحكومة ‘الشرعية’ في سوريا.
وقد ضغط أوباما مؤخراً على ‘الجامعة العربية’ – المكونة من أنظمة موالية للولايات المتحدة – لمنح عضوية الجامعة ﻠ ‘الائتلاف الوطني للثورة السورية’ المختار من قبل الولايات المتحدة بصفته الحكومة السورية الرسمية. ولم يمنح هذا التعيين الكثيرَ من المصداقية للمعارضة بقدر ما أساءَ لشرعية ‘الجامعة العربية’.
وينطوي منح مقعد الجامعة للمتمردين, مرة أخرى, على أن الولايات المتحدة وحلفاءَها مصممون تماماً على ‘تغيير النظام’, بغض النظر عن عدد القتلى, وبغض النظر عن كافة البدائل السياسية المتوفرة. ولن يغيروا مسارَهم هذا."
وقد وصفت الحكومة الروسية قرارَ عضوية "الجامعة العربية" بأنه "... تشجيع علني لقوات المتمردين المستمرة, للأسف, في الاعتماد على حل عسكري في سوريا, دون الاهتمام بآلام وعذابات الشعب السوري المتزايدة يوماً بيوم. ... إن موسكو مقتنعة أن بمقدور التسوية السياسية فقط, وليس التشجيع على السيناريوهات العسكرية المدمرة, إيقاف نزيف الدم وإحلال السلام والأمن لكافة السوريين في بلدهم."
رفض أوباما الدعوات الروسية والسورية لمفاوضات السلام في الأشهر الأخيرة, مع دعمه المتزايد لخطة نقل الأسلحة. وقد علقت "رويترز" على ردة فعل إدارة أوباما على مقترحات السلام السورية والروسية, قائلة:
" ... واجهت دعوة [وزير الخارجية السوري] إلى إجراء مباحثات [سلام] رفضاً قاطعاً من وزير الخارجية الأمريكية جون كيري, الذي كان يفتتح جولته على تسع عواصم أوروبية وعربية في لندن [للمساعدة في تنظيم المساعدات المقدمة للمتمردين السوريين]."
يرفض أوباما السلام لأنه لا يستطيع إملاءَ نتائجه. فعندما يأتي الأمر إلى الحرب فإن الطرف الأقوى يقرر شكلَ السلام, ولا يزال متمردو أوباما – بعد سنتين – في وضع بائس لا يمكنهم من المساومة على سلام يخدم الولايات المتحدة, بغض النظر عن أطنان الأسلحة التي ضختها الولايات المتحدة في سوريا. ويعود ذلك إلى حقيقة أن الحكومة السورية لا تزال تتمتع بقاعدة اجتماعية واسعة من الدعم, وهو شيء لن تقرأ عنه إلا فيما ندر في الإعلام الأمريكي.
برزت علامة أخرى تدل على شبق إدارة أوباما للحرب بعد اتهام الحكومة السورية للمتمردين بالوقوف وراء الهجوم بالأسلحة الكيماوية. حيث قامت الحكومة الأمريكية مبدئياً بإغفال هذا الاتهام إلى أن اتهم المتمردون, لاحقاً, الحكومة السورية بالوقوف وراء الهجوم.
ولكن حتى المتمردون السوريون اعترفوا أن الهجوم بالسلاح الكيماوي حصل في منطقة تسيطر عليها القوات الحكومية, وأن 16 جندياً سورياً حكومياً قد ماتوا في الهجوم, بالإضافة إلى 10 مدنيين ومئة من الجرحى. لكن المتمردين يطلقون الزعمَ العبثي القائل إن القوات الحكومية هاجمت نفسَها, عن طريق الخطأ, بالأسلحة الكيماوية.
بغض النظر عن المسؤول عن الهجوم, تخطط إدارة أوباما تحميلَ المسؤولية للحكومة السورية لتجاوز "الخط الأحمر" المتمثل في الهجوم بالأسلحة الكيماوية (نسخة أوباما عن مسألة "أسلحة الدمار الشامل" سيئة الصيت). ويشير الخط الأحمر إلى تدخل عسكري مباشر, مقابل سفك الدماء المستمر الذي شكلَ السياسة الأمريكية حتى الآن.
أصدرت مبعوثة أوباما إلى الأمم المتحدة, سوزان رايس, بياناً حول الهجوم بالأسلحة الكيماوية كررت فيه, تبعاً ﻠ "نيويرك تايمز", "... تحذيرات أمريكية سابقة أنه ستكون هناك ‘عواقب’ في حال استخدمت حكومة الأسد الأسلحة الكيماوية أو فشلت في تأمينها."
وفي هذه الحال, إذا حصل المتمردون السوريون على الأسلحة الكيماوية وقاموا باستخدامها ضد الحكومة السورية – كما يبدو مما حصل – فإن الحكومة السورية ستكون مسؤولة, تبعاً لإدارة أوباما, "لفشلها في تأمين الأسلحة الكيماوية."
ليس هناك أي مجال للحقيقة في منطق كهذا. لكن المنطق الشاذ يخدم في حماية متمردي أوباما الذين ارتكبوا أعمالاً وحشية فظيعة ضد الشعب السوري, والذين يتمتعون بحماية سياسية وإعلامية كبيرة من الولايات المتحدة.
لقد ولدت الحرب السورية برمتها من كذبة كبيرة تقول إن المعركة بدأت – وهي مستمرة – بصفتها كفاحاً شعبياً مسلحاً. لكن الثوريين الحقيقيين في سوريا من أمثال "هيئة التنسيق الوطنية" أعلنوا منذ وقت طويل أنهم يريدون حلاً سلمياً لهذا النزاع.
إن تصميم أوباما, المشابه لبوش, على إسقاط الحكومة السورية قاده في نفس الطريق التي مشى فيها سلفه, مع فارق أن أوباما يخوض حرباً "أكثر ذكاءً"؛ أي أنه يستخدم وسائل أكثر خداعاً لتحقيق الغايات نفسها, وبنفس الثمن من المعاناة الإنسانية الكبيرة.

تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 28 آذار/مارس 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...