لبنان جمهورية بلا رأس يحكمها فخامة الفراغ
لبنان جمهورية بلا رأس، للشهر الثاني على التوالي، وهو واقع مرشح لأن يطول، في ظل الاشتباك السياسي المفتوح على خط الرياض ـ دمشق، حيث كان يؤمل أن تسفر المساعي الإقليمية تطويقاً للتوتر بين الجانبين السعودي والسوري، وجاءت الوقائع الأخيرة بالتعامل مع الملف اللبناني، لتظهر أن التوتر يتفاقم، ما يعني أن خيار «فخامة الفراغ» مرشح للاستمرار، وهو الأمر الذي ألمح اليه مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش، بتأكيده أمام أكثر من مسؤول لبناني «إذا لم تنتخبوا قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية فوراً ومن دون أية شروط، يجب أن تتكيفوا مع استمرار الرئيس فؤاد السنيورة على رأس السلطة حتى إشعار آخر».
وما يعزز هذا الاعتقاد، الانعطافة التي بدأت تظهر من خلال خطاب رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، على لسان وزراء ينطقون باسمه من السرايا الكبيرة، حيث بدأ يجري تحضير الرأي العام لإمكان انتقال الحكومة من مرحلة تصريف الأعمال، «الى مرحلة ممارسة مهامها الدستورية بصورة كاملة، بما في ذلك اتخاذ قرارات أساسية، تحت عنوان «تسيير عجلة الدولة» على حد تعبير أحد الوزراء.
وبينما اعلن رسمياً أن الحكومة ستنعقد في الساعات المقبلة، وستقر مشروع قانون التعديل الدستوري للمادة 49 من الدستور تمهيداً لإرساله الى مجلس النواب لإحراج رئيسه، بالإضافة الى إقرار مرسوم فتح دورة استثنائية، قالت مصادر في الأكثرية ان هناك صعوبات حالت دون تمكن رئيس الحكومة من توفير نصاب الثلثين في الأسبوع الماضي وهو واقع مرشح لأن يتكرر اليوم، وبالتالي، من المستبعد أن تقر الحكومة مشروع التعديل، كما من المستبعد أن يصار الى تعيين وزير بديل للوزير الشهيد بيار الجميل كما أشيع مؤخراً.
وفي الوقت الذي بدت فيه جلسة يوم السبت المقبل، بحكم المرشحة للتأجيل، وهو أمر حسمه النائب العماد ميشال عون أمس، كانت المعارضة، في حالة ترقب للموقف، اذ أنها «لم تتلق حتى الآن أي إشعار، لا من الأمانة العامة للجامعة العربية، ولا من الجانب الفرنسي، أو «الترويكا» الأوروبية حول احتمال خروج الأكثرية، وتحديداً الرئيس السنيورة، عن سقف «التعهدات المتبادلة» التي تم تبادلها عشية (الفراغ الدستوري» على حد تعبير قيادي بارز في المعارضة.
وإزاء هذا الواقع الانتظاري، قرر بعض النواب من الأكثرية والمعارضة، تمضية عطلة الميلاد في الخارج، مع احتمال وصلها بعطلة عيد رأس السنة، ما يعني ان المحاولة الحادية عشرة لعقد جلسة نيابية عامة لانتخاب رئيس للجمهورية في التاسع والعشرين من الجاري، سيكون مآلها، مآل المحاولات السابقة، الا اذا نجحت محاولة ربع الساعة الأخير من الجانب الفرنسي لإنقاذ الموقف «عبر اعتماد مخارج جديدة تتجاوز كل الطروحات التي تم تداولها في الآونة الأخيرة»، على حد تعبير مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية.
ووفق المصادر نفسها، فإن الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان، يجري مداولات يومية، مع الفريق المكلف بالملفين اللبناني والسوري، في الأليزيه والـ(كي دورسيه»، كما بقي على تواصل مباشر مع القيادات اللبنانية ومع وزير الخارجية السوري وليد المعلم. وأشارت المصادر الى أن ما أسميت «الفرصة الأخيرة» من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، «كانت عبارة عن محاولة فرنسية للضغط على الأطراف اللبنانية للسير بالتوافق، ولكن لم تعط النتائج المرجوة».
وأضافت المصادر أن الجانب الفرنسي أبلغ دمشق أن ثمة متغيرات حاصلة في المناخ الدولي، وخاصة الأميركي، لا يمكن تجاوزها، ولذلك، ينبغي المفاضلة بين أحد خيارين، اما الانتخاب بالنصف زائداً واحداً أو الاستجابة لنداء باريس بالذهاب الى الانتخاب التوافقي للعماد ميشال سليمان من قبل الموالاة والمعارضة ومن دون أية شروط مسبقة، وذلك في تراجع فرنسي، عن المبادرة التي كانت قد أرسيت في بيروت، من قبل الوزير برنار كوشنير مع الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري في عين التينة.
وحسب المصادر نفسها، فإن الجانب السوري أبلغ الفرنسيين بأنه ملتزم بما تم التوافق عليه بين بري والحريري، وأنه لن يضغط على حلفائه اللبنانيين، لأجل قبول ما يتناقض ومصلحة الشراكة الوطنية التي طالما نادوا بها منذ سنة حتى الآن.
وتبعاً للمصادر ذاتها، فإن الجواب نفسه، أبلغه الرئيس بري الى غيان، خلال محادثة بينهما استمرت أكثر من نصف ساعة يوم الجمعة الماضي، ونقلت المصادر عن بري قوله لغيان «هناك شروط للشراكة الحقيقية ولا يمكن فرض الشراكة بالقوة على طرف لا يريدها. نحن نادينا وما نزال بالشراكة، اما اذا كان الفريق الآخر، يريد أن يحكم لوحده، فلا مانع لدينا، لكن نريد منهم أن يعلنوا ذلك. عندها نذهب سوية وننتخب رئيس الجمهورية، وهم يتصرفون كسلطة حاكمة ونحن نتصرف كمعارضة، ونستمر كذلك حتى الانتخابات النيابية المقبلة، ومن يفز بالانتخابات وقتذاك يتصرف بالطريقة نفسها، ونكرس واقعاً جديداً في التعامل السياسي الداخلي».
وأوضحت المصادر أن باريس عرضت اقتراحا يقضي بعقد اجتماع ثلاثي في العاصمة الفرنسية يشارك فيه كل من بري وعون والحريري من أجل حسم موضوع رئاسة الجمهورية، غير أن عون تحفظ على الاقتراح، بينما رفضه الحريري نهائياً واقتصرت الموافقة على الرئيس بري، ولذلك تقرر غض النظر عنه.
ووفق المصادر نفسها، فإن غيان تبلغ رسمياً من المعارضة اللبنانية أبرز بنود ورقة العمل التي تم تسليمها الى العماد ميشال عون وتتضمن الآتي: انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، اختيار رئيس الحكومة في ضوء الاستشارات النيابية الملزمة، تشكيل حكومة وحدة وطنية وفقاً للتمثيل النسبي للكتل في مجلس النواب (المضمون نفسه تقريباً الذي اقر بين بري والحريري بحضور كوشنير).
كما تتضمن الورقة تأكيداً من المعارضة على صيغة القضاء دائرة انتخابية وتأكيد عودة المهجرين اللبنانيين وتعيين أعضاء المجلس الدستوري واعتماد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في تعيينات الفئة الأولى في الإدارات والمؤسسات العامة.
وقالت المصادر الدبلوماسية، إن الجانب الفرنسي تبلغ عبر قنوات موثوقة أن المعارضة اللبنانية تعتبر أن العماد ميشال سليمان بات رئيساً للجمهورية، لكن المشكلة تكمن في باقي عناوين التسوية السياسية، ولذلك قرر الفرنسيون تقديم اقتراحات جديدة بينها إعادة تثبيت حق الأكثرية في امتلاك النصف زائداً واحداً في الحكومة المقبلة، مقابل منح المعارضة الثلث المعطل وربما أكثر (12 أو 13 وزيراً)، على أن يكون نصيب رئيس الجمهورية وزيراً أو اثنين. وأشارت الى أن هذه الأفكار قيد التداول في نطاق ضيق وربما يجري التداول بها مع كل من الرئيس بري والنائب الحريري في الساعات المقبلة.
يذكر أن النائب الحريري أمضى عطلة عيد الأضحى في المملكة العربية السعودية، وتردد أنه قد يتوجه الى العاصمة الفرنسية لمتابعة الاتصالات حول لبنان، فيما عاد الى بيروت، ليل أمس الأول، السفير السعودي د.عبد العزيز خوجة، على أن يلتقي عدداً من القيادات السـياسية في غضون الساعات المقبلة.
في المواقف الداخلية، أكد العماد عون ان مطالب المعارضة وطنية وليست إقليمية او دولية، ورأى ان العقدة تكمن في الموالاة التي ترفض المشاركة، لافتاً الانتباه الى ان لا تباشير حتى الآن بإمكان انتخاب رئيس الجمهورية السبت المقبل.
ونبه عون في مقابلة مع محطة «اي ان بي» الى انه في حال حصول الانتخابات الرئاسية من دون تفاهم سياسي فإن الموالاة التي تملك الأكثرية تستطيع ان ترفض ما نطرحه وبإمكانها تعطيل تشكيل حكومة جديدة، الأمر الذي يوفر الغطاء لبقاء حكومة السنيورة، وبالتالي فإن اشتراط التفاهم قبل الانتخابات هو الورقة الوحيدة التي بحوزتنا.
وأكد عون ان المعارضة لا تقتنع إطلاقاً بالضمانات الدولية، مطالباً بضمانات ضمن الحكومة نفسها، «لأننا إذا لم نربطهم بحبال لا نستطيع ان نتعاطى معهم لأنهم يتنصلون من وعودهم».
وإذ أكد عون انه يثق في العماد ميشال سليمان، لفت الانتباه الى انه لا يثق في الوزراء الستة الذين تقترح الموالاة ان يُمنحوا له ليشكلوا الصوت الوازن في الحكومة، مستشهداً بتجربة الرئيس إميل لحود الذي انقلب عليه وزراؤه.
بدوره، رأى عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله ان عناوين الحل باتت معروفة، «فالرئيس توافقنا عليه وبقيت عناوين اخرى اهمها الحكومة التي تحتاج الى توافق مسبق وتشكل وفق مبدأ الشراكة، كما ورد في مضمون المبادرة الفرنسية، أي حكومة وحدة وطنية بضمانات دستورية واضحة وملزمة للجميع».
في دمشق، اتهم وزير الإعلام السوري محسن بلال، أمس، الولايات المتحدة بإجهاض الجـــهود التي تبــذلها ســـوريا وفرنسا للتـــوصل الى اتفاق بين اللبنانيين. وقال لـقناة «العالم» التـــلفزيونية الايرانية «في الوقت الذي تعمل فيه فرنسا وســـوريا لتقريب وجهات النظر في لبـــنان والوصول الى تحقيـــق الاتفاق بين اللبنـــانيين، خرجت علينا الولايات المتحدة بإرســـال إليوت إبرامز وديفـــيد ولش المعــروفين بانحيـــازهما لإسرائيل بهـــدف إفشال الاتــفاق بين الأطياف اللبنانية».
واعتبر بلال ان «هدف تصريحات الرئيس الاميركي جورج بوش هو الإطاحة بالجهود الايجابية السورية الفرنسية من اجل لبنان». وأكد ان «سوريا عملت دائماً وتعمل لمساعدة الأشقاء اللبنانيين بغية تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الأطياف والتواصل فيما بينهم لإنجاز قانون جديد للانتخابات يؤكد العدل بينهم».
وأضاف ان «فرنسا تعمل مع سوريا من اجل إنقاذ الوضع اللبناني»، مشيراً الى ان «بقاء لبنان في هذا الشكل سيترتب عليه نتائج ليست بصالحه ولا بصالح المنطقة». وقال إنه «لا يجوز ان يبقى لبنان بلداً دون رئيس للجمهورية». وجدد تأكيده ان سوريا تعمل جاهدة من اجل الوصول بلبنان الشقيق لإكمال انتخابه الرئاسي بتوافق جميع الأطياف اللبنانية وتشكيل حكومته الوطنية التي تمثل الجميع، والى بناء علاقة اخوية ومتميزة مع لبنان لافتاً الى ان لبنان المعافى والموحد والقوي هو غاية سوريا ومنعة لها».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد