لبنان: ضغوط إقليمية ودولية لتنصيب «جنرال التوافق»
بات الجو الاقليمي والدولي يضغط باتجاه وصول «جنرال التوافق» الى القصر الجمهوري قبل أعياد الميلاد ورأس السنة. وبدت في الوقت نفسه، رغبة الأغلبية الكاسحة من اللبنانيين بأن يطوى هذا الملف بأسرع وقت ممكن، حتى يصبح بمقدورهم أن يجدوا من بقي من أهل السياسة والنقابات والإعلام، ينحاز الى قضاياهم «الموجعة»، في حواضر أكلهم ومدارسهم وملبسهم وبردهم القارس الذي جعلهم، خاصة أهل الجبال منهم، يتمنون لو أن المطر تأخر، حتى لا يكتووا بنار المازوت!
لم يعرف أهل العاصمة تحديدا من يوم الجمعة في السابع من كانون الأول، الا أنه يوم حولهم أسرى الشوارع والطرقات والمداخل التي بدت أشبه بموقف سيارات في طول بيروت وعرضها، نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي رافقت، كالعادة، توجه النواب الى مجلس النواب في ساحة النجمة من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، فإذا به مجرد يوم آخر، من سلسلة الدعوات التي ستكون على موعد مع اسبوع حاسم، إما ينجز خلاله الاستحقاق أو تبدو الأمور بحاجة الى تأجيل بعيد وإلى اتصالات تسبق موعد التعديل والانتخاب.
ولعل متابعة كل ما جرى من اتصالات خارجية وداخلية، تجعل المشهد الرئاسي رهن إزالة ثلاث عقبات لا رابعة لها، الأولى تتمثل في حل اشكالية آلية التعديل الدستوري، بعدما تم انجاز نص التعديل من قبل النائبين بهيج طبارة وروبير غانم، على أن يحظى بتوقيع خمسة نواب من الأكثرية وخمسة من المعارضة.
أما العقبتان الثانية والثالثة، فهما متصلتان حصرا بموقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون الذي رفض التنازل عن شرطين وضعهما وهما، أولا، مسألة جعل ولاية الرئيس المنتخب سنة وسبعة أشهر
بدلا من ست سنوات وهو شرط يلقى رفضا عند قائد الجيش العماد ميشال سليمان وجزء من المعارضة وعند عواصم اقليمية ودولية بالإضافة الى بكركي والفاتيكان وبالطبع كل فريق الأكثرية التي قال أحد قادتها ان هذا الشرط فيه «افتئات على كل الخطاب المسيحي للعماد عون وحديثه عن التهميش».
أما الشرط الثاني الذي وضعه عون، فيتعلق بإصراره على ما ورد في مبادرته، بأنه في حال إقصائه عن رئاسة الجمهورية يشترط بالمقابل، أن لا يأتي النائب سعد الحريري رئيسا للحكومة بل أن يسمي أحدا تقبل به المعارضة من خارج كتلته وتيار المستقبل!
وبدا أن نقاشا جديا حصل حول هذا الشرط أيضا، على مستوى بعض القوى في المعارضة، اعتبرت أنه يجب أن يكون الترشيح متروكا لمسار الاستشارات النيابية الملزمة دستوريا لرئيس الجمهورية المنتخب، وبالتالي لا يجوز منذ الآن الافتراض من سيكون رئيسا للحكومة، خاصة أن ثمة تغييرات ستشوب خارطة التحالفات السياسية بعد إقرار التوافق الرئاسي.
وعلمت «السفير» أن بعض رؤساء الحكومات السابقين ابلغوا بعض مرجعيات المعارضة خشيتهم «من أن يؤدي التمسك بهذا المطلب الى تكرار تجربة الإتيان بموظفين ستكون لديهم قابلية القيام بما لا يمكن أن يقوم به شخص لا مثل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولا مثل رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري والتجربة أثبتت ذلك»!
وفي انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة من أخبار سارة للبنانيين، على صعيد حلحلة العقد الثلاث، غادر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بيروت، أمس، وهو مقتنع بأنه تمكن من تحقيق نصف نصر سياسي سيستكمل بالانجاز المتمثل في تعديل الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية في الأسبوع المقبل، آملا أن يعود الى بيروت في المرة المقبلة للتهنئة بعدما باتت الأمور محصورة بعناوين محددة تحتاج الى صياغات من قبل اللبنانيين. ولم يستبعد احتمال قيام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة بيروت في الأسبوع المقبل من أجل مشاركة اللبنانيين فرحتهم بإنجاز الانتخاب الرئاسي.
وعبّر كوشنير وفقا لشخصيات لبنانية التقته قبيل مغادرته عن أهمية الحفاظ على ما أنجز من تفاهم على مجموعة خطوات سياسية، يمكن أن تشكل وثيقة سياسية تستجيب في معظم أطروحاتها لما يردده خطاب العماد ميشال عون، وخاصة في موضوع تثبيت النسبية في الحكومة المقبلة وقضايا أخرى أثارها مثل موضوع قانون الانتخاب (أقر موضوع القضاء دائرة انتخابية بصورة نهائية) وأيضا موضوع عودة المهجرين ومحاربة الفساد واحترام استقلالية القضاء، بالإضافة الى عناوين سياسية أخرى هي في صلب البرنامج السياسي للعماد عون وتياره السياسي، وهذا انتصار كبير لـ«الجنرال» الذي قدّم من خلال مبادرته الشهيرة تضحية قيمة وثمينة جدا في سبيل انتخاب رئيس جمهورية بمواصفات العماد ميشال سليمان.
ونقل من التقوا كوشنير عنه قوله ان ميشال عون «سيصبح عنوانا وطنيا لبنانيا أكبر من الرؤساء والمرشحين». وأكد أن فرنسا تسعى للعب دور الضامن للتسوية الداخلية اللبنانية.
من جهته، أعرب الرئيس نبيه بري عن تقديره للدور الفرنسي والمساعي التي بذلتها باريس عبر كوشنير، وقال انه كان يتمنى لو يرى هذه الحماسة عند الأشقاء العرب.
وأمل بري ان تتم معالجة العقبات من أمام الاستحقاق، من الآن ولغاية الموعد المقرر للجلسة الثلاثاء المقبل، وهذا يتطلب اشتراك كل الأطراف في وضع قطار الحل على السكة السليمة، وصولا الى إنتاج استحقاق توافقي، وبأسرع وقت ممكن، وخصوصا ان الوقت يداهم الجميع، ولا مصلحة للبلد في تضييع المزيد من الوقت، وإبقاء البلد في الفراغ الحاصل. وقال «الجو ليس مقفلا وسنستمر بالمحاولة حتى ننتخب رئيسا جديدا».
وكان البارز في نشاط رئيس المجلس الاتصال الذي تلقاه من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، الذي عبر عن تمنياته في نجاح الجهود الرامية الى معالجة الازمة الرئاسية مبديا استعداده للقيام بما يمكن ان يصب في خدمة تحقيق هذا الهدف. وعلم ان بري قدر لأردوغان الدور الذي تلعبه بلاده، آملا بذل المساعي لإعادة بث الحياة على الخط السوري السعودي، بما ينعكس بالتالي انفراجا وفكفكة للتعقيدات على الخط اللبناني.
وكانت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قد خضعت الى تأجيل آخر حتى الثلاثاء ولم تخرج مجريات ساحة النجمة أمس عن المعهود في التأجيلات السابقة بحيث تقاطر النواب من فريقي الموالاة والمعارضة، الى المجلس وسط إجراءات أمنية مشددة، وتوزعوا في مشهد مسرحي بين موالين افترشوا القاعة العامة وبين معارضن لازموا البهو الخارجي والردهات، فيما رابط رئيس المجلس في مكتبه، وأجرى مشاورات أبرزها مع النائب سعد الحريري. كما جرى لقاء «على الواقف» بينه وبين النائب وليد جنبلاط في أحد المكاتب المجاورة لمكتبه.
تفاصيل اقتراحات التعديل الدستوري
وما لفت الانتباه، بحسب مصادر نيابية واكبت حركة المشاورات في مكتب رئيس المجلس، الحماسة التي أبداها رئيس المجلس في سبيل إعداد اقتراح قانون نيابي من الموالاة والمعارضة، يوقعه خمسة نواب من المعارضة، وخمسة نواب من الموالاة، لتعديل المادة ,49 تسهيلا لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.
وقالت المصادر ان بري هدف بالدرجة الاولى من خلف هذه الحماسة الى تحصين اقتراح التعديل الدستوري باشتراك الموالاة والمعارضة في تقديمه وبالتالي حسم مسألة انتخاب سليمان سياسيا وإضفاء مناخ ايجابي يكسر حدة التشنجات السياسية، واستمزج، لذلك، آراء العديد من النواب وناقش الأمر في «لقاء ثلاثي» ضمه والنائب سعد الحريري ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ثم مع النائب بهيج طبارة حيث طرح معه امكان اعداد النص الملائم، فيما استمهل النائب الحريري التوقيع على الاقتراح ريثما يتم تدارس الامر مع الحلفاء، بينما كان بري يؤكد له أن التوقيع من جانبه وكتلة الوفاء «محسوم».
وبقيت عقدة إخراج الآلية الدستورية عالقة بين منطقين متناقضين، منطق الأكثرية الرافض لتجاوز الحكومة أو اي مخرج يقضي باستقالتها وبين منطق المعارضة والرئيس بري تحديدا الذي يرفض إشراك حكومة السنيورة بأي دور في ما خص التعديل وبالتالي إقرار الآلية بمعزل عن حكومة السنيورة.
وطرح الحريري مخرجا يقضي بترميم الحكومة من خلال عودة الوزراء المستقيلين أو وزيرين منهم على الأقل وفق اقتراح كان تقدم به قبل ثلاثة ايام الوزير محمد فنيش ويقضي بعودة بعض وزراء المعارضة عن الاستقالة، وفي الوقت نفسه يسجلون في محضر الجلسة تحفظهم على كل القرارات التي اتخذتها الحكومة منذ استقالتهم حتى تاريخه.
وطرحت المعارضة مخارج من نوع أن يستقيل رئيس الحكومة وحده أو وزيران منها، وذلك بمجرد أن يتم اقرار التعديل في مجلس النواب بحيث تصبح مستقيلة ويعود الوزراء المستقيلون ويحيل اليها المجلس اقتراح القانون، غير أن كل الاقتراحات التي تقضي باستقالة الحكومة رفضها النائب الحريري وقال للرئيس بري «لا استطيع الموافقة على مخالفة دستورية عبر الإقرار بعدم شرعية حكومة دافعنا سنة عن قراراتها ولا سيما رفع المحكمة الى مجلس الأمن».
وقد ركز نواب المعارضة على طرح يقول بإمكان إقرار الآلية الدستورية انطلاقا من ان الظرف استثنائي بما يمكن المجلس من التشريع الاستثنائي على غرار إقرار إصلاحات الطائف في القليعات من دون حكومة (تلغى الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور ويعمل بهذا القانون (اقتراح قانون معجل مكرر) فور اقراره).
وأكد مصدر قيادي بارز في قوى 14 آذار ان جلسة الثلاثاء المقبل ستشهد تعديل الدستور في الساعة الحادية عشرة وفي الساعة الثانية عشرة سينتخب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية». وأشار الى ان الموضوع الاساسي المتبقي هو تقني في ظاهره وسياسي في حقيقته. وأن الدستور واضح في هذا المجال ويحتم دورا لمجلس النواب ومجلس الوزراء في موضوع التعديل. وأن ما حسم هذه النقطة هو موقف المرشح العماد ميشال سليمان نفسه الذي بلّغ جميع الأطراف، مدعوما من البطريرك صفير وبقناعة المجتمع الدولي الساعي لتسهيل عملية الانتخاب، انه لن يقبل بأن يكون رئيسا بمخالفة دستورية».
اضاف المصدر «ان المعارضة تعمل على ايجاد مخرج دستوري يعبر من مجلس النواب الى مجلس الوزراء ويحفظ في الوقت نفسه حق من يريدون عدم الاعتراف بالحكومة ومقرراتها».
وأكد المصدر «ان الأكثرية ستوقع العريضة مع المعارضة بعد تجهيزها وأن الامور تسير في مسارها المفترض ان يتوج يوم الثلاثاء بانتخاب رئيس جديد للجمهورية».
وقالت أوساط رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ان « التعديل سينجز الثلاثاء على الأرجح ونأمل أن يتم الانتخاب يوم الخميس المقبل، وهناك تفويض كامل من جانب «اللقاء» للنائب الحريري في موضوع العريضة والآلية الدستورية ونأمل بأن يتوصل والرئيس بري الى حل المسألة بالإضافة الى مشاركتهما في حل عقدة ميشال عون».
تشجيع عربي على تحصين تجاوب عون
وقالت مصادر دبلوماسية عربية في بيروت ان السفير السعودي عبد العزيز خوجة لعب خلال الأسبوع الماضي دورا بارزا في موضوع ترجيح خيار العماد ميشال سليمان كما ساعد في موضوع المخارج المقترحة للموضوع الحكومي سواء على صعيد النسب الحكومية أو البيان الوزاري حيث حسم النص المتعلق بالمقاومة واحترام القرارات الدولية، كما حسم موضوع القانون الانتخابي، ودعا الجميع الى التساهل في موضوع الآلية الدستورية للوصول الى ملء الفراغ الدستوري بأسرع وقت ممكن.
وشددت المصادر العربية على وجوب بذل مجهود خاص من جانب السعودية وغيرها من أجل تقدير المبادرة التي قام بها العماد عون «ولا بأس في تمييز تياره بحصة أساسية في الحكومة، نظرا للدور الذي قام به لانجاز التوافق».
الى ذلك، تلقى الرئيس شار الأسد مس اتصالا من رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي «استعرضا خلاله التطورات في لبنان والمشاورات الجارية فيه اضافة الى الافكار المطروحة بشأن عملية السلام في المنطقة في الفترة المقبلة».
وجاء الاتصال بالتزامن مع قول مصادر سورية ان دمشق أبلغت كل الجهات الدولية التي اتصلت بها أنها شجعت بكل ما تملك من إمكانات حلفاءها في لبنان على المضي في خيار التوافق، وطالبت في الوقت نفسه، الأوروبيين وخاصة الفرنسيين، بلعب دور خاص على صعيد تذليل العقبات التي تحول دون انخراط عون في التسوية السياسية.
وأعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن تقديره بأن لبنان تقدم خطوة على طريق التوافق على اسم رئيس الجمهورية. وأكد من باريس أن السوريين يؤيدون انتخاب رئيس للبنان والوفاء بالاستحقاق الرئاسى وهذا الأمر ساعد فى تحقيق بعض التقدم حتى الآن.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد