لطفا.. لا تشكّ في سـوريـّتـي
الجمل– طرطوس– حسان عمر القالش: ملاحظة :(( برغم أننا من تلاميذ المدرسة الصحافية التي لا تشجع على اعتماد "الذاتية" في الكتابة, وترى أن يبقى الكاتب أو الصحافي غير منظور أو محسوس كـ"شخصية" في السطور التي يكتبها. الا أن بعض المواقف تفرض علينا أن نخرج مؤقتا عن هذا العرف والتقليد الكتابي )).
***
ها قد عدت, لا مجددا, بل بما تفرضه ظروف العيش والحياة وشجونها, من ضرورة ارتياد الادارات والمؤسسات الرسمية ودخول مكاتبها, وكان تأسيس البيت الزوجي هو السبب هذه المرة, وهو ماأجبرني على الاكثار من هذه الزيارات غير الودية وغير المحببة الى الأنفس, فمن المصرف العقاري الى دائرة المصالح العقارية ومديرية المالية والكهرباء والمياه والصرف الصحي. وفي احدى أهم هذه المحطات الروتينية, دخلت أحد مكاتبها ووضعت بطاقتي الشخصية (الهويـّة) مع أوراق المعاملة الرسمية التي أريد انجازها على طاولة الموظف, وانتظرته أن ينهي المعاملة التي قبلي, ولما أمسك أوراقي مع الهوية, نادى عليّ باسمي الكامل مع الكنية, وكنت بالقرب من طاولته فأجبته : نعم. فسألني بلهجة اختلط فيها السؤال بالتهكم والاستغراب المصطنع : عربي سوري ؟..
وكان لمجموعة من العوامل كالأدب والترفع عن الرد على لغة الموظفين الحكوميين الأقرب الى "الاهانات" أحيانا, والخوف من عرقلة أموري بيروقراطيا, والرغبة في اختبار حس المواطن العادي, أن جعلتني أمتنع عن الرد على الموظف ردا قاسيا أو هجوميا مثل " شو رأيك ؟" أو " ألا ترى الهويّـة أمامك؟ ", فأجبته مستوحيا لغة أصدقاءنا الاسلاميين. فصار السؤال والجواب على الشكل التالي: - عربي سوري ؟ - الحمد لله .
الا أن هذا الموقف, وعلى قدر تفاهته نسبيا كما قد يقول البعض, لم يفارق تفكيري, وأخذ يكبر في ضميري. فما الذي حرّض هذا الموظف على سؤاله, وأي شيء تحديدا هو الذي أثار عنده الشك في عروبتي أولا وسوريّـتي – وهي الأهم عندي – ثانيا ؟ لعله اسم العائلة ؟ واذا كان هناك من داع وموجب لهذا الشك غير المبرر بحكم أنه ليس من اختصاصه الوظيفي, كيف لم تمنعه بطاقة هويتي السورية من طرحه السؤال ؟ وطالما أنه قد فعل ما فعل ونطق بسؤاله, فلم قاله بتلك اللغة والنبرة المستهجنة المستغربة والمتهكمة ؟
ان الاجابة عن هذه الأسئلة هي من الطول والعمق بما لا تتسع له هذه المساحة الصحافية الصغيرة, الا أن هذه الحادثة انما تطرح علينا كسوريين, مواطنين ورسميين, سؤالا عن مدى استعيبانا لـ "سوريـّتـنـا", والدرجة التي وصلها البعض – أو لم يصلها – في أخلاقه الوطنيـة . فالأمر ليس مجرد اساءة مسلكية أو تقصير وهفوة من موظف رسمي. انه مؤشر على أزمة وعي عند البعض, وهذا البعض كثير على مايبدو. فسوريا, أعمق بكثير من أن يدلّ على الانتماء اليها مجرد أسماء علم عربية محض, وأكبر من أن يكون فيها مثل هذا الفهم وهذه العقلية, وأن تتواجد بين جنباتها, هناك حيث من المفترض أن تتحقق المواطنة وتسيـّر أمور الناس.
على الحكومة, كما رفعت " التحزّب" عن الاقتصاد الذي يمسّ جيوبنا, أن ترفعه عن العقول والأذهان التي ببعض السلوكيات, تمس كرامتنا أيضا.
الجمل
إضافة تعليق جديد