لعبة الدومينو الأمريكية وخيارات الصراع في المنطقة
الجمل: تقول بعض المعلومات والتسريبات الواردة في الصحافة الأمريكية بأن لبنان سوف يكون هو المحطة القادمة في (لعبة الدومينو) الشرق متوسطية الجارية حالياً.
• معطيات اللعبة:
برغم انقضاء 63 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، فمايزال بناء النماذج الاستراتيجية السياسية والأمنية، وإسقاطها إقليمياً ودولياً، هو الأسلوب المفضل لدى خبراء مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذين يتملكهم الولع والتعسف اللامحدود بمعالجة الصراعات الدولية والإقليمية، بحيث تتحرك الكيانات الدولية مثلها تماماً مثل قطع الدومينو التي تتحرك بضربة واحدة، ثم تميل مؤثرة على بعضها البعض على شكل موجة لا تنتهي إلى بعد أن تتحرك آخر قطعة.
• السيناريو الشرق متوسطي:
تتضمن منطقة شرق المتوسط خمس كيانات رئيسية، هي: سورية، إسرائيل، لبنان، الأردن، والأراضي الفلسطينية، ويتضمن كل كيان من هذه الكيانات مجموعة من اللاعبين، الذين يتميز كل واحد منهم بـ(المكانة) والـ(دور) الخاص به.
كذلك تتفاوت هذه الكيانات على أساس عدد اللاعبين وقدرتهم على أداء الدور المنوط بهم، وعلى حسب الأوزان، فإن الكيانات الرئيسية الأكثر قوة في الخارطة الشرق متوسطية هما سوريا وإسرائيل، أما بقية الكيانات فقد أصبحت تخضع لقانون الاستقطاب والاصطفاف، والذي توضحه بجلاء خارطة التحالفات السياسية السائدة في المنطقة، والتي أصبحت تكشف عن وجود معسكرين، لا ثالث لهما، هما: معسكر الحقوق العادلة والمشروعة، ويضم: سوريا، حزب الله، حماس، وآخرين.. ومعسكر الحقوق غير العادلة، ويضم: إسرائيل، الأردن، حكومة السنيورة، وجماعة محمود عباس.
العلاقات التي يترتب على أساسها واقع النظام الإقليمي في منطقة شرق المتوسط، تتفاوت بين التعاون والصراع، فهناك علاقة تعاون بين أطراف وعناصر كل معسكر من هذين المعسكرين، وهناك علاقة صراع بين المعسكرين، وحالياً أصبحت علاقات الصراع في مفترق الطرق، وذلك في مواجهة ثلاثة خيارات لا رابع لهم: خيار الحرب، خيار السلام، وخيار اللاحرب- اللاسلام.
• إدارة السيناريو:
وتتميز إدارة السيناريو الجاري حالياً بالتقيد الشديد، غير المسبوق، خاصة من جانب معسكر الحقوق غير العادلة، والي يسعى إلى تحقيق مشروع التسوية غير المتوازنة، التي تعطى لإسرائيل كل شيء ولا تترك للآخرين أي شيء.. ويمكن تصنيف إدراكات الفاعلين في هذا المعسكر على النحو الآتي:
- إسرائيل: تنظر لكيانات المنطقة باعتبارها كيانات ضعيفة، ولكن الإسرائيليين منقسمون، بعضهم يريد الحرب كوسيلة لأخذ كل شيء وفرض الأمر الواقع، والبعض الآخر يريد السلام لأخذ كل شيء باستخدام الضغوط الدبلوماسية والسياسية، وذلك تفادياً للخسائر التي قد تتكبدها إسرائيل في الحرب المحتملة.
- أمريكا: تريد الحرب، عن طريق دفع إسرائيل لإشعال منطقة شرق المتوسط، بحيث يتسنى لها ضرب إيران، ووضع يدها بالكامل على الشرق الأدنى والأوسط.
- حكومة السنيورة: تريد البقاء في السلطة بأي طريقة، حتى لو اضطر الأمر إلى شن حرب (بروكسي) بالوكالة نيابة عن إسرائيل داخل لبنان.
- جماعة محمود عباس: تريد البقاء في السلطة والاستمرار في عملية أوسلو بأي طريقة حتى لو كان الثمن ضياع معظم الأراضي الفلسطينية الحالية.
- الأردن: يريد النظام الملكي البقاء في السلطة عن طريق التحالف مع أمريكا، وخدمة المصالح الإسرائيلية، حتى لو استلزم الأمر شن الحرب ضد الأطراف العربية الأخرى الرافضة للمشروع الإسرائيلي.
سيناريو الحرب بدأت خطوطه العامة تظهر، ففي الأسبوع الماضي، نشرت الصحف الإسرائيلية معلومات تتهم سورية بالتخطيط والتنسيق مع إيران لشن حرب شاملة ضد إسرائيل، يقوم مخططها على: إشعال حرب إسرائيل- حزب الله (في جنوب لبنان)، إشعال حرب إسرائيل- حماس (في قطاع غزة)، وبعد أن تستمر العمليات الحربية وفقاً لأسلوب العمليات العسكرية المنخفضة الشدّة، تقوم سورية مدعومة من إيران، بشن الهجوم الرئيسي ضد إسرائيل.
• السيناريو الإسرائيلي المفترض و(نظرية المؤامرة):
السيناريو الذي سربته بعض الصحف الإسرائيلية، (تحديداً موقع دبكه الالكتروني) هو سيناريو قصد به إضعاف موقف المؤيدين للسلام داخل وخارج إسرائيل، من جهة، ومن الجهة الأخرى تقوية الموقف المطالب بالحرب.
التحركات الجديدة في لعبة الدومينو تشير إلى الآتي:
- قطاع غزة: محاصرة حماس في قطاع غزة من جهة، ومن الجهة الأخرى دعم جماعة محمود عباس في الضفة الغربية، بحيث ينقسم الواقع الفلسطيني إلى كيانين: الأول بقيادة حماس، والثاني بقيادة جماعة محمود عباس، والمطلوب إسرائيلياً وأمريكياً في الوقت الحالي على المدى القصير استمرار هذه الثنائية إلى حين إشعال حرب حماس- إسرائيل.
- جنوب لبنان: التمادي في الضغط على حزب الله، عن طريق حكومة السنيورة، وقوى 14 آذار، والقوات الدولية، ومحاولة إضعاف الرأي العام للبناني الواسع الذي يسانده. وخلال هذه الأثناء يتم التحرش بإسرائيل (وخلق الفرص) التي تؤدي إلى ذلك، كأن يتم إطلاق المزيد من الصواريخ ضد إسرائيل.
أما بالنسبة لتحريك مشاهد سيناريو المؤامرة، فسوف تستمر الاتهامات المتصاعدة بواسطة إسرائيل وأمريكا ضد سورية بأنها الداعم والمسؤول الأول عن الصواريخ التي تنطلق ضد إسرائيل من جنوب لبنان، ومن قطاع غزة.. ثم بعد ذلك عندما تشتد (التحرشات المصطنعة) تقوم إسرائيل بإشعال جنوب لبنان.
مشهد (إشعال قطاع غزة)، مشهد (إشعال جنوب لبنان) هما المشهدان الفرعيان اللذان يهدفان إلى المشهد الثالث، والذي يتمثل إما في العدوان الإسرائيلي المباشر ضد سورية، أو في وضع سورية على حافة الحرب، تمهيداً للتفاوض معها ضمن بيئة سياسية) مختلف في نهاية الصيف الحالي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد