لقاء أوباما – ميدفيديف ومستقبل علاقات الكرملين – البيت الأبيض
الجمل: بدأت السياسة الخارجية الروسية في الفترة الممتدة من لحظة الحرب الجورجية – الروسية وحتى الآن تأخذ دوراً أكبر من اهتمام المراقبين والمحللين وحالياً برغم تفوق القدرات الاستراتيجية الأمريكية على القدرات الاستراتيجية الروسية فإن العديد من المراقبين والمحليين مازال أكثر تمسكاً بالرهان على إمكانية صعود القدرات الاستراتيجية الروسية بما يحقق التعاون مع القدرات الإستراتجية الأمريكية.
* ماذا تقول المعلومات؟
أفادت التقارير الصحفية الواردة من واشنطن أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيقوم بزيارة العاصمة الروسية موسكو لعقد لقاء مع الرئيس الروسي ميدفيديف، وتقول المعلومات أن الزيارة ستستمر ثلاثة أيام هي 6-7-8 حزيران وأكدت التقارير أن جدول أعمال لقاء أوباما ميدفيديف سيضمن الأجندة التالية:
• ملف تخفيض مخزونات الأسلحة النووية الأمريكية – الروسية.
• ملف تعاون موسكو – واشنطن المشترك في قضايا حظر انتشار الأسلحة النووية.
• ملف حل خلافات موسكو – واشنطن حول شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكية التي تخطط واشنطن لنشرها وسط أوروبا (تحديداً في بولندا وتشيكيا).
زيارة أوباما إلى روسيا هي الأولى بعد صعوده إلى البيت الأبيض الأمريكي ولكنه سبق أن عقد لقاءً مع الرئيس ميدفيديف على هامش قمة لندن الأخيرة.
* الأبعاد غير المعلنة لقمة أوباما – ميدفيديف:
خلال العام الأخير لوجود إدارة بوش في البيت الأبيض وصلت علاقات خط موسكو – واشنطن إلى مستوى غير مسبوق من التدهور وتحولت من طابع الحرب الباردة غير المعلنة إلى طابع الحرب الباردة شبه المعلنة.
تعود علاقات موسكو – بكين بشكل أساسي إلى الآتي:
• التدخل الأمريكي المتزايد في بلدان الجوار الإقليمي الروسي.
• المساعي الأمريكية من أجل السيطرة على نفط وغاز منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى.
• الاستهداف الأمريكي المتزايد لحلفاء وأصدقاء روسيا وبالذات سوريا وإيران.
• ضغوط واشنطن على حلفائها الأوروبيين من أجل استخدامهم في فرض الضغوط والمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية غير المعلنة ضد روسيا.
• مساعي واشنطن إلى التمركز العسكري البحري في مناطق بحر أركتيك والمحيط المتجمد الشمالي المقابلة لشمال روسيا.
• مساعي واشنطن لجهة فرض سيطرتها على منطقة القطب المتجمد الشمالي وتحديداً المناطق التي تتضمن قدراً هائلاً من مخزونات النفط والغاز.
• سعي واشنطن المتزايد للسيطرة على الممرات البحرية الملاحية ذات الأهمية الجيو-ستراتيجية لحركة النقل العالمي.
• مساعي واشنطن إلى استخدام المنظمات الاقتصادية الدولية الرئيسية الثلاث (البنك الدولي – صندوق النقد الدولي – منظمة التجارة العالمية) في فرض القيود والمشروطيات الهادفة إلى إرهاق الاقتصاد الروسي وحرمانه من الحصول على أي مزايا تفضيلية على وجه الخصوص تدفقات رأس المال الاستثماري المباشر وغير المباشر.
• ممارسة الضغوط على شركاء روسيا التجاريين في مختلف أنحاء العالم من أجل تحويل اتجاه مبادلاتهم التجارية نحو حلفاء أمريكا بدلاً من روسيا.
هذان ومن المتوقع أن يحاول الرئيس الأمريكي أوباما من خلال لقائه مع ميدفيديف تحديد المعالم الرئيسية والخطوط العامة التي سيمضي في مساراتها لاحقاً التفاهم الروسي – الأمريكي.
* مستقبل علاقات الكرملين – البيت الأبيض:
من المعروف أن السياسة الخارجية الأمريكية إزاء روسيا هي سياسة تخضع بشكل أساسي لبنود استراتيجية الأمن القومي الأمريكي وبالمقابل فإن السياسة الخارجية الروسية إزاء أمريكا أصبحت بالضرورة تخضع بشكل أساسي لبنود استراتيجية الأمن القومي الروسي.
استراتيجية الأمن القومي الأمريكي يقوم بوضعها مجلس الأمن القومي الأمريكي وحالياً ما تزال استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الخاصة بإدارة أوباما في طور التشكل. وبكلمات أخرى لم يتوصل مجلس الأمن القومي الأمريكي الحالي إلى صياغة هذه الاستراتيجية وما هو موجود حالياً استراتيجية الأمن القومي الأمريكي اتي سبق أن قامت بوضعها إدارة بوش الجمهورية السابقة.
أما بالنسبة لاستراتيجية الأمن القومي الروسي فقد سبق وأعلن بنودها الأساسية الرئيس ميدفيديف في الفترة التي أعقبت مباشرة انتهاء الحرب الجورجية – الروسية وكان من أبرز بنودها تأكيد روسيا على التزامها بسياسة خارجية تتعامل مع الجميع وفق نظام دولي يقوم على صيغ توازن القوى التي تؤكد على اعتبارات التعددية القطبية إضافة إلى التأكيد على رفض روسيا القاطع لوجود نظام القطبية الواحدة التي تفرض هيمنتها على النظام الدولي.
أثارت الاستراتيجية الروسية غضب إدارة بوش الجمهورية ولكن الوقائع الجارية مضت في غير مصلحة واشنطن على النحو الذي أدى إلى تراجع نفوذ واشنطن في آسيا الوسطى والقوقاز والبلطيق إضافة إلى مناطق شرق أوروبا ثم جاءت الأزمة الاقتصادية الأمريكية التي هزت أركان إدارة بوش الجمهورية وخلال مجرى الأزمة جاءت الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي لم تخرج إدارة بوش الجمهورية من البيت الأبيض وحسب وإنما أضعفت مصداقية خطاب الحزب الجمهوري الأمريكي الذي يواجه الآن أزمة التفكك وصراع الأجنحة بين جماعة المحافظين الجدد وجماعة المحافظين التقليديين.
تشير التوقعات إلى أن إدارة أوباما تسعى إلى عقد صفقة جزئية مع موسكو ولكن موسكو تسعى من جانبها إلى الضغط بحيث تكون هذه الصفقة متكاملة وليس جزئية. واشنطن تسعى حالياً إلى بناء صفقة واشنطن – موسكو على النحو الآتي:
• التعاون في حظر انتشار الأسلحة النووية الهدف منه دفع روسيا إلى قطع روابطها مع إيران وكوريا الشمالية.
• حل الخلافات حول شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكية الهدف منه دفع روسيا إلى القبول بتوسيع حلف الناتو شرقاً.
• تقليل مخزونات ترسانة الأسلحة النووية الهدف منه تقليل التفوق النووي الروسي لأن عدد الرؤوس الحربية النووية الروسية يفوق عددها الأمريكي.
على هذه الخلفية يمكن القول بوجود المزيد من الصفقات الثانوية التي ستتفرع منها وعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى الملفات الآتية التي سوف تخضع لاحقاً إلى تفاهمات خط موسكو – واشنطن في حالة نجاح زيارة أوباما لموسكو وستتمثل الصفقات القادمة في:
• ملف إمدادات النفط والغاز.
• ملف التعاون الروسي – الأمريكي في حرب أفغانستان.
• ملف التعاون الروسي- الأمريكي في مجال نقل التكنولوجيا.
• ملف التعاون الروسي – الأمريكي في مناطق القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط.
ولجهة التوقيت فإن ما هو لافت للنظر أن زيارة أوباما لروسيا سيعقبها سفر الرئيس الأمريكي إلى إيطاليا لحضور اجتماع مجموعة الثمانية والذي سيحضره الرئيس الروسي وتقول التحليلات أن نتائج لقاء أوباما – ميدفيديف ستظهر نتائجها من خلال الأداء السلوكي في قمة الثمانية التي ستعقد في مدينة لاكويلا الإيطالية خلال أيام 8-9-10 من شهر حزيران القادم أي بعد لقاء موسكو مباشرة وبالتالي إذا توافقت توجهات موسكو وواشنطن في اجتماع قمة الثمانية فإن ذلك سيكون بمثابة المؤشر الأول الذي يفيد لجهة حدوث تفاهم وتوافق روسي – أمريكي خلال المرحلة القادمة وبالتالي فإن علينا أن نتوقع انعكاس هذا التفاهم لاحقاً في الملفات الإقليمية والدولية الأخرى أما إذا تباينت وجهات النظر فإن هذا سيكون مؤشراً يفيد لجهة عدم حدوث التوافق الأمريكي – الروسي وبالتالي فإن علينا أن نتوقع أداء روسياً – أمريكياً متعاكساً في إدارة الأزمات الدولية والإقليمية الجارية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد