لماذا لا يطبِّق الجيشان السوري والعراقي «كسر الحدود»؟
يتعرض الجيشان السوري والعراقي لحملة إعلامية مستمرة تستهدف التقليل من إمكاناتهما وإضعاف الثقة بقدراتهما. وتصاعدت هذه الحملة بعد سقوط مدينتي تدمر والرمادي بيد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» في وقت متزامن الأسبوع الماضي.
وبرغم هذه الحملة الموحدة التي تحاول النيل منهما، وبرغم أن إستراتيجية «الدولة الإسلامية» تنظر إلى العراق والشام باعتبارهما ساحة واحدة، إلا أن مستوى التنسيق والتعاون بين الجيشين لا يزال دون الحدود الدنيا التي تتطلبها مواجهة هذا الخطر المشترك.
وينطوي الهجوم المتزامن على كل من تدمر والرمادي على رسالتين مهمتين ينبغي قراءتهما بمزيد من التأنّي. الرسالة الأولى تتمثل في أن «داعش» يتعامل مع الساحتين العراقية والسورية باعتبارهما ساحة قتال واحدة، وهذا يعني أن إستراتيجية التنظيم من دون أحد هذين الجناحين ستصاب بالشلل ولن تقوى على التحليق، لذلك نلاحظ حرصه الدائم على موازاة أي تقدم ميداني له في سوريا بتقدم ميداني في العراق والعكس صحيح. وهو ما تجسّد بدقة قبل حوالي العام عندما سيطر على الموصل في العراق، وأتبعه بالسيطرة على مساحات واسعة من دير الزور في سوريا، الأمر الذي أتاح له حينها الإعلان عن «دولة الخلافة»، وهي الهدف الأول والأهم الذي كان يسعى إليه، لكنها ليست الهدف الوحيد، لأن تأسيس «الخلافة» من وجهة نظره هي هدف من جهة ووسيلة لتحقيق أهداف أخرى من جهة ثانية.
أما الرسالة الثانية فإنها تتعلق بإمكانات وقدرات «داعش». فالهجوم المتزامن دحض جميع الشائعات والأنباء التي تحدثت عن قرب انهيار التنظيم بعد الهزائم التي تعرض لها في مدينة عين العرب شمال سوريا وديالى شرق العراق. وتكمن أهمية هذه الرسالة أنها وجهت صفعة قوية إلى تقديرات مسؤولين أميركيين كبار، من بينهم وزير الخارجية ووزير الدفاع، أكدت أكثر من مرة أن قدرات التنظيم تضاءلت بفعل الضربات الجوية لطيران التحالف الدولي، وأن إمكاناته لتسيير أرتال ضخمة باتت شبه معدومة، في حين كان الرئيس السوري بشار الأسد شديد الصراحة، عندما أعلن، في حوار مع قناة «سي بي أس» الأميركية في آذار الماضي، أن «داعش يتوسع برغم ضربات التحالف الدولي». وكان يفترض بتصريحات الرئيس السوري أن تشكل جرس إنذار للداخل والخارج لولا أن هذه التصريحات لم تلق آذاناً صاغية.
وكشف سقوط تدمر والرمادي بيد «داعش» عن وجود مخططات معدة مسبقاً تستهدف النيل من الجيشين العراقي والسوري، أو هذا على الأقل ما تشير إليه الحملة الإعلامية المستعرة التي حاولت تصوير الجيشين على أنهما في حالة انهيار، ولا يستطيعان الصمود أمام جحافل «الدولة الإسلامية»، وتوّجت هذه الحملة بتصريحات أميركية وجهت إهانة مباشرة إلى الجيش العراقي بأنه لم يعد «يملك إرادة القتال»، وماذا يبقى من أي جيش في حال فقد هذه الإرادة؟.
وحاولت الحكومتان العراقية والسورية الرد على هذه الحملة بمحاولة شن هجوم مضاد على التحالف الدولي، وإظهار عدم جديته في قتال «داعش». وتركَّز الهجوم المضاد على نقطة جوهرية، وهي كيف تتقدم أرتال «الدولة الإسلامية» الضخمة لمسافات طويلة من دون أن يلحظها التحالف الدولي ويقصفها، وذلك في إشارة إلى تواطؤ التحالف الدولي وعدم ممانعته في إحراز «داعش» تقدماً ميدانياً على الأرض.
وبينما انشغلت الأطراف في تقييم معركتي تدمر والرمادي، وهل تشير إلى انهيار الجيشين السوري والعراقي أم إلى فشل التحالف الدولي، كان تنظيم «داعش» يحتفل بانتصاره المزدوج، مثبتاً أنه مستمر في تطبيق إستراتيجية «كسر الحدود» التي يتوخى منها أن تفتح له آفاقاً جديدة نحو مناطق أخرى، سواء في العراق وسوريا أو خارجهما.
وتطرح «إستراتيجية كسر الحدود»، التي تمثّل «وحدة ساحة القتال» وجهها الآخر، العديد من التساؤلات حول وجود إستراتيجية مقابلة، من شأنها مواجهتها ومنعها من تحقيق أهدافها.
وما يعزز من أهمية التساؤل حول هذه الإستراتيجية أننا أمام كل هجوم جديد يقوم به «داعش» نسمع روايات سورية أو عراقية تتحدث عن دخول أرتال التنظيم من سوريا أو العراق للقيام بهذا الهجوم أو ذاك. والغريب أن هذه الروايات لم تختف، حتى مع الهجوم المزدوج الأخير الذي طال في الوقت ذاته مدينة عراقية وأخرى سورية، وهو ما يرجح أن العديد من هذه الروايات غير واقعية، وتستهدف فقط تبرير بعض الهزائم عبر التصويب على الحدود المفتوحة وخطوط الإمداد التي تؤمنها.
غير أن الدلالة الأهم تبقى هي أن كلا الجيشين، السوري والعراقي، ما زال يحاول مواجهة «إستراتيجية كسر الحدود» التي ينتهجها «داعش» ضدهما بشكل منفرد، ومن دون أي تنسيق فعلي مع الجيش الآخر على الأرض. وقد يكون مشهد سيطرة «داعش» على جانبي معبر التنف/الوليد في هجومين منفصلين، من دون أن تشترك حاميتا المعبر السورية والعراقية في الدفاع عنه خير دليل على مدى استغلال التنظيم التكفيري لهذه النقطة والتعويل عليها في تحقيق أهدافه التوسعية.
والأخطر من كل ذلك، أنه جرى الفصل بين رسالتي «داعش» السابقتين والتعامل معهما على أساس عدم وجود رابط بينهما. حيث يظن البعض أن مواجهة التنظيم في العراق مثلاً، والعمل على طرده من كامل الأراضي العراقية سيكون خطوة أولى للقضاء عليه في سوريا بعد ذلك. وهذا يخالف الواقع، لأن «داعش» منذ دخوله إلى الأراضي السورية، وتمكنه من مراكمة قوة كبيرة جعلته من أقوى الفصائل على الساحة، سعى عبر مخطط واضح إلى الربط بين طرفي معادلة، هي أن أي قوة يحصل عليها في سوريا يستثمرها في العراق، كما أن أي قوة يحصل عليها في العراق يستثمرها في سوريا، وهذا ما توضحه سيرة التقدم الميداني الذي حققه منذ حوالي سنتين. ومثال ذلك أن «داعش» استغل اندلاع الأزمة السورية ليعيد بناء قوته بعد أن أصابها الإنهاك نتيجة خسارته معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق قبل العام 2010، وعندما امتلك القوة الكافية في سوريا سارع إلى العودة إلى العراق، وعمل على استعادة جزء كبير من المناطق التي خرجت عن سيطرته، كان أبرزها مدينة الموصل. ثم استخدم الأسلحة التي غنمها من الموصل، ليقضي على منافسيه في المنطقة الشرقية في سوريا وهكذا.
لذلك فإن «إستراتيجية كسر الحدود» خلقت للتنظيم دائرة مفتوحة تتيح له الاستمرار في الحركة بغض النظر عن الهزائم التي تلحق به على أحد جانبي الحدود، لأنه سيملك فرصة التعويض عنها في الجانب الآخر. وهناك طريقتان لمواجهة هذه الإستراتيجية: الأولى إغلاق الحدود بين سوريا والعراق بجهود مشتركة بين جيشي البلدين لمنع «داعش» من تطبيق معادلته، والثانية أن يقرر الجيشان بدورهما «كسر الحدود» وفتح الجبهتين على بعضهما لمواجهة «داعش» وفق خطة واحدة. وما عدا ذلك يعني أننا مستمرون في الدوران في حلقة مفرغة.
عبد الله سليمان علي
المصدرك السفير
إضافة تعليق جديد