ليل دمشق لم يعد (ستر وغطا) وقائع جولة ليلية في مدينة لاتنام
لم يكن سائق التكسي الذي أقلّني في أول أيام جولتي الليلية مختلفاً عن غيره من سائقي التكسي، سوى في جرأته التي لم أعهدها من قبل.. كان يبدو منتشياً.. وقد وضع كأساً من البيرة أمامه وراح يتمايل على نغمات إحدى أغاني أم كلثوم (الليل.. ودقت الساعة) وعندما سألته إن كان يشرب البيرة دائماً خلال عمله الليلي هذا، أجاب بالنفي، مؤكداً أنه لا يشرب إلا في أوقات متأخرة.. وتحديداً عندما يكون مأزوماً (نفسياً)!!
ـ ولكن كيف يتعامل معك الزبائن؟ هل يقبلون الركوب معك؟
«هم أحرار.. أنا لا أجبر أحداً.. واللي مو عاجبو لا يطلع معي»، وفعلاً أقنعني الشاب الثلاثيني بجوابه لندخل بعدها في موضوع أكثر تشويقاً.. سألته من هم زبائنك ما بعد منتصف الليل، ليجيب بما لايقبل الشك : أمثالك من الباحثين عن المتعة في هذه الحياة!!
ـ ولكن ما أدراك بأمثالي.. وكيف حكمت عليّ بهذا الحسم؟
يا سيدي لا نضحك على بعض.. لقد ركبت من أمام فندق الشام.. وأنت ذاهب الآن إلى جرمانا.. وبسلامة فهمك للمكانين خصوصية وسمعة معروفة!! على كل لا تزعل أنا مثلك أحب «البسط».. ورغم أنني متزوج مرتين، فأنا أبحث عن المتعة مع أخريات، ولا أكذب عليك إن قلت لك بأنك آخر زبون وفقني الله به ..وهانحن ذا سأوصلك وتوصلني..أنا الآن قريب من مكان سهري، و»صديقتي» بانتظاري!!
ـ ومن هذه التي تنتظرك في الساعة الثالثة فجراً؟
إنها «صاحبتي» تعمل في أحد الملاهي.. لكنها لي وحدي !! أنا أهتم جداً بأن من أرافقها يجب أن تكون لي فقط.. حتى لو كانت متزوجة أو مطلقة! أما أولئك اللواتي يتنقلن من حضن إلى آخر، فلا حاجة لي بهن.. ونفسي تعفّ عنهن، فهن رخيصات، لأن كل ما يباع ويشترى بالمال هو رخيص!!
بهذه الحكمة أنهيت يومي الأول مع سائق تكسي اتضح فيما بعد أنه أكثر من سائق تكسي.. ذلك أنني سأعود وأراه في مكان آخر.. وسبحان الله.. كم هذه الدنيا صغيرة!
¶ ليل دمشق.. أبطاله معظمنا!
لم يكن الأمر يحتاج إلى كثير عناء.. فأنت ستراهم أينما توجهت، حتى لو كانت الساعة تشير إلى ما بعد منتصف الليل، إنهم عمال النظافة والحراس الليليون ودوريات الشرطة وعمال الأفران.. إنهم ممن يعملون ليلاً لنستيقظ صباحاً، فنرى أن كل شيء على مايرام..
عمال النظافة الذين يسهرون حتى ساعات الصباح الأولى يجمعون مخلفاتنا وأوساخاً رميناها دون أن يرف لنا جفن! وإذا كانت النظافة من الإيمان، فهذا القول لا ينطبق علينا بل على هؤلاء الذين عليهم تطبيقه في مثل هذه الأوقات كيلا يخسروا لقمة عيشهم..
أبو أحمد واحد من هؤلاء.. رجل قارب الستين، تماهى مع عمله هذا لدرجة يصعب فيها التفريق بين لونه الشاحب الداكن ولون الأشياء التي يتعامل معها!
ـ لماذا تعمل في هذه الأوقات، وأنت رجل كبير السن؟ ويجيب أنا اخترت هذه الوردية، فالمعاش لعامل الليل أفضل قليلاً من عامل النهار.. إنه أكثر بحوالي ألف ليرة!! لدي أحد عشر ولداً.. جميعهم لا يعملون.. أنت تعرف الحال.
ـ ولكن متى تنام.. ألا يباغتك النعاس أثناء عملك هذا؟
يقول: ما رأيك في أنني لا أنام أكثر من ثلاث ساعات! لم أعد أستطيع النوم.. ثم تسألني إن كنت أنام أثناء عملي!! كيف يمكنني ذلك وأنا أعرف أن عقوبتها ربما تكون طردي من عملي هذا.. ثم ألا ترى معي أن هذه الروائح التي أعيش معها لا يمكن إلا أن تجعلني متيقظاً.. فهي تنفذ إلى مسام جلدي، لدرجة أصبحت رائحة جسدي جزءاً منها على الدوام! ولكن لابأس، فإن كنا جميعاً سنأنف العمل في هذا المجال، من سينظف؟ ستتحول الشوارع إلى أكوام من الزبالة، أليس كذلك؟! وقد كان معه كل الحق ولذلك تركته يكمل عمله.. فحجم الأوساخ والفضلات التي تنتظره توحي بأننا لا نفعل شيئاً سوى تأمين استمرارية هذا الرجل في هذا العمل الذي يحتاج إلى عشرة آخرين معه لإنجازه!!
طوال تجوالنا كنا نصادف بين الحين والآخر عمالاً من أمثال أبو أحمد.. ممن تحول ليلهم إلى نهار، ولكنهم بالتأكيد ليسوا من المغضوب عليهم، على أساس أن المثل العامي قال: إن غضب الله على قوم جعل ليلهم نهاراً ونهارهم ليلاً.. على الأقل هم لم يفعلوا ما يغضب الله ويستوجب عقوبته، لأنهم عوقبوا أصلاً حينما وجدوا أنفسهم في هذه الحياة.. وبهذه الظروف!
إلا أن أكثر ما أصابني بالدهشة، وأنا الذي أخذت يميناً معظماً ألا أصاب بها منذ زمن، هو مشهد أبو مصطفى الذي كان يفترش الأرض في الساعة الثالثة والنصف فجراً، على أوتستراد المتحلق الجنوبي، في وقت لا يبدو فيه أن زبائن محتملين قد يأتون قبل بضع ساعات.. هذا إن أتوا أصلاً!!
كان يفترش الأرض بأغراض غير متجانسة.. (مفكّات، براغي، حنفيات من كل المقاسات..) وكلها قديمة، وزيادة في الحيطة، كان يحمي كل هذه العدة بسلسلة حديدية وكأنه يقول هذه منطقتي وهذا المكان لي.. في حين كل ما حوله فراغ وظلام!
ماذا تفعل في هذا الوقت يا عم؟ يجيب بكل ثقة: أفرش أغراضي تمهيداً لبيعها بعد قليل!
ـ متى؟ في السابعة أو الثامنة صباحاً!
ـ ولكن مازالت الساعة تشير إلى ما قبل الرابعة..
نعم، كان عليّ أن أحجز مكاناً.. فغداً هو يوم جمعة، والناس يأتون إلى هنا في مثل هذه الأوقات ليحجزوا لأغراضهم مكاناً.. في الصباح لن ترى مساحة متر تضع فيها عدّتك!
ـ وكم تبيع في اليوم؟ (تيسيرات ربك).. ولكن في يوم الجمعة يكون العمل أفضل.. وإن شاء الله يفتحها معنا.
ـ ألا ترى بأنك تجلس في مكان خطر؛ فالعتمة شديدة والسيارات تمر على الأوتستراد بسرعة جنونية..
ـ “اللي كاتبه الله رح يصير.. ودخلك نموت مو أحسن من هالعيشة؟!”
إذاً هذا هو الأمر.. لعمري إن هذا الرجل جاء طالباً الانتحار، أو على الأقل غير عابئ بالموت!!
الوجه الآخر لدمشق
هل كان ذلك هو الجانب المظلم في ليل دمشق؟ قد يبدو الأمر كذلك، ولكن لا.. لقد كان هذا الجانب مضيئاً جداً، إذا ما عرفنا أن جوانب أخرى وأماكن أخرى مازالت في انتظارنا، وهي اليوم راحت تصبغ ليل دمشق شيئاً فشيئاً بشروطها وأجوائها التي لم تكن دمشق لتعهدها في ما قبل....
إنها الدعارة ببيوتها وملاهيها وأماكنها التي توزعت في أربعة أرجاء المدينة.. حتى ليخيّل إليك أن دمشق الليل قد تحولت إلى (علبة ليل) أبطالها أكثر من أن نحصيهم في ليلة أو حتى في مجموعة ليال. ولكن من أين نبدأ؟ سيتبادر إلى ذهنك فوراً أن المكان الأمثل هو المرجة.. ساحة الشهداء.. هذا المكان الذي لطالما كان أحد أهم رموز دمشق، وأحد أكثر الأماكن إجلالاً.. هنا قدّمت سورية مجموعة من أبطالها على مذبح الاستقلال.. هنا أعدم خيرة رجالها، هنا أسلم عمر حمد وشكري العسلي وعشرات غيرهم الروح في سبيل هذا الوطن الذي أرادوه حراً وسيداً وشريفاً، وهانحن من يفترض أننا أحفادهم وقد حملنا الراية ولكن .. في شقها الأول فقط.. لقد اعتقدنا أننا أحرار فيما نذهب إليه، وأنه يحق لنا أن ندوس على كل تلك القدسية لساحة الشهداء، فنحولها من الساحة الأشهر باعتبارها رمز سورية المستقلة .. إلى الساحة الأشهر والأكثر صيتاً بالنسبة إلى السوريين وغيرهم من الجنسيات ولكن في مجال آخر أصبح اليوم مقياس الانفتاح والحرية!!
¶ من جديد.. المرجة
كل هذه كانت مجرد تداعيات يمكن أن تجول في خاطرك عندما تطأ قدماك (المرجة).. كان يوماً جديداً في جولتنا، وكنا قد قررنا الذهاب بسيارة خاصة، ولكن ومنذ البداية تم التعرف علينا.. كنا ممثلين بمنتهى الرداءة.. كنا ننظر إلى الأشخاص الذين نعرف بأنهم (قوادو) الدعارة في المنطقة، وكأننا نقول : نحن هنا لإدانتكم.. كانت عيوننا مرتبكة و نظراتنا بلهاء.. وكانوا يقرؤونها جيداً.. فلم يستجيبوا لأساليبنا البدائية.. إلا أنهم لم يخشونا أبداً، حيث كانت العديد من السيارات التي تدخل المكان تجد ضالتها، حيث يرافق ركابها أحد الأشخاص إلى مكان مجهول وذلك بعد الاتفاق -كما يبدو-على التفاصيل..
وهكذا فقد بقينا حوالي الساعة نترقب الأجواء ولكن دون أن يدنو أحدهم منا! وقد أعدنا الكرة أكثر من مرة ، وبسيارات أخرى.. ولكن عبثاً، فلم نخرج بأكثر من حوار أكد فيه محاورنا وبعد أن أوهمناه بأننا نريد (قضاء ليلة ممتعة) أن لا مجال بعد الآن، لأن «العمليات» انتقلت إلى أماكن أخرى خارج المرجة، وخاصة إلى مساكن برزة وجرمانا والمخيم.. لكنه وعدنا في المقابل بتأمين طلبنا إن استطاع العثور على «رزقة» شرط أن نعود بعد قليل، وكان فيما يبدو يريد التأكد من نيتنا الحقيقية! إذاً.. قرر أصحاب الشأن أنه يجب نقل نشاطات الدعارة إلى أماكن أخرى.. أخيراً لم تعد المرجة مكاناً للدعارة.. لقد عادت ساحةً للشهداء ! في نهاية المطاف، تركنا ساحة المرجة وكلنا ثقة أن أولئك المنتشرين في أرجائها وفي ساعات متأخرة بعد منتصف الليل، إنما هم أبطال عملية الدعارة الذين أصبحوا يشتمّون رائحة الزبون الحقيقي ويميزونه من المغفلين مدّعي الشطارة من أمثالنا! يعزز هذه القناعة لدينا دخول العديد من السيارات (تحمل لوحات غير سورية) إلى المنطقة، وتوافر شتى أنواع المشروبات الروحية على قارعة الطريق.. أليست هذه هي عدة (البسط)؟!
- لم تعد دمشق هي دمشق.. ولم يعد قاسيون هوقاسيون.. ورغم أن هذا الجبل قد شهد أول جريمة في تاريخ البشرية حين قتل قابيل أخاه هابيل، فإن هذه لن تكون نهاية الأفعال المشينة على هذا الجبل الذي لا يمكنك تصوّر دمشق من دونه والعكس صحيح..
¶ من قاسيون أطل ياوطني ..
صيفاً .. عندما تتدرج صعوداً إلى سفوح قاسيون سيأخذك منظر الآلاف من البشر على شكل عائلات وهم يمضون أوقاتاً جميلة على سفوحه، ولكن هذا المشهد الدمشقي الأصيل(السيران) لا يبدو كاملاً.. فاللوحة مازالت منقوصة، ففي أماكن أخرى أكثر ارتفاعاً وخصوصيةً، هناك تجمعات من نوع آخر، عليك فقط أن تتجه باتجاه طريق معربا – التل.. هنا لست بحاجة إلى التمثيل.. سيكون المنظر لأول وهلة صاعقاً.. ستعتقد أنك لست في دمشق أو في جوارها، ستحلف أغلظ الأيمان أنك ربما في (لاس فيغاس).. فالأضواء تكتسح وعلى مد النظر جبلاً كان حتى وقت قريب مقفراً.. إذاً هذه هي السياحة.. هنا بدأنا نقطف ثمار الاستثمار السياحي.. عشرات من الملاهي الليلية والمرابع والمراقص تتآخى جنباً إلى جنب في مشهد سيبدو غريباً على مدينة كدمشق.. ولكن ما الضير في ذلك، طالما كان الهدف هو تشجيع السياحة؟!
أسماء أكثر من أن تستطيع حفظها.. (المختار، الملك، تاج الملك، مونت كارلو..) كلها أسماء لمنشآت رُخّصت على أنها سياحية.. لكنها كانت أكثر بكثير، وإن فرضنا مجازاً أنها سياحية فمن الأدق أن نسميها سياحة الدعارة!
يقول العارفون في هذه المهنة، إنه وقبل نحو ست أو سبع سنوات وما قبل، لم يكن هناك أثر لهذه الأماكن.. لتبدأ بعد ذلك هبّة استثمارية لا مثيل لها، حيث بدأ بعض من لديهم حسّ استثماري استباقي بإنشاء منشآتهم الأولى.. كانت دون ترخيص أولاً ثم تقرر ترخيصها تحت مسمى منشأة سياحية.. كانت تنبت كالفطور متجاورة، غير عابئة بازدياد أعدادها.. ففي هذه المهنة لا خوف من المنافسة والكساد.. الكل سيجد له مكاناً، وكلما ازداد عدد الصالات ازداد العمل!!
كانت البداية بقيادة بعض المتنفذين الذين دشنوا وبجرأة يُحسدون عليها هذه المشاريع الاستثمارية، حيث استطاع هؤلاء تأمين الموافقات لإقامة مثل هذه الأماكن ومن جهات متعددة بدءاً بالبلديات مروراً بوزارة السياحة ونقابة الفنانين وصولاً إلى كل الجهات المسؤولة عن منح الترخيص..
واستطاع هؤلاء (الكبار) الترخيص لـ(منشأة سياحية) يسمح فيها تناول المشروبات الكحولية بأنواعها ويسمح بعزف الموسيقا أيضاً، وعملياً يستطيع صاحب هذه المنشأة أن يتذرع بأن لديه موافقات تسمح بتقديم المشروب والموسيقا، ووفقاً لهاتين الموافقتين أصبح استقدام الراقصات اللواتي يقمن بأعمال أخرى هو كملحق للموسيقا!
ولم يكن هناك من يهمه الاعتراض على ذلك، فالاتفاق ضمني على أن هذا العمل هو لتشجيع السياحة أخيراً.. والدليل أن إخواننا في الخليج تركوا بقاع الدنيا وعبدونا.. حتى أصبحنا ننافس ليس فقط لبنان بل وأماكن أخرى في شرق آسيا لها تاريخ حافل في مهنة الدعارة!
وأصبحت لهذه المهنة أصول وشبكات تعمل على إنجاحها. ولذلك لن تستغرب وجود هذا الكم الهائل من الملاهي في بقعة واحدة، كانت كما قلنا أرضاً جرداء، فتحولت إلى أماكن تباع بأسعار خيالية.. وهكذا فقد جنى الجميع ثمار هذه المهنة الجديدة ، فالبلديات جنت من بيع الأراضي وإعطاء تراخيص البناء (وبلدية معربا مثالاً) ووزارة السياحة كان لها حصتها من هذه المشاريع الحضارية، أما نقابة الفنانين فكانت الرابح الأكبر.. حيث راحت ترخّص لكل اللواتي يعملن في هذه الملاهي على أنهن (فنانات) وتقبض عن كل واحدة منهن مبلغاً قدره 7000 ليرة شهرياً، وبحسبة بسيطة سنجد أن كل ملهى يحوي حوالي 20 راقصة (نورية أو غجرية أو غيرهما) وإذا كان في دمشق بحسب تأكيدات بعض العاملين في هذه المهنة نحو 200 ملهى ومرقص ومربع، فإن عدد العاملات فيها سيكون نحو 4000 راقصة، يدفع المحل عن كل واحدة منهن 7000 ليرة شهرياً ويكون المبلغ الإجمالي الذي تجنيه النقابة شهرياً هو مليونا ليرة وثمانمئة ألف وفي العام 33.6 مليون ليرة وبناءً على ذلك يقول بعض (الحاسدين) إن نقابة الفنانين ولولا أولئك الراقصات لما استطاعت أن تدفع للعضو فيها 10 آلاف ليرة كتقاعد ونحو 400 ألف ليرة عند الوفاة.. وهكذا فإن الكثير من فنانينا المحبوبين يعيشون على ما تقدّمه لهن (فنانات) المرابع الليلية اللواتي يعملن طوال الليل وفي أسوأ الظروف والأوضاع دون أن ينالهن شرف الاستفادة من نشاطهن الخاص على الأقل بعد التقاعد!
وليس هذا فحسب.. بل إن نقابة الفنانين (الحقيقيين) تتابع باستمرار ودأب أي جديد في هذه الملاهي كاحتمال دخول فنانة جديدة لم يسجلها صاحب هذا الملهى أو ذاك.. ولذلك فإنها تقوم بدوريات ليلية و(كبسات) على هذه الملاهي إلا أن أصحاب الملاهي فهموا الدرس وراحوا يتحولون إلى طرق أكثر نجاعة مع هؤلاء (المرتزقة) واكتشفوا حيلاً انطلت على النقابة حتى الآن، ونحن سنفشيها ولكن ليس خدمة لهذه النقابة التي فشلت في تأمين حياة كريمة ولائقة لأعضائها، بل لإيضاح الأجواء التي تحكم مثل هذه الأماكن.. فأصحاب الملاهي والقائمون عليها راحوا يستقطبون الفتيات ومن كل الأعمار بدءاً من سن 15 وما قبل أحياناً وحتى الخامسة والعشرين ويستضيفوهن في ساحة المرقص على أنهن زبائن ليرقصن مع مجموعة من الشبان (الخليجي غالباً) وأعدادهم بالعشرات.. وليقوموا بدور الوسيط بين الفتيات والزبائن الحقيقيين، بحيث تسعّر كل واحدة منهن ويُطلب من السائح دفع المبلغ لصاحب المحل حصراً.. وهنا لابد أن نشير إلى أن لكل عمل سعره، فمن يريد قضاء ساعة مع الفتاة له سعر ومن يريد قضاء ليلة كاملة يعامَل معاملة أخرى.. أما من يريد شراءها والسفر بها إلى الخليج، فسوف تتم مراعاته بالتأكيد، ولكن من هنّ أؤلئك الفتيات؟ وكيف انتهى بهن الأمر هنا؟ ومن يدير هذه الشبكة.. وما هي أنواع الملاهي اللواتي يعملن فيها؟
¶ شبكة عنكبوتية!
لا يتخيلن أحد أن هذه الأمور وهذه المهنة تسير بشكل اعتباطي، أو مصادفة، فالأمر مدروس برمته.. والدعارة أصبحت شبكة من الصعب اختراقها.. لكننا سنحاول وبناء على تأكيدات لأشخاص يعملون في هذا الوسط أن نلقي الضوء عليها:
يبدأ الأمر في المطار، عندما يصل الزبون (الخليجي) والذي تستقبله سيارة أجرة، حيث ينتظره سائق التكسي الذي يوصل زبونه إلى أحد المكاتب (العقارية أو السياحية) وهنا يتم إرسال الضيف إلى إحدى الشقق المفروشة، حيث تكون بانتظاره خادمة هي من تتولى أمر الفتيات، فتقوم بالاتصال بهن ولينتهي به المطاف في أحد الملاهي أو بيوت الدعارة ضيفاً.
وهكذا فإن العملية تتم بشكل آلي، فيصبح السائح القديم دلالاً لأصدقائه ممن يريدون قضاء إجازة ممتعة في ربوع سورية الحبيبة.. حتى إن الأمر بات اليوم يُحلّ عبر الهاتف.. فالجوال كما يقول محدّثنا لم يعد يعرف الحدود.. وباتصال واحد يستطيع الزبون الخليجي الوصول إلى مراده.
وإذا كنا نتحدث عن سائق التكسي كطرف رئيسي في هذه الحلقة، فلعلمنا أنهم يشكلون المرشد الحقيقي لهؤلاء والذين يلعبون دور الوسيط.. لا بل يمكن للواحد منهم أن (يسبّع الكارات) وقد وصلت إلى هذه النتيجة بعد أن رأيت بأم العين السائق الذي أقلني إلى جرمانا في أحد المرابع الليلية وهو يعمل كـ(كورس) وعازف طبلة في الوقت نفسه!!
¶ الملاهي والمراقص والمرابع.. ومستويات!
من يقول إن الملاهي كالمرابع وبالتالي كالمراقص، فهو مبتدئ بالتأكيد، كحالي عندما ذهبت في أولى جولاتي الليلية! والآن وبعد أن أصبحت مخضرماً وذا اطلاع لا يستهان به أستطيع أن أؤكد لكم أن لكل منشأة نوعاً خاصاً من الأعمال وزبائن يختلفون عن غيرها.. وباختصار القصة فيها مستويات سنبدأ بأقلها دعارة..
ـ المستوى الرابع، ويسمى العائلي: وهي المرابع الليلية التي تسمى (عائلية) وهي تستقطب السوريين وغالباً المرفهين منهم.. وهذه يكون عملها، خاصة في الصيف حيث يعتبر موسماً سياحياً بامتياز، وهنا يختلط السوري بالخليجي (أقصد الزبائن).
هذا الجو العائلي يصنّف سياحياً على أنه من فئة الأربع نجوم حصراً.. هنا نادراً ما تجد الزائر الخليجي مع عائلته.. بل سيكون برفقة (سهّيرة) على رأسهم السائق إضافة إلى (صبايا السياحة)
ـ المستوى الثالث، هو الأماكن التي تقدم برامج الاستعراض: هنا يبلغ عدد الراقصات على المسرح 20 راقصة فما فوق ويسمونهن راقصات استعراض، يحصلن على موافقة من نقابة الفنانين وبعقود موثقة وهن من جنسيات مختلفة.. ورواد هذه الأماكن هم عموماً من الشباب السوري والخليج.. هنا وكما قلنا سابقاً يتم التعارف على المسرح ومن هنا تبدأ السياحة إلى المنازل الخاصة والمؤجرة..
ـ المستوى الثاني: الكباريه (الملهى الليلي) الذي يجمع بين جنباته جنسيات مختلفة (روماني، روسي..) وهو أيضاً مصرّح من قبل نقابة الفنانين، والرواد خليط من الجنسيات العربية لتتم المواعيد ليلاً والدعوة في اليوم التالي على الغداء ومن بعدها إلى الشقة وبعدها (فهمكم كفاية) !!
ـ المستوى الأول من الملاهي، وهو الذي يستقطب «النوريات» وهذه غالباً توجد على أوتستراد معربا وطريق التل السياحي، حيث يكون هناك أكثر من 50 إلى 60 (فنانة) استعراض تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة، ويسمح لهن بالعمل في عدة أماكن في نفس الليلة، وهذه تستقطب الضيوف من الخليج، حيث تمارس هنا أهم الطقوس (النقطة) وهي عبارة عن رشّ النقود على الراقصات في منظر استعراضي ولا أبهى!! ولكن لتعود كل هذه النقود إلى صاحب المحل حصراً ولا يحق للفنانات أخذ أي شيء من هذه النقود، بعيداً عما اتفق عليه بينهما!!
- قد يقول قائل إن الدعارة هي أقدم مهنة في التاريخ، وبالتالي لافائدة ترجى من أي محاولة لمنعها أو إلغائها ..لكن الصحيح إن وافقنا على ذلك (وهو مايبدو ) أن يتم تنظيمها وقوننتها وتشديد الرقابة عليها وحصر أماكن انتشارها بعيدا عن الأحياء السكنية وخارج حدود المدن، خاصة التشدد في منع دخول الفتيات القاصرات أو الشبان المراهقين إلى مثل هذه الأماكن ..والأهم من كل ذلك، الحد من الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة الدعارة وبيوتها بهذا الشكل المنفلت من أي عقال .
علي حسون
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد