مؤتمر سرت: تناقضات بالجملة، ولعبة دولية معقدة
فاجأ الزعيم الليبي معمر القذافي المشاركين في المؤتمر الدولي عن ازمة دارفور بموطنه في مدينة سرت، 500 كلم شرقي العاصمة طرابلس، عندما دعا الامم المتحدة والدول العظمي الى عدم التدخل مستقبلا في "النزاع السوداني-السوداني في اقليم دارفور".
كما دعا القذافي زعيمي الفصيلين اللذين قاطعا المؤتمر الى المشاركة مستقبلا في الحوار السوداني الداخلي حول دارفور. ووصف القذافي زعيمي هذين التنظيمين بـ "الابنين".
كما فاجأ نائب الرئيس السوداني نافع علي نافع المؤتمر باعلان وقف اطلاق النارمن جانب واحد في دارفور.
وقد رحب ممثل الفصائل المتمردة المشاركة في المؤتمرـ إبراهيم محمد غيرإيراط ـ بنداء القذافي للحوار الداخلي منوها باللقاءات التي جمعت القذافي سابقا في طرابلس وسرت وخارج ليبيا.
لكن السؤال الهام هو: هل يسفر هذا المؤتمر عن دعم فرص وحدة السودان ووضع أسس سليمة لتسوية نزاع دارفور؟ أم يكرس تقسيم هذا البلد العربي والافريقي الاكبرمن حيث مساحته؟
هذا السؤال الكبير طرح بالحاح في اجتماعات الكواليس على هامش المؤتمر الدولي الذي ينظم حول ملف دارفورفي مدينة سرت الليبية برعاية من الامم المتحدة والاتحاد الافريقي في أجواء مشحونة إقليميا ودوليا.
الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره التشادي ادريس دبي استبقا مؤتمر دارفور بتوقيع اتفاق في مدينة سرت حضره الزعيم الليبي معمر القذافي يسمح باحداث قوات مراقبة دولية للحدود بين السودان والتشاد أي في واحدة من المناطق التي كانت الخرطوم تقول أن المتمردين يستخدمونها للحصول على الدعم المالي والعسكري والتسلل للبلاد " بدعم من سلطات التشاد " فيما كانت قيادة انجامينا تتهم الخرطوم بالسماح للمتمردين المدعومين من السودان "بالتسلل إلى أراضيها".
السفير أبوزيد حسن أبو زيد مدير إدارة الأزمات في وزراة الخارجية صرح للبي بي سي العربية أن "توقيع الاتفاق بين الرئيسين البشير ودبي في سرت قبل يوم واحد من اجتماع سرت حول دارفور يوفر فرصا جديدة لانجاح المحادثات الحالية في سرت حول انهاء التمرد في اقليم دارفور..عبر تطبيق بنود اتفاق أبوجا الذي سبق أن صادق عليه أهم قادة المتردين".
لكن ماذا عن "جبهة معارضي اتفاق أبوجا "؟ التي تقاطع أغلب فصائلها مؤتمر سرت للسلام ؟
ممثلو الحكومة السودانية في مؤتمر سرت أعربوا للبي بي سي العربية عن استعدادهم " للاستماع إلى مختلف الافكار والمقترحات الجديدة رغم اقتناعهم بكون اتفاق أبوجا " تناول كل التفاصيل " ويستدلون بمصادقة رموز للمتمردين عليه بينهم القيادي في "حركة تحرير السودان" السيد منى أركومناي الذي عين كبير مستشاري الرئيس السوداني.
لكن "جبهة رافضي اتفاق أبوجا" تقاطع اجتماعات سرت. ويتزعم هذه " الجبهة " عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان" ـ المقيم في العاصمة الفرنسية باريس ـ وخليل إبراهيم زعيم رئيس حركة "العدل والمساواة".
إلا أن عددا من قادة التنظيمات والميليشيات التي عارضت اتفاق ابوجا تشارك في اجتماع سرت وأغلبها من بين القيادات التي تفرعت عن حركتي عبد الواحد محمد نور وخليل ابراهيم. وحركات اغلبهم تحمل تسميتي العدل والمساواة وتحرير السودان.
ومن أبرز الزعامات والفصائل المشاركة في مؤتمر سرت حركة التحالف الفيدرالي بقيادة أحمد ابراهيم دريج الحاكم الاسبق لاقيلم دارفور في عهد الرئيس جعفر النميري وادريس أزرق وبحرادريس أبو قردة وحركة "القيادة الجماعية "، و"القيادة الثورية المتحدة " وحركة الاصلاح والتنمية "، وتنظيم خميس عبد الله وهو منشق عن الحركة التي يقودها عبد الواحد محمد نو رمن باريس.
وقد عبر ممثل عن متمردي دارفور في تصريح لبي بي سي أن حركته تهدف إلى إنجاح كل سيناريوهات التسوية السياسية للأزمة.
وبصرف النظر عن حظوظ نجاح مفاوضات الكواليس وجلسات الحوار المباشرة بين الحكومة السودانية وقادة الحركات المسلحة المتمردة في دارفور، فقد تعددت تدخلات دول الجوار والعواصم الدولية في محاولة للتأثير في مسار مؤتمر سرت ومستقبل اقليم دارفور والسودان.
لكن المشكل الذي يواجه الخرطوم والفصائل المتمردة هو تضارب اجندات الدول المعنية بالنزاع. ويكشف الحضور الكبير للوفود الاعلامية والسياسية الصينية والاسيوية والاوربية والامريكية والليبية في المؤتمر حدة تناقض المصالح حول مستقبل اقليم دارفور وثرواته الهائلة وأن لكل طرف أجنبي أجندة خاصة به في السودان.
فقد اصبحت الصين المستثمر الاول في السودان ضمن خطة شاملة للتدخل في افريقيا فيما تنوعت مجالات صراع النفوذ بين فرنسا والولايات المتحدة.
واذ تقود واشنطن التيار الذي يدعو للتعامل بحزم أكبر مع الخرطوم فان باريس تعتبر مستقبل السودان عموما ودارفور خاصة "مهم جدا استراتيجيا" لها في افريقيا، خاصة أن اقليم دارفور مجاور للمنطقة الفرنكفونية الافريقية.
ومن بين ما يزيد مفاوضات مؤتمر سرت حول ملف دارفور تعقيدا ورقة التعقيدات القبلية والعرقية ..التي تحركها عدة ميليشيات والخرطوم وقوى سياسية اقليمية ودولية كثيرة.
الاطراف المتمردة تتهم الخرطوم بتفجير التناقضات القبلية والعرقية لتجنب فرضية توحد كل الاطراف الفاعلة في دارفور لأن توحدها قد يسهل سيناريو" تقسيم السودان وانفصال اقيلم دارفور".
كما تتهم القيادة السياسية في الخرطوم بتأجيج الصراعات المسلحة عبر دعم ميليشيات من القبائل العربية في درافور مثل الجندويد والزريقات والهبانية.
في المقابل يتعقد التوتر لأن بعض قبائل دارفور مثل الزغاوة وفور موجودة في عدد من دول المنطقة وتمتد من السودان إلى ليبيا والتشاد.
بل إن قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها أغلب قادة التمرد هي في نفس الوقت قبيلة الرئيس التشادي ادريس دبي ولها امتداد في ليبيا. ومن بين مشاكل قادة التمرد أن قبيلتهم لا تمثل غالبية سكان دارفور بخلاف قبيلة فور، وهي قبيلة الزعيم المتمرد المقيم في فرنسا عبد الواحد محمد نور..أي قبيلة غالبية النازحين في المعسكرات.
والتحدي الذي يواجه الجميع حاضرا ومستقبلا هو التوصل الى التوفيق بين هذا الكم الهائل من التناقضات لتجنب سيناريوهات اكثر تعقيدا تزيد الاوضاع الامنية والسياسية في المنطقة خطورة.
كمال بن يونس
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد