ما هو تأثير التيار الإسلامي على مستقبل تركيا في القرن الحادي والعشرين
الجمل: تمثل تركياـ على أساس اعتبارات التاريخ والجغرافيا بلداً إسلامياً شرق أوسطياً، وبرغم ذلك ظلت أمريكا والغرب تتعامل مع الدولة التركية باعتبارها تمثل النموذج المناهض لتوجهات وأفكار مسلمي تركيا والشرق الأوسط، التي (عفا عليها الزمن)، وأبرز المعطيات التي تستند إليها وجهات النظر الغربية تتمثل في الآتي:
- بدأت عملية التحول الغربي في تركيا منذ أيام الامبراطورية العثمانية.
- ظلت تركيا مخلصة للعلمانية بثبات منذ لحظة الإصلاحات التي أطلقها رئيسها المؤسس مصطفى كما أتاتورك.
- ظلت تركيا بلداً ديمقراطياً تعددياً جزئياً منذ عام 1950م.
- اعتمدت تركيا توجهاً سياسياً موالياً للغرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وبرغم كل معطيات الخبرة السابقة، ينظر الغرب وأمريكا إلى تركيا بقلق وتوتر بالغ على خلفية الظاهرة التي أطلق عليها سونير كاغابتاي، (الباحث المسؤول عن الدراسات التركية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للوبي الإسرائيلي) تسمية الانعطاف باتجاه الأفكار الشرق أوسطية التي عفا عليها الزمن: نهوض ال حركة القوية المتشددة دينياً والتي تمثلها حكومة حزب العدالة والتنمية. وقد جاء حزب العدالة والتنمية للسلطة في عام 2003م، حيث بدأت عملية تقويض واضحة لتوجهات السياسة الخارجية التركية الموالية للغرب.
يعتبر عام 2007م الجاري، العام الأكثر أهمية لمستقبل مسار تركيا في القرن الحادي والعشرين. وذلك لجملة من الأسباب، أبرزها:
• استعداد الأتراك لخوض انتخابين حاسمين، فالانتخابات الرئاسية سوف تكون خلال نيسان- حزيران، والبرلمانية سوف تتم في تشرين الثاني.
• انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي أصبح عالقاً في وحل المماطلة، وذلك عندما جمّد الاتحاد الأوروبي في 14 كانون الأول 2006 محادثات الانضمام مع تركيا حول بعض البنود الماثلة للنقاش آنذاك، وعلى ما يبدو فإن الاتحاد الأوروبي سوف لن يواصل المحادثات مع تركيا إلا إذا قامت بتطبيع علاقاتها وروابطها مع حكومة الأغلبية اليونانية في قبرص، وهو موضوع سياسي لا يجد حالياً أي قبول في تركيا وقد أدت هذه التطورات بقطار انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي إلى التباطؤ والوقوف تماماً.
يمثل عام 2007م، عام الرهان الخطر في كل الاعتبارات المتعلقة بالتزام تركيا إزاء أمريكا والبلدان الغربية، فمنذ قدوم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002م، أصبح التأييد والسند الشعبي التركي لأمريكا والغرب أكثر ضعفاً وهو أمر يؤكده الآتي:
- استطلاع مركز بيو: أجرى مركز دراسات بيو في عام 2006م استطلاعاً للرأي العام التركي، أبرز نتائجه تمثلت في انخفاض مشاعر الشارع التركي الموالية لأمريكا والغرب.
- صندوق مارشال الألماني: قام صندوق مارشال الألماني في عام 2006م، بعملية مسح للرأي العام التركي، أوضحت بأن مشاعر الشارع التركي إزاء القضايا والبلدان الإسلامية –بما فيها إيران- قد تزايدت وأصبحت أكثر دفئاً وحرارة بشكل ملحوظ.
تعتبر تركيا بلداً تسكنه أغلبية إسلامية كبرى، ولفترة طويلة ظل الأتراك يتطلعون للغرب ويتمثلون بغايات وأهداف السياسة الخارجية الغربية، وعلى وجه الخصوص في الفترة التي أعقبت عام 1946م.
وتعود التوجهات التركية الموالية للغرب إلى جهود الأحزاب والأطراف التركية العلمانية، والتي استطاعت أن تقدم البراهين والدلائل المقنعة للشعب التركي في الماضي بأن مصالح تركيا والأتراك تكمن في الغرب الأوروبي وحده، الأمر الذي دفع أغلبية عامة الشعب الذين لا يدينون بالولاء إلى تأييد ومساندة الأهداف والغايات السياسية الخارجية الغربية، بما في ذلك السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
وفي الجانب المقابل للتوجهات الغربية، اتخذ حزب العدالة والتنمية المزيد من الاهتمام والحرص إزاء القضايا الإسلامية الشرق أوسطية. ولم يدعم حزب العدالة والتنمية انتهاج سياسة خارجية تركية تتحرك في خط مواز مع سياسة حلفاء تركيا الغربيين الخارجية، بل وبدلاً من ذلك، قام حزب العدالة والتنمية بتثمين قيمة وتعلية شأن روابط تركيا مع البلدان الإسلامية، وشدد من أجل التضامن مع القضايا الإسلامية، وهو أمر اعتبره الكثير من المحللين والمراقبين مؤشراً على حدوث تحول حقيقي في الشارع التركي باتجاه الانعطاف نحو الشرق الأوسط المسلم. وهذا التحول أدى بدوره إلى تغذية المشاعر السياسية القوية الجديدة والتي بدأت تأخذ في الشارع التركي شكل القومية الإسلامية، خاصة وأن كثير من الأتراك قد توصلوا، على نفس منوال نسق وتوجهات حزب العدالة والتنمية، بأن مصالحهم تقبع في البلدان ذات الأغلبية الإسلامية.
حتى الآن ماتزال تركيا بلداً حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة، ومازالت تركيا تعرف كيف تقوم بتنفيذ واجباتها الدولية –مثل المشاركة في حلف الناتو، وأفغانستان، والحرب ضد الإرهاب، والعراق- وبرغم هذه المسائل والقضايا الجارية حالياً، فإن حزب العدالة والتنمية يقوم بدفع وتحريك تركيا إلى الاتجاه الذي تتنامى وتتزايد فيه توجهات الرأي العام المعادية للغرب على النحو الذي يؤدي إلى فرض القيود والضوابط على التزامات تركيا تجاه الغرب وأمريكا.
لقد مرت خمس سنوات على حكم حزب العدالة والتنمية، وهي فترة استطاع فيها هذا الحزب، ليس تقويض التزام تركيا إزاء الغرب وأمريكا وحسب، وإنما أيضاً خلخلة العلمانية التركية.. وحالياً أصبحت السياسة الخارجية الموالية للغرب، والعلمانية، تأخذ شكل التوءم السيامي (أي التوءم الذي يولد برأسين وجسد واحد) في السياسة التركية.
الصراع في الانتخابات التركية الرئاسية، والبرلمانية سوف تكون نتيجته حاسمة بالنسبة لتوجهات تركيا المستقبلية، وذلك لأن فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات الرئاسية سوف يجعل الحزب مسيطراً على البرلمان وعلى رئاسة الجمهورية، أي على السلطة التشريعية والتنفيذية، ولما كان رئيس الجمهورية في تركيا هو الذي يقوم بتعيين قضاة المحكمة العليا، وقادة الجيش والأمن، ومدراء الجامعات، فإن حزب العدالة والتنمية سوف يقوم بتغيير الطاقم العلماني الموجود في هذه المجالات، وبالتالي عندما يقوم بتعيين القضاة الجدد، فإن السلطة القضائية تصبح أيضاً في يد الحزب، وبالتالي يكون الإسلاميون في تركيا قد سيطروا على السلطات الثلاثة: التشريعية، التنفيذية، والقضائية..
إن الفوز المحتمل لحزب العدالة والتنمية بالانتخابات الرئاسية أصبح يشكل كابوساً شرق أوسطياً جديداً لأمريكا وإسرائيل، وبدرجة أقل للاتحاد الأوروبي الذي سوف توفر له عملية الفوز الذريعة المثلى لكي يقوم بإغلاق ملف انضمام تركيا نهائياً. وعندها لن يتردد قادة حزب العدالة والتنمية من تبني التوجهات التي تؤدي إلى كامل اندماج تركيا ضمن بيئة الشرق الأوسط العربية الإسلامية، وسوف تكون خسارة أمريكا وإسرائيل فادحة للغاية.. وحالياً تدور الكثير من الأحاديث في واشنطن وتل أبيب حول كيفية عرقلة تقدم حزب العدالة والتنمية، ودفع القوى العلمانية للتدخل بواسطة الجيش عن طريق إشعال الحرب الكردية- التركية.. التي أصبحت وشيكة الحدوث، بعد تصريحات البرازاني (حليف إسرائيل) الأخيرة، والتي ينظر لها بعض المراقبين بأنها تصريحات لم تأت وفقاً لرغبة البرازاني، ودوافعه الخاصة، وذلك لأنها بحسب ما هو ظاهر تصريحات مدروسة ومحسوب تداعياتها بعناية فائقة، خاصة وأن الجرأة التي تحدّث بها البرزاني كان واضحاً أنها تستند إلى قوة داعمة، لا يمكن أن يتوافر مثلها في هذا الوقت بالذات إلا لأمريكا وإسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد