ماتوا من أجل الهواء!
أدَّت الاضطرابات السياسية والحروب في المنطقة، إلى نتائج غير مقصودة تمثَّلت في تحسين جودة الهواء، حيث تراجعت، في دول مثل سوريا والعراق، مستويات تلوث الهواء إلى حدٍ كبير.
وانخفضت نسبة النيتروجين في الهواء في العاصمة السورية دمشق بنسبة 50 في المئة منذ بداية الحرب.
ومنذ العام 2004، توصَّل العلماء إلى طرق يمكن من خلالها رصد مستويات ملوثات الغلاف الجوّي بدقة اعتماداً على نشر أدوات مراقبة مستويات الأوزون الملحقة بالقمر الاصطناعي «أورا» الذي أطلقته وكالة «ناسا».
واعتمدت هذه الدراســة الجديــدة على بيــانات واردة مــن مركبة فضاء بهدف الكشف عن أثر الأنشطة الاقتصادية والسياســية والعسكرية، على مستوى تلوث الهواء في المنطقة خلال السنوات العشر الأخيرة.
وبالنظر إلى مستوى النيتروجين في الهواء، الذي ينتج عن عملية احتراق الوقود الحفري، خصوصاً المستخدم في تشغيل وسائل النقل، توصَّل الفريق البحثي إلى أنَّ المسألة تنطوي على قدر كبير من التعقيد، وأنَّ تلك المستويات غير قابلة للتوقعات.
تطور درامي
في دول مثل سوريا، انخفضت معدّلات أوكسيد النيتروجين في مدن مثل دمشق وحلب، فيما ارتفعت في لبنان، مثلاً، تلك النسبة بواقع 30 في المئة نظراً لتدفق اللاجئين.
ويرى العلماء أنَّ ارتفاع نسبة أوكسيد النيتروجين لا يتناسب على الإطلاق مع تراجع النمو الاقتصادي في لبنان.
ويقول جو ليليفيلد، الأستاذ في معهد ماكس بلانك البريطاني للكيمياء، إنَّ «ما حدث كان لافتاً للانتباه».
ويؤكد أنَّ معدل استهلاك الطاقة ارتفع في تلك المناطق، علاوة على الزحام المروري الذي أصابها، إذ إن هناك عدداً أكبر من السيارات التي تسهم بنصيب كبير في زيادة الانبعاثات.
في المقابل، هناك دول مثل اليونان، لعب الركود الاقتصادي والقوانين الجديدة التي صدرت لحماية البيئة الدور الأكبر في التأثير على انبعاثات أوكسيد النيتروجين فيها.
أما في العراق، فهناك أثرٌ جليّ يظهر على جودة الهواء في البلاد. ففي المناطق الواقعة جنوب البلاد مثل كربلاء، ترتفع نسبة تلوث الهواء، بينما تتراجع تلك النسبة في الاتجاه المقابل شمال العراق، وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرة «داعش».
ويقول الباحثون إنَّ تنوّع الآثار التي ظهرت في الفترة الأخيرة على ملوثات الهواء في منطقة الشرق الأوسط، تلقي الضوء على الكثير من الأمور الهامة التي قد تفيد في توقع مستوى الانبعاثات الضارة للغازات المختلفة، أبرزها انبعاثات الكربون والنيتروجين.
لكن في بعــض الدول التي لا تتــوافر عنها بيانات في ما يتعــلّق بالانبعــاثات الملــوثة للهــواء، يمكن التوصل إلى بعض الفرضيات العلمية عن طريق سيناريوهات متوقــعة، وهو ما لا يمكن تطبيقه على دول منطقة الشرق الأوسط، وفقاً لليليفيلد.
ويرى بعض العلماء أنَّ منهجية هذه الدراسة لا يمكن أن توفّر صورة دقيقة واضحة لــتأثير مخــتلف العوامل الاقتصادية والسياسية والعسكرية على جودة الهــواء ودرجة تلــوثه لأنه، على سبيل المثال، من الممكــن أن تــتراجع نسب انبعاثات الكربون وأوكسيد النيتروجين، وأوكسيد الكبريت، بينما ترتفع في المقابل نســب ملــوثات أخــرى نظراً لاعتماد السكان في تلك المناطق على وقود رديء للغاية للتدفئة.
ويرى آخرون أن الدراسة اتبعت الأبحاث السابقة التي أُجريت أثناء حرب العراق. ويشير هؤلاء إلى أنَّ الدراسة ركزت على الدور الهام الذي تلعبه البيانات الدقيقة التي يوفرها القمر الاصطناعي. ويؤكدون أنَّ هذه الدراسة ألقت الضوء على حجم التلوث البيئي الذي تعانيه المنطقة والأثر السلبي الهائل الواقع على سكانها.
(«بي بي سي»)
إضافة تعليق جديد