ماذا يريد يوسف زيدان.. و"زيدانيو" سورية
الجمل ـ فراس القاضي: فجأة، وبلا مسوغات سوى التي في باله، قرر صاحب رواية (عزازيل) الشهيرة، يوسف زيدان، أن يصارح المواطن العربي بأن صلاح الدين الأيوبي، "من أحقر الشخصيات التي مرت عبر التاريخ البشري"! هذا كلامه حرفياً، وأن يترك الباب مشرّعاً لإكمال ما بدأه من قِبل كل من يرغب، وهذا - للأسف - ما حدث على صفحات مواقع التواصل؟!
بالطبع، وبكل تأكيد، لا أحدَ فوق النقد، ولا أحد منزهٌ عن الخطأ، لا صلاح الدين ولا غيره، لكن لمصلحة مَن هذا الكلام في هذا الوقت بالذات؟
ألا يدرك مثقفٌ وكاتبٌ بحجم يوسف زيدان، أن كلامه هذا سيزيد طين الخذلان بلة عند الجمهور العربي الذي يمر أساساً بمرحلةٍ من التخلي والكفر بكل المفاهيم والمبادئ والقضايا والرموز؟ الجمهور العربي الذي يتعرض حالياً لأبشع وأشد محاولات إعادة تشكيل وعيه بما يتناسب مع مخططات الناهب الدولي (مصطلح الناهب الدولي للأستاذ روبير بشعلاني) التي صارت تجاهر بها ولا تخفيها أبداً، وخاصة فيما يتعلق بمحاولات تصفية القضية الفلسطينية التي لم تتعرض لمثل ما يحدث الآن منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي، حيث وصلت الأمور لدرجة أن الموت والنزوح طال الفلسطينيين في مخيماتهم في كل مكان، وأن حلم الكثيرين منهم صار العودة إلى المخيم لا إلى فلسطين؟!
ألا يدرك صاحب (عزازيل) أن هذا ليس هو الوقت المناسب ليهاجم فيه و"ينتقد" بكل هذه القسوة شخصيةً تاريخيةً يرادفها في الوجدان العربي اسمُ مدينةٍ تحتلّ جلّ مساحة هذا الواجدان.. القدس؟!
وحتى لو كان كل ما قاله عن صلاح الدين صحيح تماماً، وبالفعل كنا مخدوعين بهذا القائد، واليوم عرفنا الحقيقة.. ما الفائدة التي سيجنيها زيدان من ذلك؟ وما الذي سيجنيه الجمهور العربي من هذه "الحقيقة"؟ هل الهدف هو أن تتحول ذاكرتنا أيضاً إلى مقبرة؟ هل هو مجرد جلد للذات؟ ما هدفه؟ ولمَ كل هذا الاستلاب في ثقافتنا ورموزنا؟ ولمَ كل هذا الإمعان في تصغيرنا وتشويهنا أكثر؟
تعالوا إذاً في هذه اللحظات السورية العصيبة التي شكلت حالة مذهلة من الصمود والتحدي، لننتقد يوسف العظمة.. ما المانع؟ تعالوا نشتم رجلاً عرف أنه ذاهب للموت - كما كثير من جنودنا اليوم - ولم يتراجع.. ما المانع؟ أليس المهم هو حرية "النقد" وتنقية الموروث؟
مَن قال إن تاريخنا فقط هو الذي يحتاج إلى تصفية وإعادة كتابة؟
ماذا عن التاريخ الغربي ورموزه؟ هل يعقل أنه منقول بأمانة وصدق مائة بالمائة؟
لماذا لم نسمع عن مثقف فرنسي شتم شارل ديغول مثل هذه الشتيمة الشنيعة؟
لماذا لم نسمع عن مثقفٍ أو مفكرٍ أمريكي يشتم جورج واشنطن مثل هذه الشتيمة الشنيعة؟
لماذا لم نسمع أحداً شتم سيمون بوليفار مثل هذه الشتيمة الشنيعة؟
مع أنهم أقوى وأجرأ منّا على النقد والتعرية وبلا خوف من أحد.
هل المذكورين آنفاً ملائكة؟
ليس كذلك فقط، بل إن كثيراً من "المثقفين" العرب يساعدون الغربي باستماتة على تعظيم رموزه وتنزيهها، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل إن بعضهم يحاول تلميع حتى مجرميهم، وهناك أمثلة كثيرة عن "مثقفين" يكادون يبررون لهتلر ما فعله.
من هنا نستطيع أن ننتقل إلى الشق الثاني من الحديث، وهو أن العرب الذين يتصدى "المثقف" العربي – وبالصدفة طبعاً - لنقدهم دوماً، هم حصراً الذين أوجعوا المستعمر وأفشلوا الكثير من مخططاته: جمال عبد الناصر، صلاح الدين، حافظ الأسد، أليس في هذا الكثير من الغرابة؟ ألا يحق لنا أن نتساءل؟
الحديث ليس عن يوسف زيدان بالذات، والمشكلة لا تتوقف عند موضوع صلاح الدين، بل هي آخذة بالتمدد، ولا يخجل أصحابها من مواقفهم التي يعلنونها فجأة وبلا مبررات، فتصيبنا بمقتل أحياناً بحسب قرب قائلها منّا ومحبتنا له، والتبرير هو ذاته: "النقد" و"الحقيقة".
ومن هؤلاء أيضاً، الكاتب السوري الذي اختار من بين كل الأيام، يوم إعلان مدينة حلب خالية من الإرهاب، فكتب على صفحته على فيس بوك: لا منتصر في هذه الحرب!
وصحفي اختار يوم ذكرى مجازر الأرمن ليهاجمهم ويتهمهم بخيانة الدولة العثمانية التي كانت ترعاهم! وبأنهم قتلوا أضعاف ما قتله الأتراك منهم؟!
وصحفي، يقيم في دمشق، ويمر بكل ما نمر به من عذابات تسببت بغالبها كارتيلات السلاح التي زاد إنتاجها على حساب دمائنا، فصنعت إيمانويل ماكرون ليتابع لعبة التسليح والحرب، فيندب حظه يوم فوز ماكرون بالرئاسة الفرنسية، لأنه خلال كل حياته لم يرَ سوى رئيسين، ولو كان في فرنسا لعاصر عشرة رؤساء أو أكثر؟!
ما هذا العهر؟
عذراً.. لكنني لم أجد توصيفاً دقيقاً لما تقومون به سوى العهر.. اختيار التوقيت لديكم لا عنوان له سوى العهر.
والأنكى، أنه علينا تقبل كل ما سبق من إفك تحت مسمى النقد، ولا يجوز أن نعترض، كي لا نبدو خشبيين ونوستالجيين، وكي لا نُتهم بالمشاركة في تخدير الشعوب بالأكاذيب.
برأيي الشخصي، إن كل ما سبق الحديث عنه، وغيره الكثير مما لم نذكره، له غاية واحدة، وإن قدمنا حسن النوايا ولم نقل غاية، واستبدلناها بمصطلح نتيجة، فإنها نتيجة واحدة سيقودك إليها كل استكمال طبيعي لسياقات النقاش، سياقات يجرك إليها العقل والمنطق والمقارنات والمقاربات، فتكتشف فجأة أن الحقيقتين الوحيدتين المطلقتين في هذا العالم وعبر التاريخ هما أمريكا وإسرائيل.
وهذا بالذات ما لن نسمح له بالمرور دون أن نتصدى له، ودون أن نكذّبه، وبكل وسيلة ممكنة.
الجمل
التعليقات
كفانا محاباةً لمن لا يستحق على حساب من يستحق
على الهامش
حان وقت القطاف
إضافة تعليق جديد