مبارك يحذر اللبنانيين
أعلن الرئيس المصري حسني مبارك تحذيرا من ضياع لبنان، ومن نفض العرب أيديهم منه إذا لم يتم انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان، جاء ذلك فيما أنهى أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى جولة أولى من مفاوضات شاقة مع فرقاء السياسة اللبنانية، حول “المبادرة العربية” لحل الأزمة اللبنانية، من دون أن يتمكن من تحقيق أي خرق في جدار الأزمة، وصرح أن المرحلة المقبلة تتطلب تحركا مختلفا، واتصالات دولية وعربية، وأنه سيزور دمشق. وتحدثت مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري عن عودة موسى بعد أيام إلى بيروت، معززاً بوسائل وأسلوب جديدين للتوصل إلى حل. وعكست تصريحات أطراف في الموالاة والمعارضة تمسكها بتفسيراتها ومواقفها، وأجواء اللاثقة فيما بينها.
وفي تصريحات له أمس في قنا في صعيد مصر، شدد الرئيس المصري حسني مبارك على أهمية العمل على تنفيذ المبادرة العربية الخاصة بلبنان، لأنها صادرة عن قناعة الدول العربية بلا استثناء، وحذر من أنه إذا لم يتم تنفيذ المبادرة فإن “الكل سينفض يده عن لبنان، ويمكن أن يضيع هذا البلد ولا يدري أحد كيف سيكون مستقبله”. وأضاف أن لبنان يعتبر قصة فريدة في العالم، وأن المبادرة الأمريكية لم تنجح وكذا الأوروبية، ولم يتبق سوى المبادرة العربية. وحذر من أنه إذا لم يعمل اللبنانيون على إنجاح المبادرة العربية فإن الموقف سيكون خطيرا جدا والمنطقة حوله، وقال “لا بد من أن يجدوا حلا لأزمتهم، لأنهم في حالة عدم اتفاقهم يدمرون لبنان، وإننا لا نؤازر أحدا أو جانبا على آخر في لبنان، ولكن ليس من المعقول أن يظل هذا البلد بهذا الشكل الذي لا يرضي أحدا، ويجعله مسرحا لصراعات كثيرة”.
وتساءل مبارك عما إذا كان يرضي الرأي العام في لبنان أن يبقى الوضع على ما هو عليه، ودعا إلى ضرورة الاتفاق على اختيار رئيس جديد.
وغادر أمين عام جامعة الدول العربية بيروت، بعدما التقى معظم القيادات اللبنانية المعنية باستمرار الأزمة، ووعد بالعودة ما بين 16 و19 الشهر الحالي لمتابعة مفاوضاته، بقصد تزخيمها بمشاورات عربية وإقليمية ودولية، تساعد على احترام الحل، وتوقعت مصادر مطلعة أن يعرج موسى في المرة المقبلة على دمشق، لإجراء مشاورات مع المسؤولين السوريين وفي مقدمهم الرئيس بشار الأسد، من أجل حلحلة الأزمة اللبنانية، كما توقعت أن يصار إلى عقد مؤتمر للحوار يجري في أثنائه تفسير واحد للمبادرة العربية وآلية تطبيقها، خصوصاً أن الوضع الآن يختلف عن السابق ولم يعد مسموحاً بأي مراوغة بشأن المبادرة العربية.
وخلّف موسى وراءه سحابة تشاؤم بإمكان نجاح المبادرة، بتجديد تحذيره من أن لبنان في الساعة الحادية عشرة، ولا بد من إنقاذه، وغلف الشكوى من صعوبات التي تعتري مهمته بدبلوماسية معهودة لديه، وناشد أن يساعد وزراء الخارجية العرب في تذليل العقبات التي تعيق نجاح المبادرة. وقال بعد لقائه أمس رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري إنه ماض في المبادرة وسيبلغ وزراء الخارجية العرب بما خلصت إليه، ويكثف مشاوراته واتصالاته معهم للمساعدة على كيفية تنفيذ المبادرة، وقال إنه سيزور دمشق، في هذا السياق، لأنها جزء من الحل، وذكر أنها لعبت دوراً إيجابياً لتسهيل مهمته.
وفيما قال موسى إن لقاءاته اللبنانية في الأيام الثلاثة الماضية كانت إيجابية، وتستند إلى زخم ودعم عربيين، إلا أنه صرح في حديث نشرته أمس صحيفة السفير بأن الوضع في لبنان “خطير جداً”، في ظل ما يحيط به من تشنجات خارجية، وأن الحل للأزمة لم يتضح بعد، وجزم بأن جميع الفرقاء في لبنان يستشعرون خطورة الأزمة، ويرغبون في إيجاد حل، إلا أن أحداً لا يتزحزح عن مواقفه، ولا يتراجع عنها.
واعتبر موسى عند لقائه شيخ عقل الطائفة الدرزية أن المسؤولية عن تدهور الأوضاع في لبنان كبيرة جداً، وأن من يقوم بذلك يتحمل النتائج، ورفض الإفصاح عن الجهة التي تعرقل إنضاج الحلول اللبنانية، ورفض الاتهامات الموجهة إلى سوريا بالعرقلة.
وكشف لدى مغادرته في مؤتمر صحافي مشترك في مطار بيروت مع وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ أن المرحلة المقبلة ستتطلب تحركاً من نوع مختلف لم يحدد ماهيته، وإلى اتصالات دولية وعربية لمتابعة ما يجري والاطمئنان على الوضع في لبنان، وأنه سيجري اتصالاً بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون و”أكبر المراكز السياسية العالمية” لمتابعة الملف اللبناني. وأوضحت أن ما تحقق في مهمته ينحصر في عودة الحياة إلى العملية السياسية، والعمل على الاقتراب من الحل، آملاً أن “نهنئ أنفسنا” بالوصول إليه قبل 21 الشهر الحالي، وهو موعد جلسة مجلس النواب لانتخاب الرئيس اللبناني، أو 27 منه موعد التئام مجلس وزراء الخارجية العرب لتقييم مهمة موسى.
وأوجزت أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري أجواء مشاورات موسى بأنها انتهت إلى نقطة توافق وحيدة بين الموالاة والمعارضة تخص اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان مرشحا للرئاسة، ولكن ضمن سلة كاملة، إلا أنّها ثبّتت مسلمات أنه لا انتخاب رئيس للجمهورية قبل الاتفاق على الحكومة الجديدة، ولا انتخاب رئيس ولا حكومة جديدة قبل الاتفاق على قانون الانتخابات النيابية الجديدة، ولا حلول مجتزأة بل إقرار هذه الحلول في سلة متكاملة.
ووفق مصادر دبلوماسية عربية في بيروت، فإنه في موازاة التعثر الذي أصاب المبادرة العربية في التفسيرات المتناقضة لها من الأطراف اللبنانية، تداول موسى مع بري أول أمس ومع أقطاب “14 آذار”، في فكرة دعوة هيئة الحوار الوطني للالتئام مجدداً في مجلس النواب، وفي ضوء تعثر اقتراح عقد لقاء ثنائي بين رئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون ممثل المعارضة والنائب سعد الحريري ممثل الأكثرية بسبب إجماع الأكثرية على الرفض من جهة، وتعذر البدائل من جهة ثانية، ومنها عقد لقاء رباعي بين بري والحريري وعون يشارك فيه قائد الجيش العماد ميشال سليمان، ورفضت المعارضة اقتراحاً يقضي بعقد لقاء بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والحريري.
إلى ذلك، جددت الأكثرية النيابية، بلسان رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب وليد جنبلاط رفض إعطاء ثلث المقاعد الوزارية زائداً واحداً للمعارضة في الحكومة الجديدة، وكذلك رفض التفسير للخطة العربية في شقها الحكومي الذي يعتمد قاعدة 10 وزراء لكل من المعارضة والموالاة ورئيس الجمهورية، وقال إن هذا لا يمكن أن تقبل به الأكثرية. واعتبر أن حصول المعارضة على “الثلث زائداً واحداً” يعني “تبخيراً ونسفاً لصلاحيات رئيس الجمهورية، ويؤدي إلى زيادة الحساسيات المذهبية السنية الشيعية”.
وحمّل حزب الله أيضاً الإدارة الأمريكية مسؤولية تعطيل المبادرة العربية، وقال النائب حسن فضل الله إن الموقف الأمريكي لا يزال اليوم مانعاً من تمكن هذه المبادرة من أن تأخذ وضعها الطبيعي لإيجاد المعالجات والحلول للأزمة الداخلية في لبنان. وقال إن الذي يتحمل مسؤولية إطالة أمد الفراغ هو الذي يرفض التفاهم والتوافق وحكومة الشراكة الوطنية، وشدد على أن المعبر الوحيد للوصول إلى انتخابات رئاسية هو الاتفاق على السلة الكاملة كما نصّت عليها المبادرة العربية، ولا يمكن سلوك هذا المعبر إلا من خلال حكومة الشراكة والوحدة الوطنية.
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد