متعة الطعام عند الطفل يفسدها ... الإلحاح

09-01-2009

متعة الطعام عند الطفل يفسدها ... الإلحاح

«حتى هذه اللحظة لا يمكنني أن أشتم رائحة «اليوسف أفندي»، من دون الشعور بالرغبة في التقيؤ. الأسبوع الماضي، قدم لي نادل بعد وجبة الغداء طبقاً من الفاكهة بعضها كان من حبات «اليوسف أفندي»، فلم أتمالك نفسي وسارعت إلى الحمام أفرغ ما في معدتي. وهناك عادت بي الذاكرة إلى يوم تعرضت للضرب المبرح من والدي، لأني رفضت مشاركة العائلة في تناول هذه الفاكهة الشتوية. كنت وقتها في الثانية عشرة من العمر»، تقول تالا (التي تبلغ من العمر الآن عشرين سنة، وتعمل موظفة في شركة إعلانات). وتعترف بأنها سببت الكثير من المتاعب لوالدتها، حين كانت في سن الطفولة والمراهقة، لأن شهيتها للطعام تختلف عن شهية بقية أفراد العائلة وعلى الأخص إخوتها.

حالة تالا ليست نادرة، فثمة كثيرون يمتنعون عن تناول أطعمة مفيدة لأنها ارتبطت في ذاكرة طفولتهم، بتجربة سلبية أو ذكرى مؤلمة، لهذا ينصح الاختصاصيون في التربية، الوالدين بالتحلي بالوعي والحكمة للتغلب على مشكلات الشهية والطعام لدى أبنائهم، بدلاً من الإجبار والقسوة أو العنف الذي يترك في أحيان كثيرة نتائج سلبية قد تنعكس على تقبل الأولاد لأنواع من الأطعمة المفيدة للصحة.

ويشير الباحث الدكتورعبد الستار ابراهيم في كتابه «العلاج السلوكي للطفل» إلى أن هناك ثلاث مشكلات رئيسة ترتبط بسلوك الأكل والطعام لدى الأطفال هي: رفض الأكل والعزوف عن الطعام، النهم والجشع في الأكل، ومشكلات مرتبطة في شكل غير مباشر بعمليات الأكل والطعام بما فيها التقيؤ والتجشؤ وتأخر الانفطام والإصرار على الأطعمة المسلية وعدم تقبل الأكل الذي تتوافر فيه شروط الصحة والغذاء الجيد. ومن هذه المشكلات الثلاث توصف مشكلة الشهية للطعام كإحدى المشكلات الرئيسة التي تثير جزع كثير من الأسر.

وبحسب ملاحظات خبراء النمو فإن شهية الطفل للطعام تقل عموماً بين السنة الثانية والسنة الثالثة من العمر. وتبدأ الشهية بالاعتدال مع دخول السنة الثالثة، وتمتد الشهية للأكل حتى تشمل أنواعاً من الطعام كان يرفضها الطفل من قبل. وعلى رغم أن الفترة من أربع إلى ثماني سنوات تشهد تطوراً طيباً، وشهية جيدة للأكل فإن الطفل في سن السادسة قد تسهل إثارة قرفه أو اشمئزازه من أنواع معينة من الأكل لمجرد لونها أو ملمسها أو لأنه رأى أحد أطفال الأسرة الصغار يتعاطاها بطريقة تثير اشمئزازه. في حين تتزايد الشهية بعد ذلك بدرجة كبيرة ما يثير قلق الأسرة بخاصة عندما يكون الطفل في عمر 12 سنة، إذ يبدو الطفل كأنه يمتلك معدة لا تمتلئ، لكن عملية الضبط تبدأ بعد سنة واحدة أي في الثالثة عشرة من عمره، إذ تنتظم عادات الأكل الأخرى بصورة أفضل فيبدو الطفل أكثر انضباطاً.

ويتفاوت الأطفال في ما بينهم في سلوك الأكل بحسب الطبيعة المزاجية وبناء الشخصية، فبعضهم يعيش ليأكل، فالطفل الممتلئ المستدير هو من هذا النوع الذي لا يشكو فقدان الشهية ولكن هناك بعض الأطفال من النوع النحيف الضئيل الذين لا يفكرون في الأكل إلا نادراً وهم عادة يجوعون فجأة وتمتلئ معداتهم بسرعة، ولهذا ينصح أطباء الأطفال بأن تكون وجباتهم متعددة وألا تقتصر على الوجبات الثلاث الرئيسة، وإذا ما ألححنا على مثل هذا النوع من الأطفال في الأكل فإنهم عادة ما يزداد عزوفهم عنه، وقد يتقيأ الواحد منهم إذا كان الإلحاح قوياً. ولحسن الحظ، فإن هذا النوع من الأطفال أكثر نشاطاً وأكثر صحة من النوع الممتلئ الذي يكثر من الأكل على رغم أن وزنه يبقى دائماً أقل.

وعموماً فإن هناك بعض الاعتبارات السلوكية التي ينبغي الانتباه لها عند التعامل مع مشكلات الشهية والطعام كتقديم الطعام بصورة جذابة، وبكميات قليلة بحيث يوضع على المائدة من دون تعليق أو إلحاح، إضافة إلى عدم التركيز على كمية الطعام التي ينبغي أكلها، فمثل هذا التركيز من شأنه إن يؤدي إلى عزوف الطفل ذي الشهية الضعيفة عن الاستمرار في الأكل، كما أن من الضروري معرفة أن العزوف عن بعض أنواع الطعام قد يكون نتيجة أسباب صحية غير معروفة كالحساسية وما تسببه من عدم الراحة، ولهذا تأتي أهمية الفحص الطبي للطفل الذي لا يأكل كثيراً.

وينصح الخبراء بالحفاظ على اتجاه ثابت وعدم إبداء القلق أو المخاوف الشديدة تجاه سلوك الإقلال من الطعام. فلا شيء يثير عزوف الطفل وهروبه من الأكل أكثر من الجزع الذي تبديه الأم على طفلها وإلحاحها على تناوله كمية كبيرة من الأكل، ويذّكر الأطباء بأن الطعام من مباهج الحياة للأطفال والبالغين لذا علينا ألا نفسده عليهم بالإلحاح والضغط.

لينا الجودي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...