متميزون سوريون يصنعون طائرة بلا طيار.. بما تيسّر
لا يمكن لفرحةٍ في الدنيا أن تعادل فرحةَ طفلٍ صنع طائرة ورقية وطيّرها في الهواء، فكيف يكون الأمر مع يافعين لم يتجاوزوا سن الثامنة عشرة من عمرهم، وقد صنعوا طائرة من دون طيار من ألفها إلى يائها في مختبراتهم البسيطة، مستعينين بما توفر بين أيديهم من أدوات.
بالتأكيد أنهم لن يغنّوا كغيرهم من أبناء جيلهم «طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان»، فقد أضافوا تعديلاً على نص الأغنية، وباتت «طيري يا طيارة طيري بلا ورق وخيطان، طيري يا طيارة طيري بلا طيار»، وهم على ثقة بأن فيروز لن يزعجها ذلك.
وصناع الطائرة من دون طيار هم أربعة طلبة سوريين من «المركز الوطني للمتميزين» في اللاذقية، علي الرياحي وندى سلمان وسارة حبيب وعدنان سعود، وقد أمضوا في صناعتها قرابة عامين قبل ان يصلوا إلى اللحظة التي تطير فيها أمام زوار المؤتمر العلمي لمركزهم من وزراء وأكاديميين وشخصيات عامة وزملاء.
ليست الطائرة التي صنعها الرباعي السوري بالتأكيد الأولى في العالم، لكن خصوصيتها تأتي من واقع البلد الذي صنعت فيه، وصغر سن مصمميها، وتمكنهم من تنفيذ أول تجربة ناجحة من هذا النوع في مركزهم، إضافة لنجاحهم في نقل تقانات علمية متقدمة وتوطينها في خطوة تؤسس لمراحل لاحقة هامة جداً على صعيد استيعابها واستخدامها في مجالات أخرى. ويهدف المشروع إلى تطوير المجتمع السوري والنهوض فيه للتخلص من التبعية للبلدان المتقدمة وآثارها السلبية، بحسب ما تؤكد مريم فيوض، المنسقة العلمية في مركز المتميزين.
ويمتلك المصممون الأربعة طاقة كبيرة استثمروها خلال مراحل العمل، من دون أن يستسلموا للعوائق التي يفرضها واقع البلاد.
ويشرح عدنان أن «البداية كانت مع محاكاة نظام التحكم واستمر ذلك لخمسة أشهر، وبعدها تم الانتقال إلى بناء التصاميم الميكانيكية، وهي عبارة عن جسمين مختلفين».
وتكمل سارة الشرح، موضحة أن «المرحلة التي تلت ذلك هي نمذجة الطائرة رياضياً، للتوصل إلى معادلات الحركة واستخدامها من أجل الوصول إلى وظائف النقل لتسهيل تصميم نظام التحكم».
وأمضى الطلبة وقتاً في المختبرات أكثر مما أمضوا في منازلهم خلال فترة التصميم. وفي هذا الشأن، يروي علي أنه «خلال مراحل عدة، اختبرنا المحركات والطرفيات الأخرى عملياً، وسجّلنا القياسات لتحليلها والتوصل لثوابت خاصة بالمكونات، وذلك من أجل تعويضها في النموذج الرياضي ومواءمة حركة الطائرة، ما ساهم بشكل كبير في تصميم نظام التحكم، وامتد العمل حتى وصلنا إلى تصميم نظام التحكم المعتمد وترجمة نتاجه إلى خوارزميات برمجية يمكن حقنها بالمتحكم، لنكون بذلك قد أنهينا القسم الأول من العمل».
وقام القسم الثاني على تجميع الطائرة وتصنيع الجسم كاملاً في مختبر «الروبوتيك» ضمن المركز. واضطر المصممون للسفر إلى خارج المحافظة من أجل استثمار مختبر المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا في صناعة صفائح الفيبرغلاس Fiberglass .
وانتهت عملية التجميع، فخفقت قلوب المصممين بسرعة بانتظار لحظة الاختبار التي تكللت بالنجاح بعدما دمجوا نظام الاتصال مع التغذية.
وامتص الشباب الطاقة السلبية التي بثها بعض المحيطين بهم، وقلة ثقة المجتمع بقدرتهم، إذ يقول عدنان إن «كثيرين كانوا يسخرون من فكرة أننا نريد تصميم طائرة، لكننا لم نفكر إلا بأن علينا أن ننجح ونثبت امكانيات الشباب السوري وقدرته على مواجهة الظروف وإيجاد البدائل في ظل الحصار الذي تعيشه البلاد».
يذكر انه خلال تجربة الاختبار، اصطدمت الطائرة بالجدار وتعطلت، لكن مصمميها الأربعة أعادوا صيانتها، «لأنهم استطاعوا توطين المشروع ما جعل عملية صيانته تتم بسرعة، فهم كسروا قاعدة استيراد التقانات وفرضوا قاعدة جديدة مفادها أن انتاج التقانات ممكن من المواد المتوفرة، فعلى سبيل المثال استخدموا شاحن الموبايل لتوليد الطاقة للطائرة»، بحسب فيوض.
ولم تنته الطائرة كمشروع بالنسبة لمصمميها، إذ لا يزال لديهم الرغبة بتطويرها. وهي ليست المشروع الوحيد الذي أنتج على مبدأ الحاجة في «معرض المركز الوطني للمتميزين»، فإلى جانبها ولد مشروع توليد الطاقة الكهربائية من جذور النباتات في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء في سوريا، ما دفع المصممين تيماء بطيح وشيم حسن وحمزة صدور وعلي أحمد وآفين حسين للعمل على انتاج طاقة كهربائية نظيفة من مصدر متجدد هو النباتات. واستطاعوا من خلال جذورها والاعتماد على عملية التركيب الضوئي وفائض انتاج النبات من المواد العضوية، أن يولدوا كهرباء قادرة على إضاءة منزل وإنتاج الكهرباء من النبات، وهو ليس مفهوماً جديداً، لكن ما يميزه أن النبتة لا تتعرض لأي ضرر.
ويرفض الطلبة السوريون المتميزون، التعايش مع أزمة بلادهم وظروفها الحالية، وهم يعتبرون أن الأفكار لديهم تنمو وتكبر في كل الاتجاهات بمجرد احتضانها وتشجيعها.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد